السياسة الاقتصادية للحكومة.. ضيق المعيشة ودعوات الصبر لتحقيق آمال الانتقال
الخرطوم: هند رمضان
ترتب على إعلان قرار الحكومة السودانية الانتقالية القاضي بإلغاء الدعم الحكومي لأسعار الوقود، وتحديد أسعار جديدة بزيادة ما يقارب (100%) في يونيو الجاري، آثار يصفها مراقبون بالكارثية، منها زيادة في أسعار السلع الاستهلاكية أثقلت كاهل المواطنين الذين يعيشون ضائقة معيشية قبل أن تطرأ عليهم الزيادة الجديدة التي بدورها فاقمت الوضع المتأزم مسبقاً.
مواطنون سودانيون يعتقدون أن الحكومة تنفذ مشروعها برفع الدعم عن المحروقات دون وضع معالجات تحول دون تضرر المواطنين، لا سيما الشرائح ذات الدخل المحدود مما أدى إلى احتجاجات في العاصمة الخرطوم خلال الأسابيع الماضية.
وزادت الحكومة سعر لتر البنزين إلى (290) جنيهاً من (150) والجازولين إلى (285) جنيهاً بدلاً عن (125) جنيهاً.
قفزة في الأسعار وتهديد للوظائف
وقالت السيدة شادية علي، لـ (مدنية نيوز) أمس: إن الأسعار في الأسواق متباينة ولا يوجد سعر موحد، وقفز سعر كيلو الطماطم والباذنجان (الأسود) والبطاطس إلى (600) جنيه، وأضافت: (أصبحت أشتري اللحم مرة واحدة في الأسبوع، إذ بلغ سعر كيلو اللحم العجالي “2600” جنيه).
أكرم قسم السيد، موظف لا يتعدى راتبه الثلاثين ألف جنيه يتخوف من ألا يكفي راتبه مصروفات المواصلات وحدها وقد يقوده العجز في تغطية متطلباته اليومية إلى التخلي عن الوظيفة والبحث عن عمل آخر ربما لا يجده، تشاطره السيدة إيناس الهادي، ذات المخاوف المعيشية فهي أم لثلاثة أطفال تتكفل بمصروفاتهم الدراسية وغيرها وتعيش في منزل مستأجر مع أبنائها.
وذكرت إيناس: خلال الفترة الأخيرة تضاعف سعر كل شيء، (إيجار المنزل، فاتورة الكهرباء، الغاز وغيره من الوقود)، وأضافت أنها تفكر في أن تستغل سيارتها بعد انتهاء عملها الرسمي للعمل كسائقة تاكسي.
آمال الإصلاح
ويرى أبو بكر قسم السيد، الذي يعمل سائق تاكسي أن زيادة أسعار الوقود ستؤدي إلى تدهور عمله الذي يعتمد عليه، وربما يقل عدد الزبائن والأشخاص الذين يعتمدون على عربات الأجرة في قضاء احتياجاتهم اليومية، وقال إن السودانيين يعانون من ضيق في المعيشة منذ بداية الفترة الانتقالية ويتحملون هذا الوضع أملاً في إصلاح اقتصادي يساهم في رفاهية المواطن، ولكن لا يمكنهم تحمل هذه الزيادات في الوقود والتي تؤثر على كل قطاعات النقل الخاصة والعامة.
وحسب مراقبين، فإن ملف الاقتصاد ومعاش الناس من الملفات التي لم تفلح الحكومة الانتقالية في حسمها وتمضي في سياسات التحرير الاقتصادي دون معالجات لصالح المواطنين، ولكن الحكومة الانتقالية تبرر بأن القرار يأتي في إطار سياسة الدولة الرامية لإصلاح الاقتصاد الوطني وتأسيس بنية تمكن مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية.
تقاعس
رئيس اللجنة الاقتصادية لحماية المستهلك د. حسين القوني، ينظر إلى الارتفاع المستمر للأسعار بأنه غير منطقي، وذكر أنه استمر لفترة طويلة والسبب الأساسي في ذلك المستهلك نفسه لأنه لا يحتج ويعترض وهو يعلم أن الأسعار مبالغ فيها ولا علاقة لها بتكلفة الإنتاج، لذلك يتمادى التجار في الزيادة. وأضاف القوني في إفادة لـ (مدنية نيوز): (تتقاعس جهات الاختصاص عن تطبيق قانون حماية المستهلك إذ يوجد قانون قومي يحمي المستهلك ولكنه غير مفعل، وتمت المصادقة على هذا القانون في فبراير 2019م ، ووفقاً للقانون يمنع الاحتكار والتهريب وعرض سلع منتهية الصلاحية وخلافه من قضايا المستهلك، ويلزم التجار بالأسعار التي تحددها وزارة التجارة).
