الخميس, نوفمبر 21, 2024
تقاريرسياسة

أوضاع الصحفيات والصحفيين السودانيين بعد ثورة ديسمبر 2018

إعداد: صفية الصديق

مقدمة:

وفرت ثورة ديسمبر المجيدة مناخاً سياسياً أتاح مساحة للحريات العامة وحرية التعبير، ما أعطى إمكانية لإثارة قضايا الصحفيات والصحفيين وطرح كل ما يتعلق بقضايا الحماية والحقوق تمهيداً للتأسيس لمناهج للحماية عبر القوانين، حيث ساهم الصحفيون السودانيون والصحفيات في تفعيل الحراك السياسي والاجتماعي خلال عمليات التغيير السياسي الممتدة منذ الاستقلال وكانوا من بين المطالبين/ات بالعدالة وتوسيع حرية التعبير، فهل تحسن الوضع بعد مرور (3) سنوات على ذلك؟.

وتتناول هذه المادة المعدة كورقة عن أوضاع الصحفيات والصحفيين ما بعد الثورة وتأتي في اطار فتح الحوارات بين مجتمع الصحفيين وكياناتهم من أجل تشخيص التحديات التي تواجهم، ومن ثم الوصول إلى صيغ عملية لمجابهتها، إذ أنه لا يمكن إنجاز عملية انتقال ديمقراطي مستقر ومحمي بالإرادة الشعبية، مالم تتوفر صحافة حرة ومستقلة ومهنية، في مناخ حريات عامة يراعي حقوق الصحفيين والصحفيات، وذلك لما يُنتظر من الصحافة أن تؤديه من أجل تثبيت دعائم دولة المؤسسات، الحقوق المدنية، التنمية المستدامة والمساواة في الحقوق والواجبات.

استخدمت الورقة منهجية الملاحظة والتحليل إضافة لمقابلات مع صحفيات وصحفيين وخبراء اقتصاديين في مجال الإعلام.

(1)

(هذه الورقة مُعدة لشبكة الصحفيين السودانين).

شهدت أوضاع الصحفيات والصحفيين السودانيين ما بعد الثورة تحولات غير متوقعة حيث ساهموا- الصحفيين والصحفيات- بشكل منفرد وعبر مؤسساتهم في التغيير السياسي وكانوا يطمحون بتغيير هيكلي وملموس في أوضاع الصحافة بشكل عام وأوضاع الصحفيين بشكل خاص إلا أن الأوضاع بقيت كما هي عليه، حيث لم تكن هنالك تصورات واضحة لإعلام الانتقال ([i]) ويتضح هذا جلياً في غياب السياسات والمُوجِّهات العامة لإعلام الانتقال، إذ لم يتم وضع تصورات ورؤى واضحة لكيفية عمل الإعلام والتأسيس لحقوق الصحفيين وحمايتهم؛ ما نتج عنه مجموعة من الانتهاكات ضد الصحفيين بدءاً بتقييد الحركة إبان فترة الحجر الصحي من مارس وحتى يوليو 2020 وليس انتهاءً بالاعتقال والتحفظ على الصحفيين مثلما حدث للصحفي عبد المنعم مادبو بولاية جنوب دارفور ([ii]). إذ لم يتم وضع إطار قانوني أو أي نوع من الموجهات لحماية وأمن الصحفيين خلال الفترة الانتقالية ولطالما راهنت الصحفيات والصحفيون السودانيون على أنه لا يمكن إنجاز أي تقدم في ملف الحقوق إلا في ظل نظام ديمقراطي. ولغياب الرؤية الكاملة وعدم التخطيط للإعلام في ظل الأوبئة والطوارئ ([iii]) فقد واجه الصحفييون السودانيون ولا زالوا، يواجهون أوضاعاً اقتصادية معقدة بناءً على الأوضاع التي أفرزتها (جائحة كورونا) والتي على إثرها توقفت عدد من الصحف، وأصبحت تصدر جميعها إلكترونياً لما يقارب العام الأمر الذي أفقدها عائد التوزيع وهو المصدر المالي الثاني بعد الإعلان في تمويل الصحف؛ وكان الصحفيون والصحفيات تحديداً هم أول ضحايا التصفية الاقتصادية؛ إضافة لأن عدم الاستقرار السياسي في هذه المرحلة لم يجعل قضايا الصحفيين والإعلام بشكل عام من الأولويات.

هشاشة أوضاع النساء

ولأن أوضاع النساء في السودان أكثر هشاشة فقد تأثرت الصحفيات بهشاشة أوضاع النساء وبكونهنّ صحفيات أيضاً؛ لنجد أن أكثر من (90%) من الصحفيات لم يتمتعن بوظائف قيادية سواء في الصحف أو المؤسسات الصحفية، إضافة لعدم العدالة في الأجور وقلة فرص التغطيات الخارجية والسهرة مقارنة بزملائهنّ الرجال بموانع من متخذي القرار سواء في العمل أو المنزل ما يؤثر على تقدمهنّ المهني وصهر تجاربهنّ المهنية؛ إضافة لتعرض الصحفيات للابتزاز والتحرش سواء داخل الوسط الصحفي أو من المصادر. على صعيد آخر فإن الأوضاع الاقتصادية التي أفرزتها (جائحة كورونا) جاءت وبالاً على الصحفيات ([iv] ) ففي ظل تحول الصحف للعمل (أونلاين) أصبحت أقل حوجة للصحفيين فجاء الاستغناء عن الصحفيات، تخفيضهن لصالح الصحفيين فقد اتسغنت صحيفة واحدة عن عشر صحفيات (دفعة واحدة) بتبرير تدهور اقتصاديات الصحف؛ وفي ذات المنحى فإن الصحفيات والصحفيين لم يتحملوا تكلفة العمل من المنزل لصعوبة إمكانية الوصول لخدمات انترنت جيدة إضافة لزيادة أسعاره التي تفوق إمكانيات الصحفيات والصحفيين.

صحفيو الولايات

الصحفيات والصحفيون في الولايات هم الأكثر ضعفا وأوضاعهم أكثر هشاشة من ناحية التدريب، رفع القدرات، المرتبات، فأغلبهم يعملون مراسلين بدون معينات عمل، بدون مرتبات مجزية وثابتة وغالبيتهم يعملون في مكاتب حكومية ما يؤثر على استقلاليتهم؛ كما لا توجد آليات حماية للصحفيين بشكل عام ولصحفيي الولايات بشكل خاص حيث أنهم بعيدون عن ضغط وتأثير الرأي العام على الانتهاكات الواقعة عليهم بالتالي مراقبتها وتحقيق الإنصاف. كما يتعرض الصحفيون في مناطق النزاعات لعنف أكبر وضغط معنوي وأخلاقي فيما يخص التغطية المستقلة في ظل النزاعات القبلية، الحماية من العنف خلال النزاعات؛ وبعد الثورة أصبح الصحفيون في مناطق النزاعات يواجهون عنفاً مركباً حيث لم يعد الفاعلون في العنف معروفين فبعد أن كانت تمارسه الجهات الأمنية المعروفة([v] ) أصبح هنالك فاعلون في مجموعات مسلحة يقومون بانتهاكات من الدرجة الأولى وما حدث من اعتقال للصحفي عبد المنعم مادبو من مجموعة الطاهر حجر في نيالا خير دليل.

أوضاع الصحفيين والفترة الانتقالية

ظروف كثيرة تؤثر على أوضاع الصحفيين بالذات في الفترة الانتقالية بحيث لم يحدث تغيير في القوانين الخاصة بالإعلام حتى التعديلات التي جرت على قانون جرائم المعلوماتية لم تسر نحو تعزيز حرية التعبير بل قيّدها بزيادة عدد سنوات عقوبة النشر ([vi]). هنالك استهداف للصحفين والصحفيات من جهات مختلفة ففي السابق كان معروف أن الرقيب هو جهاز الأمن وحالياً أصبح الاستهداف من حركات مسلحة ومليشيات لا خطوط حمراء لها؛ فبقدر بطش جهاز الأمن إلا أنه كان يعمل وفق قانون يمكن الطعن فيه حتى وإن كان مُعيباً وأصبح هنالك خطر على صحة الصحفيين الجسدية، النفسية والذهنية ([vii])؛ كما تواجه الصحفيات السودانيات استهداف وتنمر وتحرش خصوصاً في الـ (سوشيال ميديا) وما يتسبب في هذا الوضع غير غياب الأطر القانونية والمؤسسية هو أنه لم تتكون نقابة صحفيين والتي توفر إطار الحماية وتهتم بحرية الصحافة وحقوق الصحفيين، والآن أصبح العنف الاقتصادي كبيراً ومستشرياً وسط الصحفيين إضافة لتأثير (جائحة كورونا)، توقف الصحف، تراجع إيرادات الصحف حيث لم تقم الحكومة بقرارات شجاعة لإلغاء الجمارك على مدخلات الصحافة فحالياً الصحافة في حالة موت سريري إذ لا تزال ملكية الصحف غالبيتها لرموز النظام السابق وحتى صحف بعد الثورة لم تحدث تغييراً يذكر فيما يخص التأسيس لحماية الصحفيين وتحسين أوضاعهم ما عدا صحيفتين أو ثلاث لديهن لوائح لحماية الصحفيات من التحرش لكن لا نعرف إن كانت هذه اللوائح معمول بها أم لا، وأيضاً لا توجد حساسية تجاه أوضاع الصحفيات حتى في سياسات الدولة إذ لا توجد سياسات واضحة بالأساس حتى يتم انتقادها وتحليلها وإلى أي مدى هي ملتزمة للتأسيس للبناء السليم للمؤسسات الصحفية ذات النظام المالي والإداري المستقل المهتم بالمهنية؛ فإن لم يتم وضع سياسات تضمن حقوق الصحفيات والصحفيين، توفر المعلومات، وتأسيس مؤسسات تخدم المجتمع وتؤسس لوضع متين للصحفيين إضافة للإسراع في تكوين النقابة المستقلة وبناء ميثاق شرف صحفي يخرج المهنة من الوحل وإنقاذ المهنية التي أصبحت في خطر للحفاظ على الدور الريادي وتطوير المؤسسات الصحفية ([viii]).

—-

1- وجدي كامل، خبير إعلامي، صانع أفلام في الجزيرة الوثائقية، إفادة عبر الهاتف، 17يوليو 2021

2- منشور ببيانات شبكة الصحفيين السودانيين في أوقات متفرقة

3- وجدي كامل، مصدر سابق

4- صباح محمد آدم، المديرة التنفيذية لمركز الألق للخدمات الصحفية، إفادة عبر تسجيل صوتي بالواتساب، 10 يوليو 2021

5- لمياء الجيلي، صحفية مستقلة، عضو شبكة صحفيين لحقوق الإنسان، إفادة عبر الهاتف، 10 يولوي 2021

6- لمياء الجيلي، مصدر سابق

7- المصدر السابق

8- نفس المصدر السابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *