مساواة مع وقف التنفيذ
بقلم: لمياء الجيلي
نضال طويل قادته النساء للحصول علي المساوة في الفرص وفي إمكانية التمتع بحقوقهن الإنسانية الأساسية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ، والتي تتمثل في حق المساوة في التعليم، وعدم التمييز في المناهج التعليمية وجودة التعليم، وعدم التمييز في فرص العمل والترقي ، و في الحصول علي الخدمات الصحية ، والمساواة في الحصول علي الأراضي ، والمشاركة في وضع وتنفيذ التخطيط الإنمائي، وفي فرص العمل، والترقي، وتولي المناصب القيادية، والضمان الاجتماعي ، وعدم التمييز في المشاركة السياسية والتمثيل الدبلوماسي، والتساوي في تولى المسئوليات داخل الأسرة، والتربية والتنشئة المتساوية للبنات والأبناء داخل الأسرة ، وغيرها من الحقوق التي شملتها اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW). هذه الاتفاقية وجدت معارضة شديدة من القوى الظلامية، ومن المستفيدين من الخلل التاريخي في البنيات المجتمعية ومن استمرار هذا الوضع الغير عادل والذي أدي الي حدوث هشاشة في أوضاع النساء، وأضعف فرص مشاركتهن بعدالة في الشأن العام وإدارة شئون بلادهن وإدارة شئونهن وحياتهن، بل ساهم في تخلف العديد من المجتمعات، وأضعف فرص المشاركة الفاعلة لكل أفراد الأسر في التنمية والإنتاج. ومنذ فتح هذه الاتفاقية للمصادقة عليها من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في العام 1979انطلقت الحملات المضادة لهذه الاتفاقية، وتمت العديد من المحاولات لتشويهها وتصويرها بأنها (الغول) الذي يلتهم كل شيء ويهدم القيم والأخلاق المجتمعية. بعضهم قاد حملة التشويه هذه عن قصد ووضع لها المبررات والفتاوى الدينية، وبعضهم سار في درب هذه الحملات بجهل، وغالبهم لم يطلع على نصوص هذه الاتفاقية، وللأسف عدد مقدر من النساء سرن على نفس الدرب، متجاهلين حقهن الإنساني في المساواة والعيش بكرامة ودون أي شكل من أشكال التمييز المبنى على نوعهن الاجتماعي. وفي السودان وخلال العهد البائد كانت الحملات في أوجها ملبسين هذه الحملات (لباس) الدين والتقوى، وهم يعلمون ان كل الدول العربية وأكثر من98% من الدول الإسلامية صادقت على هذه الاتفاقية ومنها من صادق عليها دون تحفظ على أي من بنودها.
مؤخراً وبعد (طول انتظار) و(مواكب ومذكرات) أجاز مجلس الوزراء المصادقة على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والتي دخلت حيز النفاذ في العام 1981 وصادقت عليها كل دول العالم ماعدا ثلاث دول من ضمنها السودان. للأسف تحفظ المجلس على مواد هامة ورئيسية في هذه الاتفاقية، التي طال انتظار نساء السودان للانضمام إليها. فحسب بيان مجلس الوزراء الصادر في السابع والعشرين من أبريل فقد تم التحفظ على المواد (2، 6، و9-1). هذه التحفظات تفقد هذا الإنجاز الكثير من (حسناته)، كما تعطي مؤشرات سلبية حول ضعف الإرادة السياسية لدى الحكومة فيما يتعلق بقضايا النساء وإنصافهن، وباحترام وصون كرامتهن وإنسانيتهن. فالتحفظ على المادة (2) يضعف فُرص الاستفادة من هذه المُصادقة ومن تحقيق المساواة وعدم التمييز، فهذه المادة تعتبر روح الاتفاقية التي تبعث فيها الحياة وتجعل إنفاذها (مُمكنا)، وقطف ثمارها (سهلاً). فالمادة (2) من الاتفاقية الدولية تلزم الدول الأعضاء بالقضاء على التمييز تجاه النساء سواءً كان ذلك من مؤسسات حكومية أو من مؤسسات خاصة. كما أوضحت هذه المادة الإجراءات التي يجب اتباعها لتحقيق ذلك من خلال تضمين مبدأي المساواة وعدم التمييز في الدستور وسن قوانين وسياسات تمنع التمييز وتعاقب عليه، وإقرار الحماية القانونية للنساء من كافة أشكال التمييز. فالتحفظ على هذه المادة يعنى عدم رغبة الحكومة في الالتزام بسن قوانين ووضع سياسات وإجراءات تمنع التمييز سواءً كان ذلك في المؤسسات الحكومية أو المؤسسات الغير حكومية. وكذلك التحفظ على المادة (16)، والتي وضعت معالجات (وحددت) بدقة (مكان الجرح) وموقع (الخلل)الذي دفعت بسببه النساء ثمن غالي من راحتهن وصحتهن وسعادتهن، بل كانت ولازالت سبب عذاباتهن وسبب رئيسي للفجوة النوعية التي تعاني منعها غالبية نساء العالم، وذلك بوضع (المتاريس) أمام النساء ومصادرة حقهن في حرية الاختيار، وفي ضمان وممارسة الحقوق الشخصية والفردية للنساء وفي حق اتخاذ القرارات المتعلقة بأوضاعهن داخل الأسرة. فالمادة (16)، والتي تحفظت عليها حكومة الثورة، تحدثت عن المساواة داخل الأسرة ومنح المرأة نفس الحق في عقد الزواج وحرية اختيار الزوج وفي عدم عقد الزواج دون رضاها، كما أكدت على حقها في التمتع بنفس الحقوق والمسئوليات فيما يتعلق بالأطفال وبالولاية والوصاية عليهم، وعلى التنشئة والتربية المتوازنة داخل الأسرة وغيرها من البنود التي تعالج الخلل البنيوي والتاريخي داخل الأسرة والذي كان سبباً في كثير من المشاكل الأسرية وفي العنف داخل الأسرة. أما التحفظ على المادة 29 /1 يضعف فرص مقاضاة الدول، أو اللجوء الى التحكيم حال نشوء خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية وفي حالة فشلها في تحقيق المساواة، أو حال ممارسة التمييز تجاه مواطنيها.
نثمن موافقة مجلس الوزراء علي الانضمام الى هذه الاتفاقية والى بروتوكول حقوق المرأة الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (بروتوكول موبوتو) (وأن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى)، كما نتمنى أن تراجع حكومة الفترة الانتقالية قرارها بالتحفظ علي المواد المذكورة أعلاه وأن توضح للرأي العام الأسباب التي أدت الى تحفظها علي هذه المواد وما هي مرجعتيها في ذلك؟، وما هي الآلية التي اتبعتها للوصول الى قرار التحفظات؟، وما هي الجهات التي شاركت في اتخاذها؟ ، وكثير من الأسئلة تحتاج الى إجابات وتوضيح من حكومة الفترة الانتقالية، حتى تعرف نساء السودان (صليحهن) من (عدوهن) وأن يحددن الجهة التي تقف (حجرة عثرة) في تحقيق المساواة والإنصاف الذي يستحقهن بجدارة. فهل من العدل بعد هذه النضالات الطويلة للنساء والمطالبة تلو الأخرى بالمصادقة علي اتفاقية سيدوا، وبعد صراع طويل و(مرهق) ومشاركة فاعلة في ثورة ديسمبر المجيدة، وبعد تضحيات وصمود ومقاومة (باسلة) للنظام البائد، الذى أذاق النساء (المر)، والهبت سياط جلاديه ظهورهن وظهور بناتهن، تتم المصادقة علي اتفاقية سيداو مع وقف التنفيذ بما تم من تحفظات علي مواد أساسية وجوهرية بالاتفاقية.