ويشدد القوني، على ضرورة تفعيل القانون واللجنة القومية لحماية المستهلك وهي لجنة أسستها وزارة التجارة مختصة بتفعيل القوانين ورفع المظالم للجهات الحكومية والقضائية، وتابع: “لكن إلى الآن لم يتم تخصيص شرطة خاصة بالمستهلك ونيابات ومحاكم وعدم وجودها يعتبر عاملاً أساسياً في المشاكل التي يعاني منها المستهلك”، وزاد: (تعرض بضائع منتهية الصلاحية في الأطراف وبعض الأسواق، يضاف إليها المشكلات المتعلقة بأوزان الخبز وتخزين الدقيق، ويمكن القياس على ذلك في القضايا الأخرى لذا لا بد من الحلول الممكنة ودعم تنشيط الجمعيات التعاونية والاستهلاكية والانتاجية وتشجيع الزراعة المنزلية وتنشيط برنامج سلعتي، ولا بد من تطبيق قانون حماية المستهلك).
رؤى مختصين
يبدو أن الحكومة الانتقالية آثرت أن تمضي في طريق البنك وصندوق النقد الدوليين الذي يؤدي إلى تدمير الاقتصاد الوطني والتضييق على المواطنين في معيشتهم، وأنها لو طبقت سياسة حشد الموارد الذاتية سيتعافى الاقتصاد السوداني تماماً، وذلك حسب عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير د. التجاني حسين. وقال التجاني في إفادة لـ (مدنية نيوز) إن آثاراً اقتصادية وخيمة جداً حدثت على معيشة المواطنين حيث ارتفعت أسعار كل السلع إثر ارتفاع تكلفة النقل وتضاعفت تكلفة المواصلات للفرد وخاصة ذوي الدخل المحدود، وتأثر القطاع الزراعي والصناعي، وأردف: (لا يوجد مبرر لما يحدث)، ومضى للقول إن اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير طرحت برنامجاً يستهدف الموارد الذاتية للبلاد وإحكام سيطرة الحكومة على الذهب والزراعة وإرجاع الشركات الحكومية، بجانب وضع يدها على الأموال المجنبة.
ومن جانبه ذكر المحلل الاقتصادي كمال كرار: “هذه الفوضى التي تضرب الأسعار تعبر عن أزمة الاقتصاد وبؤس السياسات الاقتصادية وعدم القدرة على تثبيت سعر الجنيه أمام الدولار أو التحكم في التضخم، وكل ذلك أسفر عن زيادات مضطردة في الأسعار تزامنت مع غياب أية تشريعات أو قرارات بضبط الأسعار، وزاد الأمر سوءاً التوقعات المتشائمة حول الاقتصاد وقدرة الدولة على استقراره مما خلق وضعاً غريباً تزداد فيه الأسعار كل ساعة وليس كل يوم”.
تغذية الطفيلية
وقال كرار في تصريح لـ (مدنية نيوز): “ما يحدث هو نتيجة طبيعية لسياسات رفع الدعم وتعويم الجنيه التي قفزت بالتضخم إلى أرقام قياسية، والمزيد من الضائقة المعيشية والإفقار وسيادة رأس المال الطفيلي، بيد أن هذا الضغط سيولد موجات من الاحتجاج الجماهيري”.
ووفقاً لكمال كرار، فإن الحكومة السودانية رفعت أسعار المحروقات بنسبة تقارب (100%)، بما يرفع معدلات التضخم في المتوسط إلى (350%) ولكنه سيتجاوز الـ(600%) بعد أن رفعت الحكومة أسعار المحروقات، وأن ذلك سيؤدي إلى خروج العديد من الأعمال عن دائرة الإنتاج، وأن زيادة أسعار الوقود ستزيد من معاناة الناس وبالتالي تتآكل الأجور والمعاشات وتصبح الحياة قاسية، وهذه الزيادة في أسعار المحروقات تؤثر سلباً على القطاعات الإنتاجية بزيادة تكاليف الإنتاج وبالتالي تهزم أية فكرة لتعظيم الصادرات، وأضاف: “(70%) من البنزين ينتج محلياً و(45%) من الجازولين ينتج محلياً وحتى لو قورنت التكلفة بسعر الدولار في السوق الموازي فلن يتجاوز سعر اللتر من المنتج محلياً (32) جنيهاً للجازولين والبنزين ويعني (144) جنيهاً للجالون”.
وينفق السودان حوالي المليار دولار سنوياً لدعم المحروقات، واعتمدت الحكومة الانتقالية سياسة تحرير المحروقات التي ترى أنها تسهم في إزالة العديد من التشوهات التي يعاني منها الاقتصاد.