شرق السودان.. تعقيدات الصراع وطريق الوصول لسلام مستدام
بورتسودان: أمين سنادة
خلقت اتفاقيات الجبهة الثورية مع حكومة السودان الانتقالية بخصوص شرق السودان، وضعاً سياسياً معقداً، خاصة بعد التصعيد المستمر من قبل المجلس الأعلى للنظارات والعموديات المستقلة.
واقع التفاوض ومتحركات السياسة، إضافة إلى حالة السيولة الأمنية التي تعاني منها البلاد بصورة عامة وشرق السودان خاصة وربطاً بالحالة الاستثنائية التي تعيشها ولاية كسلا خاصة بعد قرر حكومة الفترة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بإقالة صالح عمار، قرارات نتجت عنها أحداثاً مؤسفة وحالات اقتتال وإصابات وقفل للطرق القومية.
اتفاقية مسار الشرق حوت نصاً وتحدثت عن تأجيل كثير من القضايا وربطها بالمؤتمر التشاوري، ولكن كيف يمكن أن يقام المؤتمر التشاوري؟، وكيف يمكن أن يسير اتفاق مسار الشرق؟، وماهي خارطة الطريق؟.
جملة من الأسئلة حملتها (مدنية نيوز) إلى عدد من المؤثرين والفاعلين في تشكيل المشهد تجدون إفاداتهم في المساحة التالية:
توجه نحو المجهول
وقال الصحفي والمراقب السياسي عبد القادر باكاش: للأسف شرق السودان يمضي نحو المجهول بسرعة الصاروخ ذلك لأن الخلافات السياسية التي تولدت عنها أحداث اقتتال قبلي تسببت في خلق بث الكراهية بين المكونات الأهلية، وزاد الأمر سوءاً أن القتال الذي شهده الشرق بعد الثورة هو قتال دخيل على المجتمع وانطوى على أساليب لم تكن معروفة من قبل مثل حرق المنازل وغيرها من الانتهاكات الجسيمة، فهي ممارسات تتنافى مع أخلاقيات وآداب الحروب الأهلية، كما أن مسببات الحروب واهية وتكاد تكون معدومة، لكن لتفشي الجهل والفقر في المنطقة ولقدوم بعض المقاتلين من مناطق بعيدة لا تمت لأخلاق وأعراف الشرق بصلة، إضافةً إلى حجم الدمار الذي لحق بالأنفس والممتلكات ومناظر الرعب التي شاهدها وعاشها آلاف الأطفال من أطراف النزاع وهو أمر سيُوطن للكراهية ويساهم في استدامة الحروب الأهلية، ما لم تحدث معالجات جذرية.
وأضاف: هذا من ناحية الاقتتال، أما من ناحية الخلافات السياسية التي صاحبت توقيع مسار الشرق، أرى أن ردود الأفعال غير موضوعية وكان يمكن احتواؤها لو كانت للحكومة حاضنة سياسية تجيد قراءة المشهد إذ لم يقل اتفاق جوبا إن الحزبين الموقعين للمسار هما وحدهما يمثلان الشرق في التمثيل السياسي للإقليم وكانت هناك نسبة ٧٠٪ من السلطة في الإقليم غير التي نالها موقعو المسار وكان يمكن أن تسهم في معالجة كل الاختلالات في الإقليم وليس سراً أن بعض أذناب حزب المؤتمر الوطني المحلول كان لهم دور مشهود في تصعيد وتعقيد المشهد بتبني شعارات قبلية وخلق نزاع متوهم على الأرض والتاريخ.
