تسليم المطلوبين للجنائية.. خطوات نحو تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا
الخرطوم: أم سلمة العشا
تحركات مكثفة قامت بها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، قبيل انتهاء ولايتها منتصف الشهر الحالي، والتي رأت في خواتيمها تحقيق إنجاز يُحسب لها من خلال مطالبتها الرسمية للحكومة السودانية بتسليم القيادي في النظام المخلوع أحمد هارون، للمحكمة قبل حلول يوليو المقبل، حتى تتم محاكمته مع علي كوشيب المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
وفي المقابل، وجد مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية تعاوناً منقطع النظير مع الحكومة السودانية عقب سقوط النظام بقيادة المشير عمر البشير واندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، وظهر ذلك جلياً من خلال زيارات سجلتها المدعية العامة ووفد المحكمة للخرطوم في أكتوبر الماضي، حيث بحثوا خلال الزيارة إمكانية تسليم المتهمين للمحكمة وعلى رأسهم المخلوع عمر البشير، بجانب التنسيق المكثف من خلال البحث عن المعلومات التي تفيد في إجراءات التحري والتحقيق.
مطلب رئيسي
ودعت المدّعية العامّة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، خلال زيارة إلى الخرطوم الأسبوع الماضي الحكومة السودانية الانتقالية لتسليم أحمد هارون إلى القضاء الدولي لكي يحاكم مع مسؤول آخر في النظام السابق بتهم ارتكاب جرائم في إقليم دارفور، وناقشت بنسودا مطلب تسليم هارون الذي حددته قبيل شهر يوليو المقبل مع مسؤولين في الحكومة الانتقالية.
وأكد النائب العام المكلف مبارك محمود عثمان لـ (مدنية نيوز) أمس الأول، أن بنسودا تحدثت خلال لقائها معه خلال زيارتها الأسبوع الماضي عن ضروره تسليم أحمد هارون للمحكمة. وقال النائب العام إن الأمر رهين بجلوس اللجان الفنية وبحث المسألة في إطار القوانين والاتفاقيات المنظمة لذلك، خاصة أن هناك مذكرة تفاهم مع الجنائية الدولية تسهل من عملية التناول وتبادل الرؤى والأفكار.
وأضاف أن “عملية التسليم معنية بها جهات متعددة أخرى، ولكن بشكل عام أبدينا قدرً كبيراً من التعاون والتفاهم بما يحقق الأهداف”، وأوضح أن المدعية العامة أبدت ارتياحها على مستوى التناول والتفاهم وسهولة التواصل.
يُذكر أن هارون مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية منذ أكثر من عقد بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب خلال نزاع دارفور الذي اندلع منذ 2003م، وأودى بحياة مئات الآلاف، شغل العديد من المواقع الحكومية الرفيعة في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، منها وزير الدولة بوزارة الداخلية. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقّه في 2007 بعدما وجّهت إليه 42 تهمة تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب والاضطهاد والنهب.
واعتقل هارون في السودان عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير بالنظام المخلوع في 2019 إثر احتجاجات شعبية غير مسبوقة.
تعاون مستمر
وكشف النائب العام المكلف مبارك محمود عثمان لـ (مدنية نيوز) عن تعاون مستمر بين مكتب النائب العام والمحكمة الجنائية الدولية منذ وجود النائب العام السابق تاج السر الحبر، وتوقيع مذكرة تفاهم في فبراير الماضي بغرض تبادل المعلومات والتنسيق بين اللجان الفنية، وإمكانية التحدث إلى ضحايا الحرب.
وحسب المتابعات، فإنه وعلى الرغم من الدور الذي تؤديه الحكومة بشأن تسليم المتهمين المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، تظل المعلومات شحيحة وليست بالقدر المطلوب تجاه مطالب الضحايا وأسرهم بتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية. وفي المقابل، يقود وزير العدل د. نصر الدين عبد الباري، تحركات بغرض تسليم المتهمين المطلوبين للعدالة للمحكمة في لاهاي، ويظهر ذلك من خلال لقاءات بنسودا بأسر وضحايا الحرب في معسكرات النازحين في جنوب دارفور، إذ وجدت ترحاباً كبيراً كان له طيب الأثر في نفوس ضحايا الحرب، وتجلى ذلك خلال الزيارة التي سجلتها المدعية العامة لمعسكر كلمة بشمال دارفور، و لاقت استقبالاً وُصِفَ بالحار من قبل المراقبين، للمدعية ووفدها عبر لافتات حملت شعارات باللغة الإنجليزية (welcome icc) تم ترديدها خلال الزيارة.
