مدير التأمين الصحي بحنوب كردفان: الخدمات تقدم في حزام غير متكامل بالولاية (1)
* الولايات ذات الهشاشة تحتاج تمييزاً إيجابياً في الخدمات وظروفها لا تشجع الكوادر
حوار: رقية عيسى
شهد نظام التأمين الصحي في السودان العديد من التغييرات، من نظام قائم على الضرائب في أواخر خمسينيات القرن الماضي إلى فرض رسوم على المستفيدين جنباً إلى جنب مع برامج التكافل الاجتماعي، فنظام التأمين الصحي الاجتماعي الذي أدخل في عام 1995م لم يستثن القطاع الخاص الذي نما أضعافاً مضاعفة مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الأسر المستفيدة من الخدمة في عام 2006م.
ورغم التطور الذي يشهده القطاع إلا أن حجم تقديم الخدمة لا يتناسب مع العدد المتزايد في نسب المشتركين، استضافت (مدنية نيوز) مدير فرع الصندوق القومي للتأمين الصحي بولاية جنوب كردفان د. الفاضل كامل الدود، ليحدثنا عن تلك المؤسسة الخدمية ودورها في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين بالولاية، فإلى مجريات الحوار:
في البدء د. الفاضل، دعنا نقف معك حول الفكرة الأولية لنشأة الصندوق القومي للتأمين الصحي، ماذا عن التجربة؟
نشأ التأمين الصحي في مرحلة من مراحل الدولة السودانية، حيث كان هناك علاج مجاني في فترة حكومة الأحزاب ومع زيادة التعداد السكاني وارتفاع تكاليف الخدمة الطبية والخدمات الصحية لم تستطيع الدولة توفير كل خدمات المواطنين بالصورة المثلى وتم التحول من العلاج المجاني إلى العلاج الاقتصادي، إلا أن العلاج الاقتصادي كان مكلفاً للمواطنين مما أثر في تلقي الخدمة فجاءت فكرة التأمين وهي عبارة عن خليط بين هذا وذاك، بمعنى فيه جزء مجاني وجزء مدفوع القيمة وهي 25% من قيمة الدواء عبارة عن قيمة مساهمة المواطن في العلاج، فالتأمين الصحي منذ نشأته في عام 1995، 1996، 1997م بدأ بشريحة المعلمين في مدينة (سنار) ومن ثم انتقل إلى كل العاملين في القطاع العام كما انتشر في القطاعات الأخرى، القطاع غير المنظم، التأمين الحر، والمؤسسات غير الحكومية، وحالياً نتحدث عن تجربة لها أكثر من (20) عاماً وهي تجربة أثبتت نجاحها ودورها في العملية العلاجية.
ماذا عن التغطية السكانية؟
عندما نتحدث عن التغطية السكانية نجدها قد بلغت فوق (83%) من التعداد السكاني للسودان، أي أن أكثر من (34) مليون مشترك حامل لبطاقة التأمين الصحي، كما نجد أن الفكرة أصلاً قائمة على النظام التكافلي ويعتمد التأمين على مشاركة أكبر عدد من المواطنين، بمعنى أنه يستهدف عدداً كبيراً من المواطنين، بينما يستفيد من الخدمة الآنية عدد بسيط وبهذا يتحقق معنى الكفالة.
من خلال الانتقال للعلاج الاقتصادي هناك علاقة ثلاثية بينكم ووزارة الصحة وصندوق الإمداد الدوائي، ما هو شكل تلك العلاقة؟
قبل أن نتحدث عن العلاقة الثلاثية نتحدث عن التأمين الصحي في السودان فهو مختلف تماماً عن باقي العالم، فالتأمين الصحي في دول العالم يكون الاشتراك فيه فردياً ولكن في السودان بالأسرة وبغض النظر عن عدد أفراد الأسرة وقد يكون العائل واحد وهذا أكبر جزء فيه تكافل واضح، وعندما بدأ التأمين بدأ بعدد بسيط وتم إنشاء مراكز في كل ولايات السودان وفي جنوب كردفان تم إنشاء (7) مراكز نموذجية في المدن الكبيرة وكانت توفر الخدمات، ولكن مع زيادة عدد الداخلين في التأمين رأت الدولة ضرورة تغيير السياسات لتكون مماثلة للسياسات العالمية مع ضرورة الفصل بين تقديم الخدمة والتمويل، فالدولة تمول الصحة من جوانب مختلفة، أما التأمين الصحي يأخذ دعماً اجتماعياً مقدراً من وزارة المالية الاتحادية، كما يذهب هذا الدعم إلى المواطن عبر تلقيه العلاج المجاني أو عبر الإدارات الرأسية في الصحة وبعض البرامج القومية مثل الكلى والدرن وأخرى، فالسياسات العليا تقول: لتحقيق هذا الهدف يجب تحقيق التغطية الصحية الشاملة وتحقيق ذلك يحتاج إلى (3) أضلع وهي وزارة الصحة والصندوق القومي للإمدادات الطبية والصندوق القومي للتأمين الصحي، وتكون المهام كالتالي علي وزارة الصحة توفير المراكز والكادر الذي يقدم الخدمة وعلى صندوق الإمدادات الطبية توفير المعينات والمستحقات من أجهزة ودواء، بينما يقوم الصندوق القومي للتأمين الصحي بشراء الخدمة للمواطن السوداني.
ولذا نجد هذه الطريقة كسياسة وكتوجيه فهي نظام واضح ويمكن أن يحقق الهدف لكن النظام الصحي في السودان كبقية الأنظمة وكالخدمة المدنية وغيرها من المؤسسات الخدمية لم يجد حظه من الدعم الكافي والتطور والبناء في فترة الحكومة السابقة وبالتالي نجد الصحة من أكثر المؤسسات التي تأثرت لأنها من المؤسسات الخدمية وغير الربحية وبالتالي نجد أن النظام الصحي يحتاج إلى تقوية وهناك مشكلة كبيرة في الكادر المقدم للخدمة لأن العائد المادي الذي يأتي للكوادر الطبية في السودان غير كافٍ، فأسواق الخليج مفتوحة للعمالة والهجرة إلى الخارج، لذلك نجد أن كل الكوادر الطبية المميزة المؤهلة تسعى إلى تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي، والذي لا يهاجر يتجه إلى القطاع الخاص فهذا تحدٍ كبير يحتاج إلى ترتيب ووضع سياسة بديلة وتوزيع المهام مع التزام كل جهة بما يليها.
وإذا تحدثنا عن الأضلع الثلاث نجد أن التأمين الصحي معني بالتغطية التأمينية وتمليك البطاقة للمواطن وإجراءات تجديدها، ووزارة الصحة معنية بتوفير مواعين الخدمة، وعلى الإمدادات الطبية أن توفر الدواء والمعدات، لكن نجد في المثلث ضلع التغطية فاق النسبة الموضوعة للتغطية الشاملة، كما أن التحدي الكبير ما يزال ماثلاً في مواعين تقديم الخدمة والكادر والمستهلكات خاصة الأدوية والعلاجات وعلى وجه الخصوص بعد تفشي (جائحة كورونا) وارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه السوداني والمشاكل الاقتصادية التي مر بها السودان، وأكثر قطاع تضرر يمكن أن يكون هو قطاع الدواء لأن الدواء ليس كبقية الخدمات ولا يمكن توفيره في فترة وجيزة، فالنظام الذي تعمل به الشركات العالمية والشركات المنتجة يعتمد على دفع المبلغ وبعد (3) شهور يتم إنتاج الدواء ومن ثم يصل المواطن، وهذا يعتبر تحدياً كبيراً وبعض الأدوية بالتأكيد ضرورية ومنقذة للحياة، لكن رغم كل التحديات على الإمدادات الطبية توفير الدواء والمستهلكات الطبية وغيرها، ونحن في التأمين الصحي نعمل بتنسيق تام لتوفير وتهيئة بعض المرافق لتقديم الخدمة، كما نساهم في استجلاب واستبقاء الكوادر والدواء، وكمثال يفترض صرف دواء الربع الثاني من شهر (7 – 9) وجاءت التكلفة حوالي (234) مليون جنيه يتم تقسيمها على (3) شهور حيث يساوي قرابة (80) مليون في الشهر، ويلاحظ أن التأمين الصحي كمؤسسة كل المبالغ التي تأتي من المشتركين تساوي (140) مليون جنيه وهذا يعتبر خللاً واضحاً في الموازنة (140) مليون، (80%) منها يذهب إلى الدواء ويصل للمواطن بربع القيمة فالربع من الـ 80% حوالي 20% كحد أقصى، وفي نفس الوقت نحتاج توفير وشراء الخدمة فالتحدي كبير ما لم يكون هناك استخدام رشيد، وكله يحتاج إلى فهم الكادر المعالج والمواطن المستفيد.
وكان التأمين الصحي قد وضع دراسة في عام 2011م وكانت قيمة الدولار آنذاك (3) جنيهات وكانت الأسرة تدفع 270 جنيهاً على الأقل، ولكن في الوقت الراهن إذا قارنا فالمالية الولائية تكفل الأسرة بـ 225 جنيهاً بغض النظر عن عدد أفراد الأسرة وفي نفس الوقت نجد مقابلة الطبيب ما بين 100 – 200 جنيه، يضاف إلى ذلك الفحوصات والكادر المعالج والتكلفة الإدارية والزيادة في كل المستهلكات سوى كان وقود وغيره، ويدفع ديوان الزكاة 430 جنيهاً والسداد غير مستمر، كما تدفع المالية الاتحادية 600 جنيه وبهذا تصبح المعادلة صعبة جداً.
كيف تنظر للخدمات المقدمة من التأمين الصحي من زوايا اقتصادية؟
تعتبر البطاقة (شيكاً) على بياض ويجب المحافظة عليها فهي كقيمة إنتاجها أصبح مكلفاً في الوضع الراهن وفي ظل الاشتراك الضعيف، فعندما يقع الفرد فريسة للمرض في ظل الوضع الاقتصادي الذي نعيشه جميعاً نحتاج أن تكون معنا بطاقة لتلقي الخدمة، ورسالتي لكل حامل بطاقة خاصة بالتأمين الصحي أنه تجب المحافظة عليها، وكتأمين صحي هناك اتجاه لوضع ضوابط للبطاقة لأن تكلفتها 250 جنيهاً – 300 جنيه واشتراك الأسرة 25 جنيهاً، ويكون عدد الأسرة 5 أفراد وما فوق وبالتالي اشتراك السنة بأكمله يمكن أن يذهب للبطاقة فقط، وبالبطاقة تقابل الطبيب والكشف الطبي والفحوصات جميعها مجانية والدواء بربع القيمة وبهذا يوفر التأمين الخدمة للفرد ويكون قد وفر قيمة العلاج ليستفيد منها في اتجاه آخر لزيادة النمو الاقتصادي، وهذا قد يحقق استقراراً نسبياً لأن الهدف الأساسي من الصندوق القومي للتأمين الصحي هو الحماية الاجتماعية فهو عبارة عن تأمين الفقراء لأن 70% من المشتركين بالتقريب أسر فقيرة ولا تملك قيمة العلاج وتدفع عنهم الدولة وهو الهدف الأساسي للتكافل في مجال التأمين.
في هذا الجانب نلاحظ أن هناك زيادة في عدد المؤمن عليهم سوى كان في القطاعات المنظمة أو غير المنظمة، وبالطبع هذا يحتاج إلى التوسع في الخدمات الصحية ومنافذ تقديم الخدمة، د. الفاضل ما مدى مقدرة التأمين الصحي على ذلك من ناحية اقتصادية؟
اولاً: التغطية التأمينية في جنوب كردفان وصلت مدى بعيداً، فهناك مشكلة في التعداد السكاني في الولاية، فالتعداد تم على مرحلتين في 2008م كان لظروف وأسباب معروفة وفي 2010م، لكن نجد الفرق بين الاثنين كبير يمكن يكون الضعف، في 2008م زادت النتيجة عن مليون نسمة وفي 2010م يقال فوق الـ 2مليون، وللأسف يتم اعتماد تعداد 2008م وهذا يؤثر سلباً في كل الخدمات وخير مثال لذلك برنامج ثمرات الحالي يفترض توفير 80 مركزاً لكن تم التصديق بـ 20 مركزاً فقط وهذا من الحقوق الضائعة لمواطن جنوب كردفان، هناك توجيه من 2017م بعدم إنشاء التأمين الصحي أي مركز خاص به باستثناء الولايات ذات الهشاشة، وهذا التوجه صحيح لأنه عندما ينشأ التأمين المركز ويديره ويقدم الخدمة ماذا تقدم وزارة الصحة؟، وفي التعامل مع وزارة الصحة وعلى قلة الكوادر هناك إشكالات كبيرة في توزيعهم، وللأمانة في جنوب كردفان لدينا مشاكل حتى على مستوى الرعاية الصحية الأساسية، حيث تقدم الخدمات في حزام غير متكامل وهناك مراكز بها تغذية ولا تتوفر بعض الخدمات وأخرى بها خدمات للأطفال دون الخامسة وبدون تغذية، وهذا لقلة الكوادر والحوافز المقدمة لهم، وكحكومة ولاية ووزارات اتحادية يجب العمل في اتجاه بناء قدرات الكوادر واستجلابهم واستبقائهم من أجل تقديم خدمة متكاملة للمواطن، ومن هنا نرسل رسالة للحكومة المركزية ممثلة في الصندوق القومي للتأمين الصحي ووزارة الصحة الاتحادية وعلى مستوى مجلس الوزراء بأن الولايات ذات الهشاشة تحتاج تمييزاً إيجابياً فيما يتعلق بالخدمات لأن الظروف التي تمر بها لا تشجع الكادر للتخلي عن الهجرة والقدوم إليها.