فرصة لتسوية تاريخية
ومن جانبه ذكر الناشط في القضايا الاجتماعية بشرق السودان محمد جميل أحمد: يمكن القول إن اتفاقية جوبا للسلام (ومسار شرق السودان جزء منها) تمثل فرصة لتسوية تاريخية حيال اقتسام مقبول للسلطة والثروة بين شركاء الوطن، ولهذه الناحية فإن فهم مسار شرق السودان ينبغي أن ينظر إليه من جهتين؛ فمن جهة أولى يشكِّل النص النظري للاتفاق تغطيةً شاملة ممتازة وحساسة، وملبيةً لحلول كثير من إشكالات التنمية في شرق السودان بناء على اعتراف الدولة السودانية، لأول مرة بمسؤولية الغبن التنموي التاريخي الذي مارسته حيال شرق السودان عبر حكومات ما بعد الاستقلال، وأضاف: لهذه الناحية فنص اتفاقية مسار شرق السودان يمثل محتوى ممتازاً لمدخل تنموي عادل يمكن البناء عليه بعد ذلك.
فهم جذور الأزمة
وتابع: من جهة ثانية يكمن اللغط الدائر حول المسار، بوصفه لغطاً تختلط به أمور غير سياسية، نتيجة لتعبيرات فهم سياسي كرسته (الانقاذ) عبر تسييس الإدارة الأهلية (نظام القبائل) فبات في حكم المستحيل أن يصبح فهم قضية المسار، وفق تلك البيئة السياسية المأزومة، كقضية سياسية، بل كقضية أزمة مفتعلة، سببها انسداد كرسته الهوية القبلية للسياسة في شرق السودان، وهي هوية لا تضمر في أدواتها أية وسائل سياسية في ردود فعلها على قضايا سياسية، وإنما تتعاطى في تلك الردود على القضايا السياسية بخطاب هوية قبلية منغلقة؛ تقايض أي تنفيذ لاتفاق المسار باختطاف السلم الأهلي، ومن هنا يمكننا القول إن ضغوط البنية السياسية للكيانات التي كرستها ممارسات (عهد الانقاذ)، هي التي تعكس أزماتها على الساحة السياسية لشرق السودان ما بعد الثورة.
وأردف: على ضوء هذا التفسير يمكننا فهم جذور أزمة المسار والسياسة في شرق السودان، وهو تفسير سيستصحب معه بالضرورة سيولة الواقع السياسي الذي صنعته الثورة المضادة في شرق السودان. فالاقتران الشَّرطي بين سيولة الواقع السياسي وبين جسم يتعاطى السياسة من خلال القبلية كالمجلس الأعلى لنظارات البجا ينعكس بوضوح في طبيعة تعاطي ذلك الجسم مع اتفاقية مسار شرق السودان. لكن الغريب هنا؛ أنه فيما يشكل المسار مانسبته 30% من جملة السلطة في شرق السودان، فإن الافتراض الطبيعي لتسوية العمل السياسي سيقودنا إلى أن تبحث الأجسام الأخرى (خارج حزبي المسار) كالمجلس الأعلى لنظارات البجا عن التفاوض على النسب الباقية وهي 70% من سلطة الإقليم الشرقي وثروته مع حكومة المركز، لا أن تعارض تنفيذ المسار وتقايضه بتفجير السلم الأهلي.
وزاد: مهما قلَّبنا النظر على الاحتمالات المشروعة للتطبيق السلمي لبنود مسار شرق السودان وهي احتمالات ممكنة، فسنجد أن انسداد البنية السياسية المعطوبة في شرق السودان هي التي تعكس واقع الأزمة المعقدة، وليس المسار.
وأردف: في ضوء امتناع أصلي لانفتاح السياسة في شرق السودان؛ تعكسه الممارسات السياسية للأجسام القبلية هناك، فإن فشل أي مؤتمر تشاوري على مثل تلك الخلفية السياسية سيكون حتمياً (لا ننسى أن هناك مؤتمر تشاوري فاشل كان قد تم عقده من قبل على خلفية مسار شرق السودان). ولعل أبرز نموذج على الطبيعة العقيمة والواحدة في تعاطي تلك الكيانات السياسية بطريقة غير سياسية على أحداث سياسية؛ هو حدث تعيين الوالي صالح عمار، من طرف حكومة المركز والطبيعة غير السياسية التي تجلت في طرق الاعتراض على تعيينه.
إمكانية الحل
وذكر جميل: هكذا يمكن القول إنه أمام انسداد السياسة في شرق السودان وإصرار الثورة على الخروج من ذلك الوضع؛ ثمة إمكانية أخرى للتسوية بأن تتحمل الدولة الالتزامات السياسية الضرورية لفرض هيبتها، حيال تطبيق اتفاقات سياسية مشروعة – بعد أن تبذل صبراً عزيزاً للخروج من المأزق – لأن أية وسيلة للتسوية السياسية مع أجسام تمارس السياسة بأدوات غير سياسية، أي بأدوات القبيلة ونظم إدراكها، سيكون أمراً خطيراً شهدنا عواقبه الكارثية طيلة (30) سنة، فحتى لو توهّم البعض في المركز إمكانية لترضيات بتسوية لا تنتبه إلى خطورة وطبيعة الخطاب الانعزالي الأقرب إلى العنصرية في فهم تلك الكيانات فإن عواقب ذلك ستكون وخيمةً.
وأوضح جميل أنه في ظل اهتمام وإصرار الولايات المتحدة الأمريكية ودخولها على خط الضغوط من أجل تنفيذ بنود اتفاق جوبا جملة واحدةً، لاسيما بعد أن وقعت ضمن الترويكا (إلى جانب بريطانيا والنرويج)كضامن وشاهد في الثامن من يونيو الماضي، بدت مؤشرات مبشرة، أما بعد الثلاثين من يونيو الماضي فإن متغيرات كثيرة ربما ستشهد مسارات سياسية مختلفة حيال المشهد السياسي لشرق السودان وتنفيذ مساره السياسي.
إهمال النساء
ومن جهتها قالت القيادية بمجموعة العمل الإقليمية بالبحر الأحمر ابتهاج مجذوب، إنه على الدوام ظل إهمال النساء ثمة ملازمة لكافة أشكال التفاوض الخاص بشرق السودان، وقد وضح هذا الأمر في اتفاقية أسمرا لسلام شرق السودان الموقعة في 2006م، وتكررت بشكل مباشر في مسار الشرق بجوبا، وسار المسار على تهميش قطاع النساء بشكل مباشر من ناحية وجود النساء في التفاوض أو قضايا النساء بشرق السودان.
خارطة طريق للحلول
وأضافت: لكن فيما يخص الأزمة حالياً وإمكانية الحلول في تقديري، أولاً أن يتم الاعتراف بأن لشرق السودان قضايا حقيقية، هذا من جانب ومن جانب آخر أن يتم النظر بجدية بأن تقوم المؤسسات الأكاديمية ممثلة في جامعات الشرق الثلاث (كسلا، القضارف والبحر الأحمر) بتبني مؤتمرات أكاديمية رصينة بإشرافها مع الالتزام بإشراك كل الكيانات بكل ولاية لاستعراض القضايا ومتطلبات الحلول.
وأكدت القيادية بمجموعة العمل الإقليمية بالبحر الأحمر ابتهاج مجذوب، ضرورة الوصول لمؤتمر الإقليم الواحد، مع دراسة تحليل وأسباب النزاعات للوصول لخارطة طريق تمثل الحل الإسعافي، أولاً للسلم الاجتماعي.
وشددت ابتهاج، على أهمية موضوع آخر، حيث رأت أن الوصول لحل لمشكلة شرق السودان رهين بشكل مباشر بإقرار نظام للحكم المحلي وليس فقط إقرار قانون للحكم المحلي.
خاتمة
وحول قضية سلام شرق السودان يرى مراقبون للأوضاع أنه لابد من أن يتم حسم الأمر حتى لا تستمر عزلة شرق السودان من الاستحقاق السياسي والمشاركة، لأنه قد مرت قرابة (3) شهور من تكوين مجلس شركاء الحكم الانتقالي دون أن يشارك ممثلو شرق السودان، وهناك تخوفات من حدوث ذات الأمر في المجلس التشريعي.
وستواصل (مدنية نيوز) الطرق على هذا الملف من أجل تحول ديمقراطي حقيقي بالشرق وكل السودان.