مدير التأمين الصحي بحنوب كردفان: لولا المساعدين الطبيين والمعاونين الصحيين لانهار النظام الصحي (2)
حوار: رقية عيسى
شهد نظام التأمين الصحي في السودان العديد من التغييرات، من نظام قائم على الضرائب في أواخر خمسينيات القرن الماضي إلى فرض رسوم على المستفيدين جنباً إلى جنب مع برامج التكافل الاجتماعي، فنظام التأمين الصحي الاجتماعي الذي أدخل في عام 1995م لم يستثن القطاع الخاص الذي نما أضعافاً مضاعفة مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الأسر المستفيدة من الخدمة في عام 2006م.
ورغم التطور الذي يشهده القطاع إلا أن حجم تقديم الخدمة لا يتناسب مع العدد المتزايد في نسب المشتركين، استضافت (مدنية نيوز) مدير فرع الصندوق القومي للتأمين الصحي بولاية جنوب كردفان د. الفاضل كامل الدود، ليحدثنا عن تلك المؤسسة الخدمية ودورها في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين بالولاية، فإلى مجريات الحوار:
كنت قد تحدثت في الحلقة السابقة من الحوار عن النقص في الكوادر الطبية وعن جاذبية سوق الخليج للكوادر السودانية، إذاً ما هي الخطوات التي اتبعتموها لتشجيع الكوادر واستبقائها لتقديم الخدمة خاصة في التخصصات النادرة؟
دعينا نتحدث أولاً عن التخصصات الرئيسية على المستوى الأولي من المساعد الطبي والطبيب العمومي، ولاية جنوب كردفان بها 18 طبيباً فقط يقوموا بتقديم الخدمة في مرافق وزارة الصحة فالولاية تحتاج 69 طبيباً عمومياً بمعنى أن النقص حوالي 51 طبيباً لتقديم الخدمة بصورة مقبولة، وفي الأزمات كثيراً ما يستعان بالكوادر المساعدة، ولولا المساعدين الطبيين والمعاونين الصحيين لانهار النظام الصحي في جنوب كردفان. نأتي إلى التخصصات، الاختصاصيون الموجودون حالياً “16” ويقل عددهم كل مرة ففي العام الماضي كان عددهم “20” اختصاصياً لذلك رفعنا مقترحاً لاستجلاب واستبقاء الكوادر بتقديم خدمة مميزة لهم مثل دفع حوافز مجزية، إلى جانب توفير الأمن والسعي إلى استقرار المجتمع لأن المجتمع له دور كبير في استبقاء الكادر بالابتعاد عن الخلافات القبلية وقبول الآخر والعيش في مجتمع معافى، ونؤكد أن الاستبقاء ليس نقود فقط بل يحتاج بيئة عمل وسكناً وترحيلاً وأماناً وعدم الاعتداء، كما نناشد كل الأجسام الموجودة سوى كانت أجساماً سياسية أو مجتمعية أو خدمة مدنية أو غيرها للعمل على جلب الكوادر وتوفير الظروف المواتية لهم للاستفادة من خدماتهم، هناك تخصصات غير متوفرة كالعيون والأذن والأنف والحنجرة، كما أن اختصاصي الجراحة واحد وموجود في المستشفى العسكري، ومعلوم أن النظام العسكري يتم نقل الكوادر باستمرار فإذا تم نقله تصبح الولاية بلا جراح على الرغم من أن لدينا شراكة كبيرة مع المستشفى العسكري في كادقلي ولكن هذا ليس كافياً فالوضع يحتاج معالجة فعلية، التأمين الصحي يمنح البطاقة ويمكن أن يتلقى الفرد العلاج في أية ولاية ولكن هناك تكاليف أخرى يتحملها المواطن كالسفر والإعاشة والترحيل الداخلي قد تصل أضعاف قيمة العلاج، لذا يجب أن يكون التفكير في اتجاه جلب الكوادر وبهذا نكون قد عالجنا مشكلة المجتمع.
د. كامل، ليس ببعيد وجود المنظمات الأجنبية والوطنية العاملة في الولاية، ما مدى استفادة وزارة الصحة من تلك المنظمات؟
أولاً هذا السؤال يفترض أن يقدم لوزارة الصحة، لكن أجاوب من منطلق رأيي الشخصي وهذا لا يعتبر رأي المؤسسة حتى لا يحدث خلط، في رأيي الشخصي أن الاتفاقيات الفنية التي تتم مع المنظمات يفترض أن تأتي المنظمة وتسأل عن النقص لتعمل على تسديده فالاتفاقيات الفنية فيها إشكال كبير ليس هناك ترتيب للمهام في المراكز الصحية التي تدعمها المنظمات وبهذا تصبح الخدمة غير متكاملة في بعض المراكز، إلى جانب عدم الالتزام بقائمة الأدوية والمستوى الوصفي للعلاج، مثلاً نجد مركزاً فيه مساعد طبي يعمل عبر المنظمة ويكون العلاج الموجود من صلاحيات الاختصاصي أو يكون علاج مستشفى وقد يكون منتهي الصلاحية، كما نعاني في المراكز التي تدعمها المنظمات فغالباً ما يكون جزء من الخدمة بالمجان والبعض الآخر بقيمة مالية معينة، في هذه الحالة يصعب الدمج بين النظامين، لذا في رايي تجب مراجعة الإتفاقيات الفنية مع مفوضية العون الإنساني ووزارة الصحة والتنمية الاجتماعية باعتبارها الجهات التي تنظم عملية تقديم الخدمات ليكون العمل واضحاً في هذا الجانب، ولكن هذا لا يلغي دور المنظمات فهي تقوم بدور كبير ومعلوم أن السودان بأكمله يعمل في رعاية الأمومة والطفولة وفي جنوب كردفان هناك غياب “للمنظمة الأفريقية لرعاية الأمومة والطفولة” المنظمة العاملة في الصحة الإنجابية ويمكن السعي لفتح المجال أمام هذه المنظمة لما تقدمه من خدمات للأمهات والنساء في سن الإنجاب والأطفال دون الخامسة.
بذكرك لجانب الأطفال، كيف تتم تغطية شريحة الأطفال فاقدي السند والمشردين؟
هناك جهات تعمل في هذا الجانب مثل وزارة الرعاية بإداراتها المختلفة ومجلس رعاية الطفولة وهناك منظمات وطنية ودولية تدعم هذه الشرائح، كما يتم تأمينهم لكن تظل المشكلة في ربع قيمة الدواء فهي لا تتوفر لديهم، فقد جلسنا مع كل الأطراف بخصوص الأطفال فاقدي السند والمشردين للتعامل معهم بصورة خاصة، ولي تحربة في شمال كردفان مع منظمة “صلاح” التي تعمل في مجال المشردين حيث خصصت لهم عيادة خاصة وكنت الطبيب المعالج لهم، يمكن أن يتم نقل مثل هذه التجارب للولاية والتأمين الصحي على أتم الاستعداد لتقديم الخدمة بالشراكة مع الجهات التي تتبنى الفكرة.
من المؤكد أن للإعلام دور كبير في نجاح العديد من الأعمال والأنشطة خاصة في جانب توعية المواطنين ورفع القدرات تجاه الخدمات المقدمة ما مدى استفادة التأمين الصحي من الإعلام؟
بالفعل الإعلام الإيجابي الذي يصب في مصلحة التنمية يساعد في تقدم البلد ونعتبر الإعلام شريكاً أساسياً لنا في التأمين الصحي، وأكبر تحدٍ يواجه المؤسسات المختلفة هو جانب التوعية الذي لا يتأتي إلا بمشاركة الإعلام، فالشعب يجب أن يعى بحقوقه ومؤكد أن وجودنا في هذه المؤسسات فقط لخدمة هذا المجتمع، لذا يجب تفعيل دور الإعلام خاصة في النواحي التأمينية لتوعية المواطن بالخدمات التي يجب أن يتلقاها، ورئاسة التأمين الصحي بالولاية لها رقم هاتف للتواصل وتلقي شكاوى المشتركين إلى جانب خط الاستفسار “3311” الموحد في كل السودان فضلاً عن وجود تنسيق تام بين الإدارات والعاملين في التأمين الصحي بالولاية.
د. الفاضل، انطلاقاً من نظم بيانات المشتركين، ما مدى مساهمة الأنظمة المحوسبة بالتأمين الصحي في تقديم الخدمات للمواطنين، وخاصة في آخر لقاء لكم في ملتقى الفروع بالخرطوم كنتم أقل الولايات خطأً؟
التحية لكل العاملين في الجانب التقني فالصندوق القومي للتأمين الصحي من المؤسسات التي تسير في اتجاه التحول الرقمي والحوكمة الإلكترونية ومن البطاقة وبيانات المشتركين من إدخال واستخراج جميعها تتم إلكترونياً، وبالفعل كنا الولاية الأقل خطأً في الملتقى الذي عقد مؤخراً رغم الظروف التي تمر بها الولاية، وهذه دلالة على أن كل الكوادر العاملة تؤدي مهامها بمهنية عالية، يضاف إلى ذلك التطور المستمر في النظام، فالبطاقة عندما بدأت كانت ورقية وفي الوقت الحالي تم تحديثها وفقاً للنظام الجديد، ومعلوم أن الانتقال من نظام إلى نظام يسبب أخطاء، وتلك الأخطاء ليست بالضرورة من الأفراد بل تحدث من النظام أيضاً ومع التغيير الذي حدث في عام 2008م تم تحديث المستندات بإلغاء الجنسية وإدخال الرقم الوطني وبعض الوثائق الثبوتية الأخرى، في جنوب كردفان لدينا (10) أنظمة محوسبة فيها بيانات المشتركين كنظام أساسي ونظام الإحالة الإلكترونية ونظام الأمراض المزمنة ونظام الدواء جميعها أنظمة تعمل رقمياً، كما أن التأمين الصحي من المؤسسات التي طبقت نظام تخطيط الموارد وهو نظام عالي الدقة وفيه نسبة عالية من الشفافية ومزود بالشاشات التي تعكس كل الأنشطة المالية والإدارية على مستوى الرئاسة وبه (امديوس) ونظام الحسابات والإيرادات والمصروفات والتصاديق والمدفوعات وكل الدورة المستندية على مستوى المراجع الداخلي والعام، كما نعمل على ربط كل الأنظمة مع بعضها ونطمح في المزيد من التطوير لسرعة ودقة تنسيق البيانات وسهولة تلقي الخدمات.
ونحن نعاني من إشكال كبير في موضوع الشبكة بعدد من محليات الولاية، وتم حل مشكلة القطاع الشرقي محلية (أبو جبيهة) بتوفير أجهزة (الفايبر) وساعيين في حلها في تلودي، كلوقي، والليري بزيادة سعة الشبكة الموجودة، وبناءً على هذه الأنظمة الولاية لديها سقف محدد لا يمكن تجاوزه وعلى الحكومة أن تسلك هذا الاتجاه لشفافيته وسهولة متابعة الأنشطة.
مع خواتيم اللقاء د. الفاضل، ما هي الرسائل التي تود إرسالها؟
كما ذكرت من قبل أول رسالة أبعثها للمُؤمَّن عليهم بضرورة المحافظة على بطاقة التأمين الصحي من أجل الاستفادة من الخدمات التي تقدم عبرها، كما أبعث الرسالة الثانية لحكومة المركز ممثلة في وزارة الصحة الصندوق القومي للتأمين الصحي والإمدادات الطبية ولعناية مجلس الوزراء لإيلاء الولايات ذات الهشاشة اهتماماً خاصاً وتمييزها تمييزاً إيجابياً، كما أناشد المنظمات الموجودة على مستوى الولاية للعمل في جانب الكوادر والمساهمة في الاستجلاب والاستبقاء والدفع لهم من أجل الاستفادة منهم في تقديم الخدمات.