الخميس, نوفمبر 21, 2024
تقاريرسياسة

التعثر الديمقراطي في السودان.. كتاب جديد للبروفيسور عطا البطحاني (6)

الخرطوم: حسين سعد

نواصل في الحلقة السادسة من كتاب التعثر الديمقراطي في السودان للدكتور عطا البطحاني، حيث تعرض لانتخابات 1958م وقال إن حكومة الحزب الوطني الاتحادي المنتخبة في 1953 اتسمت عموماً بطبيعة معتدلة (أحزاب الوسط) حاصلة بذلك على دعم واسع من الطبقات الوسطى في المدن حتى منتصف العام 1956 غير أنها أثارت حفيظة حزبي الأمة والشعب الديمقراطي المدعومين من الطائفيين المحافظين فضلاً عن الراديكاليين والاشتراكيين في اليسار. وقد دفعت الصراعاتُ على السلطة ومؤامرات الزعماء الموالين للختمية إلى انقسام الحزب الوطني الاتحادي وتشكيل حزب الشعب الديمقراطي، كما ذُكر آنفاً. بعد انفصال حزب الشعب الديمقراطي عن الوطني الاتحادي، حجبت عن الأزهري، وهو رئيس الوزراء وزعيم الوطني الاتحادي، الثقة وحلت بدلاً عن حكومته حكومة ائتلاف مشكلة من الأمة والشعب الديمقراطي في 1956. وقد مد الائتلاف الطائفي عُمر الجمعية التشريعية التي وضعت قانوناً جديداً للانتخابات البرلمانية مكّن من إجراء إنتخابات عامة. وطعن في انتخابات 1958 الحزب الوطني الاتحادي وحزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي والحزب الجنوبي الليبرالي والجبهة المعادية للاستعمار (الشيوعيون).

تحالفات وتحدي انتخابي

اتصفت انتخابات 1958 بمزيد من التوتر بين الأحزاب السياسية الشمالية. إذ يبدو أن التحالف الجديد بين حزبي الأمة والشعب الديمقراطي قد وجد مكاناً له في مواجهة وتحدي (العلمانية الجديدة للاتحاديين)؛ في تطور دفع بالاتحاديين إلى حشد القوى المتعلمة في المدن ضد الطائفية التقليدية، واستناداً إلى الميثاق الانتخابي الفاعل، تجنب حزبا الأمة والشعب الديمقراطي مواجهة بعضهما البعض في الدوائر الانتخابية وحشدا مواردهما لهزيمة الوطني الاتحادي الذي حصل على دعم الشيوعيين والراديكاليين. كما حصل على عدد كبير من أصوات الناخبين ونصف عدد المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب المؤتلفة فقط، متأثراً بسوء تناسب الدائرة الانتخابية لعام 1958. ومن بين العوامل التي صاغها بكتولد[1] لشرح أسباب هزيمة الوطني الاتحادي خسارته للدعم المالي الذي كان يأتيه من الخارج والذي كان الحزب قد حشده في 1953 بالإضافة إلى فقدانه رضى قيادة الحزب، ويعزى النجاح الذي حصل عليه حزب الأمة إلى عدد من العوامل.

(أولاً) إلى مراجعة شروط الأهلية بحيث أصبح لكل ذكر سوداني يتجاوز عمره 30 عاماً الحق في التصويت. ووفقاً لبكتولد، ساعد هذا التعديل في اجتياز عقبة الشروط المتصلة بالمستوى التعليمي للناخبين والتي استفاد منها الحزب الوطني الاتحادي.

(ثانياً) تمكن حزب الأمة من الاحتفاظ بقواعده التقليدية والإقليمية والريفية في غرب ووسط السودان فضلاً عن قواعده التاريخية التي تدعمه في كل من الشرق والشمال الإقليمين اللذين خرج منهما الزعماء التاريخيون للثورة المهدية عثمان دقنة ومحمد أحمد المهدي.

(ثالثاً) أُعيد ترسيم الحدود الإقليمية لتسع دوائر انتخابية لتحسين فرص مرشحي حزبي الأمة والشعب الديمقراطي، وبذلك فازا في ثماني دوائر من التسع دوائر، وبينما تولت مفوضية دولية ترسيم حدود الدوائر في عام 1953 وخلفتها في ذلك لجنة انتخابية غير حزبية في انتخابات 1965، سيطرت الحكومة على العملية الانتخابية في عام 1958.

