الإرهاب.. تركات النظام المخلوع تطارد الانتقال الديمقراطي
الخرطوم: أم سلمة العشا
توقيف العناصر المتهمة بانتمائها لتنظيم القاعدة والخلايا الإرهابية في البلاد، من قبل السلطات السودانية يعد من ضمن التركات الثقيلة التي خلفها النظام المخلوع. في المقابل تجري حكومة الفترة الانتقالية بتعاون تام مع الأجهزة الإقليمية والدولية مساعٍ لمنع تكوين بؤر إرهابية داخل أراضي السودان. وحسب ما هو معلن فقد تم إيقاف مجموعات إرهابية تنتمي لتنظيم القاعدة، من جنسيات مختلفة بعضها منشور في قائمة مجلس الأمن الدولي ومن بينهم حملة جوازات سورية من أصل تونسي وتشاديون، أحدهم متهم بالتخطيط للهجوم على السياح الأجانب في (سوسة) ومطلوب لدى تونس. ويواجه السودان تحديات بسبب الحدود، الأمر الذي جعله منطقة عبور وليس حاضنة للإرهاب حسب تصنيف الكثيرين.
مخلفات النظام المخلوع
ويصف الكاتب الصحفي المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، الهادي محمد الأمين، المجموعات التي تم القبض عليها من قبل السلطات السودانية بأنها من مخلفات النظام السابق، وأشار إلى أن ملف الإرهاب أو التنظيمات الإرهابية وإن كانت خلايا نائمة، لم يكن فيه شيء جديد وما يدور بشأنه امتداد لما كان يحدث في عهد النظام المخلوع، والذي يعد حاضناً وراعياً لتلك المجموعات.
وأوضح الهادي، أن شكل العلاقة بين المجموعات الإرهابية والمتطرفة والنظام المخلوع ليس فيها عداء وفيه نوع من الإيجابية، وليس فيه خصومة بين الطرفين، ومضى في حديثه لـ(مدنية نيوز) أمس: أن المجموعات الإرهابية لم تصنف حكومة النظام المخلوع بأنها خصم أو عدو بالنسبة لهم، وهذه المجموعات طيلة فترة وجودها في السودان يتم تدريبها وتعقد لقاءاتها في الصومال وسوريا وغيرها. في المقابل يتعامل النظام السابق بأنه غير مستهدف لتلك الجماعات ولم يضعهم في حساباته.
وأضاف الهادي: أن تلك المجموعات لم تشكل خطراً على النظام المخلوع شأنها شأن الجبهة الثورية والحركات المسلحة والقوى المعارضة، وكشف أنه طيلة فترة عهد النظام السابق لم تتم محاكمة أي متطرف أو إرهابي سواء بالقانون الجنائي أو قانون الإرهاب، وتابع أن كل ما يفعل هو أن السلطات تقوم باعتقال المجموعات ويتم سجن أفرادها ومن ثم يطلق سراحهم، وبهذه الكيفية كان شكل العلاقة بين الطرفين كل يعلم ويدرك حدوده تماماً ويحفظ المسافة بينهما.
سياسة الباب المفتوح
وأبان الهادي، أن حكومة النظام المخلوع وضعت في بداياتها سياسة الباب المفتوح لأي شخص أو منظمة أو مجموعة مضطهدة أو ملاحقة قانونياً من الدول الخارجية أو مجموعات لديها أحكام وأفرادها ملاحقون من الدول الإرهابية، وأن السودان كان حاضناً لتلك المجموعات ومأوى لها ويوفر لها الحماية، ونتيجة ذلك أصبح السودان دولة مفتوحة لكل المصنفين كمتطرفين وإرهابيين أمثال أسامة بن لادن وعناصر حركة حماس والإيرانيين، بجانب أية جهة تحس بأنها مستضعفة دخلت السودان، وأوضح أن هذا ما جعل أمريكا تضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وتصنيف السودان بأنه دولة مقر.
وأشار الهادي، إلى أن للإرهاب تصنيفين: إما أن تكون الدولة دولة مقر أو ممر، وأضاف أن السودان أصبح في عهد النظام البائد دولة مقر وممر للإرهاب والمجموعات المتطرفة.
وكانت النيابة العامة أعلنت مؤخراً توقيف نحو (9) إرهابيين في الخرطوم ينتمون لتنظيم القاعدة، وهم من جنسيات مختلفة بعضهم منشور في قائمة مجلس الأمن الدولي، وباشرت النيابة التحريات بالتنسيق مع جهاز المخابرات العامة. وحسب تصريحات النيابة العامة الأسبوع الماضي، فإن التحقيقات أسفرت عن متهمين في بلدانهم بالارتكاب والمشاركة في جرائم إرهابية، ودخل بعضهم السودان عن طريق التهريب لتلقي تدريبات تستهدف الخليج العربي.
مصالح
ويتفق بعض القانونيين على أن هذه المجموعات دخلت للسودان في عهد النظام المخلوع، باعتبار المصالح الأيديولوجية التي كانت تربطهم به، بالإضافة إلى المشاريع التي تم استيعاب تلك المجموعات فيها بعد إخراجها من العراق وسوريا، ويرى البعض في دخول هذه الجماعات بعد حدوث التغيير عقب ثورة ديسمبر أمراً مُستغرباً.
تعريف الجماعة الإرهابية
ويعرف قانون الإرهاب الساري حالياً (الجماعة الإرهابية) بأنها كل جماعة أو جمعية أو هيئة أو رابطة أو حزب أو منظمة مؤلفة من خمسة أشخاص على الأقل ومرتبطة بشكل أو بآخر بأي من أفرع الحركة الإسلامية السودانية أو متقاربة معها في الأفكار والتصورات، أياً كان شكلها القانوني أو الواقعي سواء كانت داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى ارتكاب أعمال سياسية أو أنشطة معارضة أو تنفيذ عمليات إرهابية من شأنها أن تقوض النظام الدستوري القائم بالبلاد، أو تسعى لإعادة إنتاج النظام السابق أو تطعن في توجهات ثورة ديسمبر المجيدة.
فيما تمت إعادة تعريف (الإرهابي) في ذات القانون على أنه كل شخص ينفذ أو يشرع في تنفيذ أو يحرض أو يهدد أو يخطط في الداخل أو الخارج لجريمة إرهابية أو نشاط سياسي مناوئ لتوجهات ثورة ديسمبر بأية وسيلة كانت، ولو بشكل منفرد، أو يساهم في هذه الجريمة في إطار مشروع إجرامي مشترك، أو تولي قيادة أو زعامة أو إدارة أو إنشاء أو تأسيس أو اشتراك في عضوية أي من الكيانات الإرهابية المنصوص عليها في هذا القانون.
نظرة تاريخية
ويرجع دخول الإرهاب السودان إلى حقبة حكم النظام المخلوع (الإسلاميين)، الذين استضافوا زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في الفترة بين عامي 1990 و1996، لينشئ مشاريع استثمارية.
وخلال هذه الفترة، لازم بن لادن بل وصار أحد أصدقائه القيادي إبراهيم السنوسي الرجل الثالث القوي في الحركة الإسلامية وعضو مجلس شورى المؤتمر الشعبي، وتم اتهام الإسلاميين بدعم التنظيم من خلال السماح له بالإقامة وإجراء تدريبات على أرض السودان، وقد لاحقت السودان تُهم التفجيرات (السفارة الأمريكية في دار السلام والمدمرة كول) ليُدرج اسم السودان بقائمة الدول الراعية للإرهاب، وبعد إسقاط النظام عبر ثورة ديسمبر أفلحت حكومة الفترة الانتقالية بمساعيها الدبلوماسية في الخروج من تلك القائمة، وما تزال جهودها في مكافحة الإرهاب مستمرة.
مسودّة للمكافحة
ووضعت لجنة مشتركة من وزارتي العدل والشؤون الدينية والأوقاف مشروع قانون جديد (مسودة) لمكافحة النشاط الإرهابي والمتطرف في السودان، وسيعرض القانون في الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء لإجازته حسب ما نشر في موقع (سودانيز أون لاين).
ويتضمن مشروع القانون اعتبار تنظيمات التيار الإسلامي جماعات إرهابية، وينص على حظر الأحزاب القائمة على أساس ديني ومنع أنشطتها وتجريم تجمعاتها، بالإضافة لملاحقة المناصرين لها بالداخل والخارج.
ويتضمن مشروع القانون ملحقاً ابتدائياً للهيئات والمنظمات الإرهابية التي تشملها المسودة منها الحركة الإسلامية السودانية، المؤتمر الوطني المحظور.
عقوبات
كما تضمن مشروع القانون عقوبات تطال من يدعم توجهات الهيئات والحركات الإسلامية أو تسخر جماهيرها لخدمة أهدافها وأجندتها، واستثنى التصنيف الطرق الصوفية التقليدية والجمعيات الدعوية السلفية ما لم ينطوِ عمل أي منها على دعوة للتكفير أو الخروج على سلطان الدولة أو تنسيق مع جماعات إرهابية تضمنها مشروع القانون.
كما نص مشروع القانون على صلاحيات وسلطات استثنائية تنفذ بواسطة جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الداخلي، ومن بين الصلاحيات التي يمنحها القانون (الحصانة المطلقة لمنفذيه ويحميهم من المساءلة الجنائية في حال استعمال القوة لأداء واجبهم أو حماية أنفسهم).
ملاحظات على المسودّة
وأبدى الهادي محمد الأمين، جملة من الملاحظات على مشروع القانون الجديد لمكافحة النشاط الإرهابي والمتطرف الذي وضعته تلك اللجنة ويصنف الإسلاميين بأنهم جماعات إرهابية، وقال إن المؤتمر الوطني حزب محلول لا وجود له، كيف يتم تصنيفه؟، وأنه محظور، وجدد تساؤله: (كيف يتم تصنيفه وهو غير موجود؟)، وأشار إلى أن المؤتمر الوطني وفقاً لقانون لجنة إزالة التمكين غير موجود وبالتالي المؤتمر الوطني من قبل الحكومة الانتقالية غير موجود.
وأوضح الهادي، أن الاتجاه العام بدأ فيه تخفيف على توصيف الإرهابيين وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية لم تستطع تصنيف جماعة الحوثي بأنها جماعة إرهابية، ولفت إلى أن العالم يتجه للحوار مع الإرهابيين وحالياً يحاور في طالبان، بجانب الحوار حول الملف النووي والحوثيين، وتوقع أن يتقدم الغرب ويحاور (الكيزان) في السودان باعتبار أن المواجهة العسكرية غير مجدية.