النظام الصحي بجنوب كردفان.. نداء لحكومة الفترة الانتقالية لتدارك الأوضاع
قضية تطرحها من كادقلي: رقية عيسى
ظل الحقل الصحي بولاية جنوب كردفان يعاني من هشاشة ويواجه عدداً من التحديات، فهي ولاية مترامية الأطراف وذات حدود مفتوحة وطويلة مع دولة جنوب السودان، تسهم في دخول أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين إلى جانب العائدين لقراهم بعد الحرب التي عاشتها في الأعوام الماضية، كل هذه الأمور دائماً ما تسهم في تردي الأوضاع، فالنظام الصحي بولاية جنوب كردفان ينذر بخطر قادم قد يصعب السيطرة عليه، من هذا المنطلق أجرت (مدنية نيوز) تحقيقاً عن الأوضاع الصحية هناك لكشف جوانب القصور ومكامن الضعف للسيطرة عليها وتدارك المشكلة قبل تفاقمها في فصل الخريف، حيث أطلق مواطنون نداءً لحكومة الفترة الانتقالية لتدارك الأوضاع.
قال المواطن إيهاب مادبو: “كنت ممارضاً لابنى الذي قرر الطبيب حجزه بمستشفى الأطفال بكادقلي لمزيد من العناية والرعاية، خاصة وأنه أصيب بملاريا والتهاب رئوي ودخل في حالة تشنجات، ودخلت العنبر ووجدت عدداً من الحالات المشابهة مع قلة في الكوادر الطبية المساعدة، حيث بلغ عددهم اثنين من الكوادر الصحية المعاونة فقط، مقابل عشرات الحالات التي تتطلب عدداً من الأطباء والممرضين”.
نقصان الأساسيات
وأضاف في إفادة لـ (مدنية نيوز) أمس: “المستشفى تنقصها أبسط الأشياء ليس هناك ماء لعمل (مكمدات) وتخفيف ارتفاع درجات الحرارة، ناهيك عن الأشياء الأخرى، وأثناء وجودي توفي (4) أطفال، وينعدم دواء (ديازيبام) (الفاليوم)، بجانب ضعف المتابعة والبؤس في أهم مرفق خدمي بالولاية”.
وحسب متابعات (مدنية نيوز) يدفع المواطن أموالاً للتأمين الصحي بواقع (1000) جنيه تخصم من الموظف شهرياً، حيث يبلغ عدد الموظفين بالولاية تقريباً (26) ألف موظف طبقاً لتقديرات سابقة للتأمين الصحي، أي أن الموظفين يدفعون للتأمين الصحي شهرياً نحو (26) ألف جنيه، بخلاف دعم وزارة المالية وديوان الزكاة والدعم الاتحادي.
هذه المبالغ المدفوعة للتأمين يقابلها عقد ملزم له، ويشدد مواطنون على ضرورة المراجعة القانونية للعلاقة بين التأمين والجهات المختلفة بما يحقق مصالح المستفيدين، فالأصل في التعاقد هو أن يستفيد المواطن من شراء تلك الخدمة، والسؤال الذي طرحه مواطنون في إفاداتهم لـ (مدنية نيوز): (هل فعلاً استفاد المواطن من تلك الخدمة؟).
وأشار مواطنون إلى أن العديد من العيادات بالحوادث لا يوجد بها طبيب لأهم مرحلة علاجية وهي مرحلة التشخيص العلاجي.
نيران الغلاء
ومن جانبه قال المواطن علي كوكو، الذي يسكن بمحلية (أبو كرشولا) إن مركز صحي (أبو كرشولا) كحاضرة محلية به كثافة سكانية عالية تصل نسبة التردد اليومي ما بين ( 200 – 250) مريضاً يتزاحمون لدى طبيب واحد، ترى الأمهات والأطفال يفترشون الأرض وهم يتألمون ومعظمهم لا يجدون فرصاً لمقابلة الطبيب والبعض يذهب إلى مستشفى القوات المسلحة، والمقابلة وفحص العينات بمبالغ لا يستطيعون سدادها، وأضاف: “انكوى المواطن بنيران الغلاء وعدم وجود الخدمة على الرغم من أنه يدفع فاتورة العلاج عبر الاستقطاع من راتبه، وبعض مستفيدي الدعم الاجتماعي من الشرائح الضعيفة التي تدفع لها جهات كالزكاة والرعاية الاجتماعية، ولا جدوى من التأمين الصحي، فهناك صيدليات فارغة ليست بها أدوية ولامقومات حفظها”.