ومن بين الإجراءات التي اتخذتها حكومة الائتلاف بين حزب الأمة والشعب الديمقراطي للتأثير على العملية الانتخابية إسقاط الشرط المتعلق بتعليم الناخبين في دوائر مجلس الشيوخ والتساهل في الأحكام المتعلقة بالجنسية مفسحين بذلك الطريق أمام المهاجرين القادمين من غرب أفريقيا والمعروفين بموالاتهم لحزب الأمة للتصويت، بالإضافة إلى إدخال نظام وحدات الاقتراع المتحركة في المناطق الرعوية وذلك لزيادة مشاركة من يعرف عنهم دعمهم لحكومة الائتلاف في التصويت.

الخلافات القديمة

أما الجنوبيون الذين أجهدتهم خلافات قبلية قديمة فقد وجدوا في مناداة الحزب الجنوبي الليبرالي (بالحكم الفيدرالي للجنوب) – شعار الحزب في الإنتخابات-شكلاً من أشكال التوحد. ظهر الحزب الجنوبي الليبرالي، وهو خليفة حزب الأحرار الجنوبي، باعتباره ثالث أكبر حزب في البرلمان في 1958. ويبدو أن فوز الحزب الليبرالي الجنوبي كشف عن أن الناخبين في الجنوب قد صوتوا سعياً لرسم خط سياسي خاص بهم، ومع ذلك فإن العديد من المرشحين الذين فازوا في الجنوب كانوا أما مستقلين، بعيدين عن أي انتماء حزبي، أو ممن شكلوا إئتلافاً فاعلاً مع الأحزاب الشمالية.

وفاقم من اضطراب الأحزاب السياسية في عام 1958 الأزمات الاقتصادية التي حدثت بسبب انخفاض الاحتياطي من العملة الصعبة من 62 مليون دولار إلى 8 ملايين دولار واستمرار الميزان التجاري في دون أن تظهر أية بوادر لحدوث انفراج في الأفق. وحدث شق في الميثاق الانتخابي بين الأمة والشعب الديمقراطي، في وقت تصاعدت فيه المقاومة الشعبية وزادت الضغوط من مصر على الحكومة لتعديل اتفاقية مياه النيل. ولمنع احتمال حدوث هزيمة برلمانية، وافقت الأحزاب الحكومية على تأجيل البرلمان إلى حين حل خلافاتهم.

إتحاد العمال

ويجدر هنا أن نؤكد أن اتحاد عمال السودان، الذي تمكن من الاضطلاع بدور نشط في الشؤون العامة وترك أثراً كبيراً عليها متفوقاً بذلك على كل نظرائه في أفريقيا والشرق الأوسط، قاد المعارضة ضد الحكومة، ووقف ضد رغبتها في قبول المعونة الأمريكية. وعندما سحبت الحكومة اعترافها بالاتحاد، نظم إضراباً عاماً ناجحاً دعمه اتحاد المزارعين والاتحادات الطلابية والشيوعيون. وتدخل ضباط كبار في الجيش في السياسة لإسقاط الحكومة المنتخبة في نوفمبر 1958، وذهبت المزاعم إلى تواطؤ حزب الأمة في ذلك. ويرجع السبب الرئيس في حدوث انقلاب 1958 إلى انعدام الإستقرار السياسي والاقتصادي فضلاً عن عجز البرجوازية العربية – الإسلامية المهيمنة بفئاتها المختلفة عن فرض شكل مستقر من الهيمنة السياسية. وقد قصد من الحكم العسكري توفير مهلة تعيد فيها الكتلة المستحوذة على السلطة تنظيم نفسها إلى أن تتمكن من تأكيد وتأمين سيطرتها على الطبقات التي لها نفوذ عليها، وشكلت الطريقة غير السليمة التي تعامل بها النظام العسكري مع هذه القضايا، بالإضافة الى عدم تداركه للإفرازات السياسية والاجتماعية للمشاريع الاقتصادية التنموية التي أنشئت في الشمال، في إطار الخطة العشرية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية (1960/1961-1970/1971)، شكلت القشة التي قصمت ظهر بعير النظام وأدت الى إسقاطه. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *