الإثنين, مارس 31, 2025
تقاريرسياسة

أفريقيا.. الانقلابات العسكرية تتصاعد

الخرطوم: حسين سعد

سيطرت الانقلابات العسكرية في القارة السمراء على جلسات القمة الأفريقية التي عقدت مؤخراً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

وشهدت أفريقيا خلال الـ (60) عاماً الماضية أكثر من (200) انقلاب عسكري نجح معظمها في السيطرة علي الحكم، فبين عامي 1970 و1989 كانت هناك (99) محاولة انقلاب ناجحة أو فاشلة في جميع أنحاء القارة، في حين وصل عدد الانقلابات الناجحة بين عامي 1956 و2001 إلى (80) انقلاباً.

وخلال العامين الماضيين شهدت القارة الأفريقية ما يزيد على (10) محاولات انقلابية بين ناجحة وفاشلة، ما يهدد بتقويض التقدم الهش الذي تحقق.

لكل هذه التحديات شددت مطالبات القمة الأفريقية بضرورة وضع (مقاربة جديدة) للوقوف في وجه مخاطر عدم الاستقرار التي تهدد قارة توصف بأنها الأفقر في العالم، كما هيمنت ذات القضية على نقاشات الجلسة الختامية من (المؤتمر الأفريقي للسلم) الذي عقد الخميس الماضي في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

عبر هذه الدراسة نحاول سبر أغوار العوامل المشتركة للبلدان التي وقعت بها انقلابات، ومن بين هذه العوامل كانت الهشاشة الأمنية والتدهور الاقتصادي وغياب الشافية، وتمدد الفساد والمحسوبية، وتوصلت الدراسة إلى وجود دور خارجي لتلك الانقلابات وتمظهر ذلك الدور ما بين التنافس الإقليمي والدولي والمصالح.

ولربط تلك التدخلات العسكرية لفتت الدراسة للموقع الاستراتيجي للقارة السمراء التي تقع بحسب علم الجغرافيا السياسية والجيوبلوتكس في منطقة الارتطام الرابعة، وتتنافس على القارة السمراء منذ نهاية الحرب الباردة (3) جهات وهي أوروبا وأمريكا والصين، وبحسب الدكتور داؤود بابكر هرون في كتابه الجغرافيا السياسية والجيوبلوتكس كان التنافس أمريكياً وأروربياً أي بين المستعمر القديم (الدول الأوروبية) والطامع الجديد أي الولايات المتحدة الأمريكية، تتسم العلاقات الأمريكية والأوروبية بمزيج من التعاون والتحالف، حيث تعتبر أوروبا أن افريقيا هي مجالها الحيوي بحكم القرب الجغرافي، والروابط التاريخية الاستعمارية، وبالتالي تعمل علي احتواء المنطقة جنوب الصحراء عبر اتفاقية لومي وإعلان برشلونة (الشراكة الأورو_متوسطية لمنطقة المغرب العربي)، بينما تشكل أفريقيا في نظر أمريكا فراغاً استراتيجياً لابد من ملئه، وذلك في إطار تأمين المصالح الأمريكية وفي إطار الهيمنة والزعامة المطلقة علي العالم، أما السودان فيقع في منطقة الارتطام الثالثة، وهذه المنطقة في الشرق الأوسط هي منطقة ذات ثروات حضارية وديمغرافية وإمكانيات اقتصادية كبيرة حيث بها أكبر مخزون واحتياطي للنفط والغاز الطبيعي والمعادن النادرة والاستراتيجية وثروات مائية ضخمة أتاح لها موقع جيوبولتيكي مهم وحساس في المعادلة الدولية.