وزاد: “ظلت شكاوى المواطنين مستمرة ولكن لا أذن صاغية ولا تأمين يؤمن مستقبل الأرامل والأيتام والأطفال في ولاية ينتشر النازحون في معظم محلياتها، بجانب العائدين من ويلات الحرب، وخدمات التأمين الصحي متردية، لا يوجد دواء عدا المسكنات، ويذهب أصحاب الأمراض المزمنة بدفاترهم إلى مدن أخرى، ومعظم كوادر التأمين متعاقدون، البنى التحتية لا تستوعب الكم الهائل للمرضى، وأحياناً يقف البعض منهم في الشمس وتارة في المطر وأخرى في البرد وهكذا”.
التأمين الصحي والتحديات
ومن جانبه ذكر مسؤول التغطية السكانية بإدارة التأمين الصحي حسين كرشوم أن التأمين الصحي يقوم بشراء الخدمة من وزارة الصحة أو أية جهة توفر خدمات طبية كالمراكز الخاصة، وبعض المحليات ليست بها خدمات طبية جيدة ونتعامل مع المتاح وأحياناً نساعد في صيانة المواقع وشراء بعض المعدات الطبية كالأجهزة.
وأضاف: “أما الدواء فنحن مقيدون بشرائه من صندوق الإمدادات الطبية فقط، أما كوادر التأمين عليهم صرف الدواء واستخراج البطاقات والاستمارات وكتابة التقرير وبعض الجوانب الفنية كالإحصاء”.
ومن ناحيته كشف مدير فرع التأمين الصحي بولاية جنوب كردفان د. الفاضل كامل الدودو، أن عملية استبقاء الاخصاصيين من أكثر الجوانب التي ترهق إدارة التأمين الصحي بسبب الوضع العام بالولاية، وقال: “كثيرٌ منهم غادر إلى مناطق ومدن أخرى استطاعت توفير بيئة ملائمة، فالطبيب إنسان يحتاج إلى استقرار في بيئة عمله وأن تكون ملائمة ليقوم بتلبية متطلبات المرضى”، وزاد: “أما الذين اختاروا البقاء يعملون في بيئة سيئة للغاية”.
وضع متردٍ
وفي السياق وصفت الموظفة بوزارة الصحة بالولاية سارة بولس، الوضع الصحي في جنوب كردفان بالمتردي وغير المطمئن، وانتقدت عدم التجهيز والاستعداد لطوارئ الخريف من الناموسيات ومبيدات الرش وآليات إصحاح البيئة، وأشارت إلى أن المسؤولية تقع على عاتق الرعاية الصحية الأساسية بالشراكة مع الصحة العامة وإدارة صحة البيئة والقطاع البيئي بالمحلية، وأبانت أنه ليس هناك برنامج ثابت يمكن أن يستند إليه المواطن لفهم تسلسل النظام الصحي بالولاية، بالإضافة إلى عدم توفر بعض العلاجات مثل (ثيروكسين) لعلاج الغدد، كما تمر موجات من الانقطاع في بعض العلاجات مثل علاجات الملاريا، ونبهت في الوقت ذاته إلى أن نسبة الإصابة بالملاريا في ولاية جنوب كردفان عالية، خاصة في فصل الخريف، إضافة إلى تردي البيئة الصحية بالمؤسسات الحكومية والمدارس والمستشفيات، فكثير منها يسكنها (الوطواط)، فالبعض منها يحتاج إلى صيانة روتينية مثل المستشفيات والمراكز الصحية، كما يفتقر المواطن للتوعية والتثقيف الصحي، ومن واجب الحكومة توفير المعينات والعمل مع الجهات الداعمة والمنظمات لسد العجز في المعينات، كما يجب أن تقوم بالجانب الرقابي والتوعية بصحة البيئة.
مشكلات ووقفة للمعالجة
وكان والي جنوب كردفان د. حامد البشير إبراهيم، اعترف لدى زيارته التفقدية لمستشفى الأطفال بكادقلي مؤخراً بأن هناك مشكلات عدة تتعلق بالصحة العامة التي تحتاج إلى وقفة قوية لمعالجة الأوضاع بشكل عام، كما أن هناك حالات سوء التغذية التي يعاني منها عدد من الأطفال، ويعود ذلك لمؤشرات حالة التضخم التي أثرت في كمية التغذية المتناولة بسبب ارتفاع الأسعار، فالولاية تعاني من انتشار الأمراض من ملاريا وسوء التغذية، فضلاً عن مخاطر السلاح والعنف التي كانت دائرة وخلقت أوضاعاً مأساوية ما زال مواطن الولاية يعاني منها.
إقرار بالهشاشة
وبدوره أقر وزير الصحة الاتحادي د. عمر النجيب، لدى زيارته للولاية في مايو الماضي، بهشاشة النظام الصحي بها، ورأى أن الوضع يحتاج إلى تضافر كافة الجهود من الحكومة الاتحادية والولائية وأبناء الإقليم بالداخل والخارج لإدراك الوضع الصحي بجنوب كردفان.