ويجري التعاون بين الحكومة السودانية منذ الزيارة الأولى التي أجرتها المدعية العامة للخرطوم في أكتوبر الماضي في تنسيق مستمر وصمت وبعيداً عن الأضواء.
إجراءات تسليم
وقال الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن لـ (مدنية نيوز)، إن المدعية العامة لدى لقائها بمنظمات المجتمع المدني الأربعاء الماضي، ذكرت أن أحمد هارون مشاركٌ في ارتكاب الجرائم في دارفور ويجب تسليمه للمحكمة بحسب البيانات المتوافرة وإفادات علي كوشيب أمام المحكمة في لاهاي.
وأضاف الصادق، أن المدعية العامة بحثت مع الحكومة تسليم هارون، وأبلغتها أن قضية الرئيس المخلوع عمر البشير ليست ضمن مهامها الآن، لانشغالها في أيام ولايتها الأخيرة بقضية كوشيب المنظورة أمام المحكمة حالياً.
وتوقع الأمين العام لهيئة محامي دارفور أن تكون إجراءات تسليم هارون جارية حالياً، خاصة بعد طلبه بأن يحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية. وكانت بنسودا قد تمسكت في مؤتمر صحفي عقدته عند عودتها إلى الخرطوم في (2) يونيو الجاري، بتسليم هارون قبل حلول يوليو المقبل، لأنه يواجه الاتهامات ذاتها الموجهة إلى كوشيب، تمهيداً لمحاكمتهما معاً.
ووجه الادعاء (31) تهمة لكوشيب (72 عاماً) تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في (15 و16) أغسطس 2003م في محلية بندسي وكودم، وجرائم ارتكبت ببلدة مكجر في ولاية وسط دارفور في أبريل 2004م.
تفاهمات مشتركة
وتجري التفاهمات بين المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية ومسؤولين سودانيين منذ زيارتها الأولى في أكتوبر 2020، بشأن محاكمة المتهمين محلياً أمام محاكم مختلطة (هجين) بمشاركة قضاة من لاهاي وهو أحد الخيارات المطروحة بحسب إفادات سابقة للنائب العام السابق.
وكانت بنسودا ذكرت في لقائها بمنظمات المجتمع المدني قبل مغادرتها الخرطوم في زيارتها الأخيرة أن توقعات الضحايا والنازحين في دارفور كبيرة، ويعتقدون أن المحكمة ستنظر في كل القضايا، وأكدت أن قائمة الـ51 الواردة في لجنة التحقيق المشكلة بقرار مجلس الأمن الدولي غير ملزمة، وأن التحقيق أفضى إلى بينات ضد الخمسة الملاحقين، بمن فيهم كوشيب.
تعزيز الثقة
وأصدرت هيئة محامي دارفور بياناً حول زيارة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا للخرطوم ودارفور. وأشارت الهيئة إلى أنها ظلت تراقب عن كثب زيارة فريق الادعاء الجنائي بالمحكمة الجنائية الدولية برئاسة فاتو بنسودا للخرطوم ودارفور، ولقاءاتها بالمتأثرين بانتهاكات حقوق الإنسان وأسر الضحايا وقيادات النازحين بالمعسكرات.
ولفت البيان إلى أن بنسودا وفريقها الزائر التقوا قبيل مغادرتهم الخرطوم بممثلين من قوى المجتمع المدني السوداني وهيئة محامي دارفور، كما قدمت تنويراً بملخص زيارتها وفريقها للخرطوم ودارفور، وأن بنسودا أبدت حرصها على تأكيد تعاطفها ووقوفها مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بدارفور، وحصرت مهمتها في هذه الزيارة الأخيرة قبل انتهاء فترتها في منتصف شهر يونيو في قضية على كوشيب المنظورة أمام المحكمة بالاشتراك مع أحمد هارون وآخرين.
ورأت الهيئة أن اعتماد التهم (٣١ تهمة) في مواجهة كوشيب وتسليم أحمد هارون يعززان الثقة في المحكمة الجنائية الدولية، وأمنت في الوقت ذاته على ضرورة تحريك الإجراءات ضد بقية المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المقيدة أمامها في مواجهة (البشير/ عبد الرحيم محمد حسين/ أحمد هارون) والنظر في غيرها من الجرائم الأخرى حسب الاختصاص، وذلك للحيلولة دون إفلات الجناة من العقاب.
وسبق أن طالبت هيئة محامي دارفور الحكومة الانتقالية بتوقيع اتفاق مع المحكمة الجنائية يتضمن إعادة المطلوبين أمام أية محكمة أخرى مختصة، تنظر في أية بلاغات أخرى مقيدة أمامها ومرتبطة بجرائم كثيرة في دارفور يتهم بارتكابها البشير وأعوانه.