إنقلابات السودان

وفي كتابه السودان نحو الجمهورية الثانية ..دعوة لتأسيس جيوبولوتيكا للسودان النيلي شرح العميد الركن السر أحمد السعيد، مراحل التدخلات العسكرية في السياسية السودانية مشيراً إلى أن المرحلة الأولى كانت ما قبل إنشاء قوة دفاع السودان (1898-1925) والمرحلة الثانية ما قبل الاستقلال قوة دفاع السودان(1925-1956)، والمرحلة الثالثة الحكم العسكري الأول (1958-1964) والمرحلة الرابعة التدخل العسكري الثاني (1969-1985)، المرحلة الخامسة التدخل العسكري الثالث (1985-1986) المرحلة السادسة التدخل العسكري الرابع يونيو (1989).

وفي كتابه إشكالية القوات المسلحة والسياسية تناول العميد (م) عبد الرحمن خوجلي، الانقلابات العسكرية لماذا؟، وماهو المناخ الملائم للانقلابات وما هي أسبابها وأهدافها؟.

وسرد الكتاب آثار الانقلابات في تركيز السلطة في يد العسكريين ومصادرة الحريات والديمقراطية والسلام وحل الأحزاب وتعليق الدستور والعمل بقانون الطوارئ وفرض حكم شمولي وارتكاب الكثير من الانتهاكات بدافع تأمين الانقلاب، وتفشي الفساد واستغلال النفوذ والمحسوبية، ومنح صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية لإحكام الطوق الأمني.

إسكات البنادق

وتعتبر القمة الأفريقية التي أنهت جلساتها بأديس أبابا مؤخراً، هي القمة الأولى التي تعقدها دول الاتحاد الأفريقي حضورياً منذ عامين، أي منذ بداية جائحة (كورونا)، وكان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، قد دعا في خطابه أمام القادة الأفارقة، إلى أن تكون المقاربة الجديدة (قائمة على إعادة التفكير حول هيئاتنا لتحقيق الأمن والسلم، وعلاقتها بعوامل عدم الاستقرار المستجدة في أفريقيا)، وأكد الدبلوماسي التشادي الذي يقود أهم هيئة في الاتحاد الأفريقي، أنه من دون إعادة التفكير بشكل جدي، فإن الشكوك ستحوم حول مستقبل مشروعنا البارز لإسكات البنادق في أفريقيا.

وأضاف أن الوضع الأمني في القارة (مقلق)، بسبب توسع الإرهاب وازدياد بؤر التوتر وتصاعد وتيرة الانقلابات العسكرية، وقال إن الوضع الأمني في القارة يتأثر عميقاً بتوسع وانتشار الإرهاب وموجة خطيرة من التغييرات غير الدستورية، ولكن هاتين الظاهرتين بينهما علاقة سببية يعلمها الجميع، تجد الواحدة مبرراتها من انتشار وتوسع الأخرى. وخلص رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي إلى التأكيد على أن التوسع الخطير لقوى الشر (في القارة) يتطلب تحركاً دولياً أكثر قوة، وتضامناً أفريقياً مثمراً وملموساً، فمن المحبط رؤية التوجه نحو تدخلات غير أفريقية لدعم دول أفريقية تتعرض للهجوم، في الوقت الذي يعكس فيه التضامن الأفريقي قدراً كبيراً من الشلل تجاه جيران تلتهم النيران بيوتهم.

تحديات عديدة

وشهدت جلسة افتتاح القمة، تسلم الرئيس السنغالي ماكي صال، الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي من رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فليكس تشسكيدي، وقال الرئيس السنغالي في كلمته الافتتاحية، إن الاتحاد الأفريقي يحتفل بذكرى تأسيسه العشرين لذلك له أن يفخر بما تحقق في إطار مبادرات كبيرة، على غرار الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا (نيباد)، وبرنامج تطوير البنية التحتية لأفريقيا (بيدا)، ورؤية 2063، بالإضافة إلى الإصلاح المؤسسي والسور الأخضر الكبير، وما حققه في مواجهة جائحة (كوفيد – 19).

ولكن الرئيس السنغالي الذي سيقود الاتحاد الأفريقي لعام 2022، قال إن التحديات أمامنا تبقى كثيرة وملحة، خصوصاً في مجال السلم والأمن، ومكافحة الإرهاب، والحفاظ على البيئة، وفي مجالات الصحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن يشدد على أن تصاعد ظاهرة الانقلابات العسكرية تشكل مساساً حقيقياً بالديمقراطية والاستقرار المؤسسي في القارة، وفق تعبيره. وكانت أفريقيا قد شهدت كثيراً من الانقلابات العسكرية والتعديلات غير الدستورية خلال العامين الأخيرين، وتصاعدت أكثر خلال الأشهر الماضية، لتعقد الأوضاع في كل من السودان وتشاد ومالي وبوركينا فاسو وغينيا، مع أوضاع مضطربة في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا، بالإضافة إلى إثيوبيا التي تستضيف القمة الأفريقية على وقع تمرد عسكري عنيف.

قلق دول الساحل

ومن العاصمة الموريتانية نواكشوط قال رئيس النيجر محمد بازوم، إن على السياسيين والعلماء في منطقة الساحل أن يوحدوا جهودهم من أجل منع الشباب في دول الساحل الخمس من الانخراط في صفوف تنظيمي (القاعدة) و(داعش)، محذراً من خطورة الوضع في هذه المنطقة التي تعيش حرباً لا هوادة فيها، وقال بازوم الخميس الماضي أمام العشرات من علماء وأئمة وفقهاء أفريقيا، في الجلسة الختامية من المؤتمر الأفريقي للسلم قال إن دول الساحل تجتاحها حرب لا هوادة فيها يشنها شباب اكتتبوا باسم الإسلام، ليمارسوا العنف بقسوة لا مثيل لها، متسببين في مقتل الآلاف ونزوح مئات آلاف السكان، يعيش أغلبهم الآن في ظروف بائسة.

وأضاف بازوم أن الشباب الذين انخرطوا في تنظيمي (القاعدة) و(داعش) يرتكبون فظائع باسم الدين وأنه يجب تصحيح ذلك على يد العلماء والأئمة، مشيراً إلى أن هؤلاء الشباب المغرر بهم قتلوا الناس داخل المساجد، حدث ذلك في النيجر ونيجيريا خلال شهر رمضان الكريم، فلم يراعوا حرمته.

وشدد رئيس النيجر في حديثه أمام العلماء الأفارقة أن من صنعوا هذا الوحش، لا يمكن أبدا أن يكونوا رجالاً يهتمون للإسلام والمسلمين، واعتبر أن ما يجري في الساحل هو انتشار واستغلال لأفكار خطيرة، تقف وراءها تنظيمات دنيئة تقودها ثلة قليلة من الرجال، يستغلون جهل العامة، وأوضح أن أول ضحية لهذه التنظيمات هم الشباب غير المتعلمين، المؤهلين لممارسة العنف حين يقتنعون أنه في سبيل الله، ولكنهم في الحقيقة إنما يخدمون رجالاً أدنياء، يطلبون منهم سرقة مواشي الفقراء، وهذا ما يحدث الآن في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وفي منطقة حوض بحيرة تشاد. وحذر رئيس النيجر من خطورة الوضع في منطقة الساحل، ولكنه أكد أن أزمة الساحل تكشف ضعف مستويات تعليم الشباب وهشاشتهم الاجتماعية، و(لحل هذه المعضلة فالمسؤولية تقع علينا نحن المسؤولين السياسيين)، وتابع: لكن أيضاً على العلماء والأئمة من واجبنا كسياسيين وعلماء أن نخوض الحرب معاً ضد الإرهاب، حتى نشرح حقيقة الإسلام، وأن نبعده عن القراءات الخاطئة لهذه التنظيمات، لأن السلام هو الحقيقة السياسية والروحية للدين الإسلامي).

حرب مطولة

وتخوض دول الساحل الخمس (موريتانيا، النيجر، مالي، بوركينا فاسو وتشاد) منذ (10) سنوات، حرباً ضد حركات مسلحة تسعى لإقامة إمارة إسلامية في المنطقة وتدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية ولكن وفق تفسير متطرف، وقد توسعت دائرة نفوذ هذه التنظيمات لتزعزع الأوضاع في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتسبب انهيار المنظومة الأمنية في كل من مالي وبوركينا فاسو في زعزعة الوضع السياسي ثم إلى انقلابات عسكرية متلاحقة خلال السنوات الأخيرة، أدت مؤخراً إلى فرض عقوبات على البلدين.

أزمات كبيرة

وللحديث حول القمة الأفريقية الأخيرة قال الخبير في العلاقات الدولية والتنمية د. أحمد حسين، إن الأزمات التي تحيط بالقارة الأفريقية أزمات كبيرة جداً، كتلك التي تتعلق بالبنية التحتية ومشكلات الطاقة، الصحة، فضلاً عن التدخلات على المستوى الإقليمي والدولي والصراع الملفت من عدة محاور في غرب أفريقا وشرق أفريقيا، والقرن الأفريقي بسبب البعد الاستراتيجي لباب المندب، مشيراً لوجود (6) قواعد عسكرية موجودة بهذه المنطقة، والتي تعتبر معبراً للتجارة العالمية مما جعلها محلاً للأطماع الدولية، وأكد في حديث تنشره (مدنية نيوز) نقلاً عن (راديو دبنقا) أن ذلك يتطلب تماسك وتوحد القارة على مستوى القيادة الأفريقية في الاتحاد الأفريقي وأجسامه الأساسية حتى تسلم القارة من التوترات، ولفت لعدد من التحديات من بينها جائحة (كورونا)، والتنوع، إلى جانب أزمات الهجرة وقضايا الإرهاب وغيرها من التحديات التي تحتاج للمزيد من التماسك والحفاظ على استقرار الدول.

وحسب حسين فإن التنافس على القارة الأفريقية ليس وليد اليوم ولكن آثاره بدأت واضحة ابتداءً من غرب أفريقيا وشرقها وحتى السودان وإثيوبيا التي تواجه عدم الاستقرار والانقلابات والتطرف والإرهاب، داعياً لتحقيق تكامل إقليمي حقيقي يعمل على توحيد النظم الجمركية والاستفادة من الموارد الدخلية ودفع الصناعات المحلية، وتابع أن الأنظمة الدكتاتورية ساعدت كثيراً في التدخلات والتوترات، ونبه في هذا الإطار إلى مشاركة السودان في التحالف الذي تقوده السعودية وإلى تالدخل في اليمن وليبيا، وتأسف حسين، على أن السودان المؤسس للاتحاد الأفريقي أصبح بعيداً بسبب الانقلاب العسكري المشؤوم.

ونوه حسين، لغنى القارة الأفريقية بالموارد وبالتنوع الثقافي والإثني والمجالات الجيوسياسية، ورأى في الوقت ذاته أن الاستفادة من هذا الغنى تتطلب أن تمتلك منظومة الاتحاد الأفريقي رؤية واضحة واستراتيجية لأفريقيا (2063) والاهتمام بقضايا التنمية بالتركيز على ما تبقى من أهداف التنمية المستدامة وقضايا الحوكمة والحكم الرشيد والاستقرار السياسي ومعالجة ملفات الهجرة والتطرف والإرهاب والقضاء على الأمراض المستعصية والمستوطنة، وقال إن ذلك يتطلب ترسيخ شراكة دولية تبنى على المصالح المشتركة.

وأضاف أن ثمة نماذج كثيرة تحققت وفق هذه الرؤية، كما تم في إثيوبيا والتي ما زالت تحتاج لإعادة توحيد اللحمة الداخلية، وحذر من دخول القارة في أزمات كبيرة قد تحدث تقسيمات جديدة وتدخلات، ونبه لأهمية تحصين الدول من الانقلابات العسكرية بمساعدة الاتحاد الأفريقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *