الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

أضواء على مقترح قانون مشروع الجزيرة 2021

بقلم: صديق عبد الهادي (*)
الحلقة الأولى

(1)
مقدمة:

هذا المقال أملته ليست فقط ضرورة النظر إلى ما جاء في نصوص مسودة القانون، وانما فرضت كتابته كذلك مجمل االشكوك التي أحاطت بتصرف اللجنة، ذلك التصرف الذي هزم الجوهر الذي كان من المفترض ان ينطوي عليه القانون. وقد تمثل ذلك التصرف بشكل بائن في الآتي، أولاً، كانت اللجنة في عجلة واضحة من أمرها، وكأنها تخفي شيئاً لا تود إطلاع الناس عليه. وتكشف ذلك في، ثانياً، زهدها الأكيد في لقاء اهل المصلحة وفي عزوفها المحكم عن السعي لأجل ضمان وتحقيق المشاركة المتوقعة من قِبَل الجميع، وخاصة أهل الجزيرة، بعد صمتٍ قسريٍ تطاول لمدة ثلاثين عام بالتمام وبالكمال. أنجزتْ اللجنة لقاءين فقط لم يتجاوز حضورهما الخمسمائة مشارك من جملة مئة وثلاثين مزارع ومزارعة، ثم إلتقتْ اللجنة بلجنة واحدة من لجنتي أصحاب أراضي الملك الحر، ثم أنها إلتقتْ بالسيد الوالي. ثالثاً، تلخصت عجلة اللجنة، ووضح عدم حرصها بل وإصرارها المريب على عدم إشراك الناس بشكل جلي بل وتأكد في دعوتها غير المسبوقة، شكلاً وغرضاً، لأعضاء مجلس إدارة مشروع الجزيرة لإجتماع طارئ لمناقشة مشروع القانون الذي تمَ توزيع نسخة من مسودته، ولأول مرة على أعضاء المجلس، في بداية الاجتماع ثم تمَ جمعها منهم، أي المسودة، في نهاية الاجتماع!، ولنا أن نتأمل! فذلك التصرف هو ما جعل مندعوتهم للمجلس دعوة “غير مسبوقة”!.
إنه، وبالرغم مما تقدم لابد من ذكر حقيقة ان اللجنة بذلت مجهوداً مقدراً في صياغة القانون، وأنها ضمنته نصوصاً لا خلاف حولها. نصوصٌ إنطوت على قدرٍ كبير من الموضوعية والرصانة. ويتضح من تلك النصوص أن اللجنة تكاد أن تكون إطلعت على مجمل الإرث القانوني في تاريخ المشروع. ولكن ما هو مثير للحيرة والتساؤل، لماذا سعتْ لجنة القانون للإنتقاص من قيمة ذلك الجهد بتبني تلك التصرفات المريبة وغير المقبولة؟!.

(2)
هناك حقيقة تجب الإشارة إليها وهي أن قانون مشروع الجزيرة ليس ككل قانون، وذلك لأن مشروع الجزيرة ليس ككل مشروع إذا كان على مستوى السودان أو غيره. وفي سبيل التأكيد على تلك الحقيقة فقط لنا ان نتمعن، مثلاً، في تركيبة ملكية الأرض (ملك حكومي وملك حر) وتأثيرها في صياغة علاقات الإنتاج، بل وفي صياغة تاريخ المشروع، وبكل تأكيد تأثيرها في تحديد مسار مستقبله، كذلك.
إنه وفي محاولة وضع أي مقترح قانون لمشروع الجزيرة لابد لذلك المقترح من أن يجيب على أسئلة مركزية مهمة. كما ولابد من أن تنعكس تلك الإجابات وأن تندرج في صلب نصوص ذلك القانون. إن الإجابات على تلك الأسئلة هي في حقيقة الأمر ليست سوى مهام أساسية يتوجب أن يحرص على تحقيقها القانون، مثلاً، مهمة الحفاظ على وحدة أراضي المشروع، وتلك مهمة لن يتسنى تحقيقها بدون صون حقوق الملكية العادل والمرتكز على الرضا، وهنا أقصد المزارعين وأصحاب الملك الحر. وأيضاً، مثل مهمة حماية المشروع نفسه وحتى لا يتكرر نوع المآسي التي خبرها أهل المشروع طيلة الثلاثين عام الماضية. والحماية المنشودة، وكما هو معلوم، تكون بالناس أيضاً وليس بالنصوص وحدها. وفي هذا المقام، لا محيد من التأكيد على أن النصوص ومهما بلغت نصاعتها ستكون عاجزةً ومشوهة بدون مشاركة الناس في وضعها. ومن المهام المركزية كذلك والتي على القانون إنجازها هي إجلاء المفاهيم الكبرى التي لا يكتمل مرمى القانون بدونها، وذلك مثل الإنتاج والإنتاجية، وقومية المشروع التي لا يمكن أن تتحقق بدون إنصاف أهل المشروع وحمايتهم كمنتجين لخيراته. أو وبمعنى آخر أكثر دقة وشمول، أن يكون مستوعباً أن الدور المرجو في أن يلعبه المشروع في دعم الاقتصاد الوطني سيكون معتمداً وبشكل لا يقبل الجدل على تحقيق ذلك الإنصاف وتوفير تلك الحماية للمنتجين، المشار إليهما سلفاً.

(3)
وفيما يتعلق بحماية الأرض، وبكل أشكال ملكيتها، نجد أن نصوص القانون المقترح لم تتمثل ولم تستجب لما طرأ من تطور في هذا الحقل. والتطور المقصود هو التطور الذي حتمه وبشكل أساس إندياح الظاهرة الكونية المعاصرة والتي تعرف بظاهرة الإستيلاء على الأرض “Land Grabbing Phenomenon” بدعاوي الإستثمار، والذي قد يمتد إلى 99 عاماً. إنه شكل جديد من أشكال الهيمنة والإستغلال بواسطة الأمم ذات الثروات الطائلة لموارد البلدان المتخلفة. فهو إستثمار لا يقوم على مبدأ المنافع المتبادلة وبشكل عادل. فبناءاً على تجارب الشعوب التي وقعت ضحية لإنتشار ظاهرة “الإستيلاء على الأرض” إنتبهت الأمم المتحدة لضرورة حماية حق ملكية الأرض بالنسبة للمجتمعات والشعوب المستهدفة بإتساع تلك الظاهرة. أجازت الأمم المتحدة في 13 سبتمبر 2007 إعلاناً أسمته “الإعلان الخاص بحقوق الشعوب الأصيلة”، “Declaration on the Rights of Indigenous People” (DRIP)، وحيث جاء في المادة (8) (2) منه ما يلي:
“على الدول أن تقوم بتوفير الآليات الكفيلة بالحماية، وبتدارك: ب/ أي فعل يكون الهدف منه أو الغرض تجريدهم من ملكية أراضيهم أو مواردهم”.
إن الأرض وملكيتها في الجزيرة تنطبق عليها كافة الدواعي التي إستندت عليها الأمم المتحدة في إعلانها لحماية ملكية الأرض. فلذلك وإستناداً على التجربة المريرة التي مر بها مشروع الجزيرة خلال حكم النظام البائد، والذي كان غاب قوسين أو أدنى من إنتزاع الأرض ووضعها في أيدي فئة قليلة من المرابين المحليين والأجنبيين، يصبح من المهم أن ينص في القانون صراحةً على أن ملكية الأرض في الجزيرة تحميها القوانين الدولية أيضاً، وأن يُكفل للمزارعين والملاك حق اللجوء إلى تلك القوانين حال الإعتداء على حق ملكية أراضي الجزيرة، ومن أي جهة كانت بما فيها النظم الحاكمة. إن وجود مثل ذلك النص يسد الطريق أمام أي محاولة للإستيلاء الظالم على الأرض، وهو في نهاية الامر مما سيقلل من حدوث تلك المحاولة بدءاً.
ورود نصٍ كهذا قد يمثل سمةً جديدةً في محتوى ومسيرة القوانين الخاصة بمشروع الجزيرة، إلا أن إدراجه أضحى أمراً مطلوباً أملته التطورات الحادثة على مستوى العالم، والتي أشرنا إلى أحد أبرز ملامحها، أي إتساع إنتشار ظاهرة “الإستيلاء على الأرض”.

 

(*) رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *