الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

الثورة وجدلية الوحدة الثورية

بقلم: محمد الصحابي  

تتصاعد وتيرة الحراك الثوري فيشتد الخناق على السلطة الانقلابية المستبدة، ويحاصرها حصاراً يجعل عروشها  تهتز اهتزازا بائن وآيل للسقوط، وفي خضم ذلك يحتدم النقاش حول الثورة وجدلية الوحدة الثورية، فاضحت الجند المقدم للثوار، واحتلت صدارة أولويات الفاعلين في الحراك الثوري المستمر لأكثر من خمسة اشهر منذ صبيحة الانقلاب المشئوم في 25 أكتوبر 2021، ولمدي ثلاثة سنوات منذ تفجر ثورة ديسمبر المجيدة، ومعلوم ان لجان المقاومة درع الثورة الصلد هي القائد الفعلي للحراك الثوري في هذه المرحلة الفاصلة من موجات ثورة ديسمبر المجيدة المستمرة بصمود لا يضاهي نحو غاياتها في الحرية والسلام والعدالة، رغم اتساع حجم التآمر عليها، الهادفة إلى التغيير الجزري، حيث تعالت الأصوات حول ضرورة وحدة قوى الثورة، رافق ذلك نشاط محموم في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض منصات لجان المقاومة المنتصبة في المواكب وغيرها من المنصات الأخرى، يُضاف إلى ذلك بيانات بعض لجان المقاومة وكتابات بعض المهتمين بالحراك الثوري، ويتوجب علينا النظر لمجمل ذلك بعين فاحصة وإخضاعه للتشريح والتحليل لندرك اتجاهاته، وعند إسقاط ذلك على الواقع نخلص الي التالي :

– فريق يُنادي بوحدة قوي الثورة، ولكنه لا يطرح اي تصور او رؤية لكيفية هذه الوحدة، على الرغم من معرفته التامة بمالات ذلك محاولاً إخفاء توجهه هذا، فيُمارس دور الانتهازية الواعية بمجريات الأمور، ويرتكز في مناداته بالوحدة على مخاطبة العاطفة الثورية بخطاب تضليلي يصحبه خطاب تخويفي تهويلي حول مالات عدم وحدة قوى الثورة وتبعاتها كإطالة أمد الانقلاب، ولكن السؤال الذي يفرضه الواقع بقوة لأي وحدة تنادون؟

يُكافح هذا الفريق لتكثيف العمل الإعلامي حول خطاب وحدة قوي الثورة ويجتهد في ذلك عبر شتى الوسائل، حتى اصبحت هذه الحملة الإعلامية هي المسيطرة على المشهد، وبالتمحيص لهذه الحملة الواسعة نجد أن هدفها تضليلي بمعنى الكلمة، وذلك لأنها تتحدث عن ضرورة وأهمية وحدة قوى الثورة من منظور اجوف، بمعنى وحدة ثورية بلا رؤية ولا تصور يوضح ماهية هذه الوحدة، وعلى أي أسس ترتكز؟ مما يؤكد ان هذا النهج هدفه قطع الطريق على وحدة قوى الثورة ومنعها من الالتفاف حول رؤية موحدة ومعرّفة تستمد مضامينها من المواثيق المطروحة للتداول الواسع والنقاش الجاد الموضوعي وإخضاعها (للحذف والإضافة والتعديل) الذي يفضي الي ميثاق واحد يُعبر عن روح اللاءآت الثلاثة #لا_تفاوض_لا_شراكة_لا_شرعية،

ويستند في رؤيته على مبادئ وأهداف ومهام ثورة ديسمبر المجيدة، لذا نجد أن دعاة الوحدة الثورية الجوفاء هدفهم تجاوز المواثيق المطروحة من قبل لجان المقاومة والعمل بشكل جاد لوأدها نهائياً كخطة (أ) أو الالتفاف عليها إذا تعذر تحقيق الخطة (أ) عبر إفراغها من مضامينها، لتُفضي إلى إجهاض وحدة قوى الثورة الحقيقية كخطة (ب)، فوحدة على هذه الشاكلة هي وحدة مزيفة، وواجبنا المقدم كثوار حقيقيون ملتزمين جانب التغيير الجزري العمل الجاد بحزم وبصرامة لإفشال هذا المخطط التدميري.

خطورة هذا النهج الذي يتبني الوحدة الزائفة إنه يتحايل على مبدأ الفرز الثوري المستمر ويتحاشاه على الدوام كما لا يعترف بمالاته، ومن خلال رصد مسيرة محطات الثورة على امتداد سنواتها الثلاث، نجد أن الثورة تُسقط كل من يخالف مبادئها الصارمة كل في حينه وميقاته، أياً كان ومهما كان موقعه فرد او أي منظومة سياسية ولا تُجامل إطلاقا، فأدبيات المبادئ الثورية لا تعرف ولا تخضع لأدب المجاملة ولا لصلات الدم والرحم والأقارب والمناطقية والجهوية والقبلية، فالمبادئ الثورية سامية ولا يعلو عليها، كما ان غربال الفرز الثوري يستمر في التنعيم والتمحيص كلما خطت الثورة خطوات  الي الأمام والمضي قدماَ نحو أهدافها، فالفرز الثوري يلفظ المتآمرين على الثورة بلا رحمة، ويفضح أصحاب المطامع والمكاسب الشخصية والشواهد في ذلك عديدة، فهؤلاء ومناصريهم لا يطيقون الفرز الثوري ويطلبون بكل وقاحة من الملتزمين جانب المبادئ الثورية ان يتعاملوا مع نتائج الفرز الثوري وفق قاعدة عفي الله ما سلف! هكذا بكل استخفاف وانتهازية، وهذا مرفوض رفضاً قاطعاً لا رجعة فيه لأنه يضرب المبادئ الثورية في مقتل، فالمبادئ لا تتجزأ يا هؤلاء.

هذا الفريق يمثله المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وهذا ليس اتهام جزافي او كلام مرسل على عواهنه، ولا يحتاج مزيد من العناء والمجهود لإثباته، فالاستناد على بياناتهم الأخيرة[i] يؤكد ذلك، فمن خلال رؤيتهم مصممون على مشاركة لجان المقاومة قيادة الحراك الثوري بتكوين مركز تنسيقي موحد، كما اوضحوا ان الجبهة التنسيقية الموحدة تتكون من أربعة دوائر رئيسية هي:

قوى الحرية والتغيير والقوى السياسية المناهضة للانقلاب.

لجان المقاومة حول السودان.

تجمع المهنيين السودانيين.

المجتمع المدني العريض.

وأردفت ذلك ببيان متعجل[ii] تم فيه استبدال (تجمع المهنيين) بالقوى والأجسام المهنية النقابية وواضح أنها محاولة للخروج من مأزق تجمع المهنيين حتى لا يقف عقبة أمام مقترحهم، وهدفهم من هذا الاستبدال التحايل والقفز بالزانة على عقبة تجمع المهنيين السودانيين المنتخب.

وحددوا واجب عمل الجبهة المقترحة في اتفاق سياسي، تنسيق ميداني وتنسيق اعلامي.

من هنا يتضح ان المجلس المركزي (قحت) حدد أهدافه بصراحة بعد أن كان خطابه الإعلامي يستخدم تعابير حمالة أوجه وتشوبها الضبابية، وهذه نقلة في خطابهم الإعلامي فتمرحلوا من تحاشي ذكر ان لجان المقاومة هي قائدة الحراك الثوري مروراً بذكر ذلك على استحياء ثم الإقرار والاعتراف بأن لجان المقاومة هي قائدة الحراك وأخيراً وضوح خطهم الإعلامي حول مجمل ذلك، ويبرز السؤال المُلح، وواجب إجابته تقع على عاتق الجميع لماذا اختاروا هذا التوقيت بالتحديد؟

وبتتبع ردود أفعال مكونات الحرية والتغيير المجلس المركزي فور إعلان ميثاق تأسيس سلطة الشعب المطروح من قبل لجان مقاومة ولاية الخرطوم، نجد أن الناطق الرسمي لحزب البعث في اول تصريح له لموقع ST الإخباري علق بشكل صريح على أن الميثاق إقصائي ولم يخرج من عقلية الإملاءات والشروط[iii]، كما حزر لجان المقاومة من تبني وجهة نظر الحزب الشيوعي أو السماح له بالتستر خلفها، وفي ذات السياق فان الحزب الشيوعي رحب بالميثاق عبر بيان مقتضب[iv]، ثم أتبعه بملاحظاته حول الميثاق[v]، ولاحقاً خفف الناطق الرسمي لحزب البعث من هذه النبرة الحادة في حواره المنشور بصحيفة اليوم التالي[vi]  ورحب بالميثاق، بعد ذلك قدم حزب البعث الأصل ملاحظاته حول ميثاق تأسيس سلطة الشعب نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما أكتفي كل من حزب الأمة، حزب المؤتمر السوداني والحزب الاتحادي بالرؤية العامة (لقحت)، ولاحقاً كشفوا عن رؤيتهم كتحالف حول وحدة قوي الثورة بصورة واضحة في بيانهم الأخير، وبالتالي فإن اعتراض المجلس المركزي على الأحكام العامة والاشتراطات وضوابط التوقيع بميثاق تأسيس سلطة الشعب هو رفض مبطن للميثاق ومدخل لهم لرفض كامل الميثاق، ويجدر بالذكر الي أن ابرز نقطتين معنية بذلك هما:

1/ يُشترط على كل القوي المدنية والسياسية التي قبلت وشاركت في التفاوض مع اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ تقديم تقييم موضوعي للتجربة التي قادت الي إنتاج الشراكة والاعتذار الجماهيري عن الأخطاء التي نتجت عنها.

2/ يكون التوقيع من التنظيمات السياسية وقوى الكفاح المسلح غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا بصورة منفردة ولا يُقبل التوقيع باسم تحالف.

وسؤالنا البديهي للمجلس المركزي للحرية والتغيير ماهي مخاوفك في هاتين النقطتين أعلاه؟ وعطفاً على ذلك فان اعتراضه يتعداهما الي الميثاق ذات نفسه، بمعنى ان مخاوفهم ليست الأحكام والاشتراطات وضوابط التوقيع، وإنما هُددت مصالحهم بالنقلة النوعية الحاسمة للجان المقاومة التي اتخذتها بالولوج الي دائرة العملية السياسية بعد أن كان دورها محصور فقط في الفعل الميداني للحراك الثوري، فاستشعروا الخطر وهنا مكمن اعتراضهم، ويرون انه لا ينبغي للجان المقاومة ان تلعب هذا الدور السياسي لأنه منوط بالأحزاب السياسية فقط؟ لا أدري على اي مرتكز يستندون على هذا؟ ولكن معطيات الواقع السياسي ومخرجات الأداء في الحُكم الذي لم يرقى لآمال وتطلعات الشعب السوداني خلال فترة الحكومة الانتقالية حتم على لجان المقاومة استشعار المسئولية الوطنية التاريخية ولعب هذا الدور الحيوي الذي يتناسب وطبيعة التحديات الجسيمة للمرحة الحساسة من عمر الوطن، وبالعودة لبيان (قحت) ذكرت فيه القوى السياسية المناهضة للانقلاب فالسؤال لهم: هنالك تنظيمات سياسية رافضة للانقلاب وشاركت نظام المؤتمر الوطني المدحور حتى لحظة إسقاطه مثال لذلك حزب المؤتمر الشعبي وغيره فهل هؤلاء ضمن دائرة القوى السياسية المناهضة للانقلاب؟ وهل ستسمحون لهم بالدخول في الجبهة التي ناديتم بها؟

– فريق يُنادي بالوحدة الثورية الحقيقية، وهي الالتفاف حول رؤية سياسية منصهرة فيها كل المواثيق المطروحة من قبل لجان المقاومة (ميثاق مايرنو، ميثاق سلطة الشعب _لجان مقاومة مدني، ميثاق تأسيس سلطة الشعب_لجان مقاومة ولاية الخرطوم، الميثاق الثوري السياسي لسلطة الشعب_لجان مقاومة الولايات) ومرتكز هذه المواثيق هي اللاءآت الثلاث التي تُعتبر الرافعة الحقيقية لتأسيس السلطة المدنية الكاملة، المؤتمرة بسلطة الشعب التي تُفضي الي إحداث عملية التغيير الجزري، ويًشكل إخراج العسكر نهائياً من دائرة المعادلة السياسية روح التغير الجزري، وهو موقف لا مساومة حوله إطلاقاً  ومحصن باللاءآت الثلاثة، يتبع هذا تصور تفصلي لإدارة الدولة ما بعد الإسقاط، ويستمد رؤيته من الميثاق المبلور من كل المواثيق المطروحة من قبل لجان المقاومة في شكله النهائي.

يُمثل هذا الفريق غالبية لجان المقاومة وليس كلها، ويمكن افتراض كلها باعتبار ان الخط الثوري السياسي العام للجان المقاومة هو التغيير الجزري، وستوسم بعبارة كلها عندما تُحدد رؤيتها من الوحدة بشكل أعمق وأدق، ولكن سنحتكم وزن معطيات الواقع ونقول بعض لجان المقاومة وليس كلها، وذلك لأن بعضها تكلم عن وحدة قوى الثورة بصورة غير تفصيلية، بمعنى تطرق للوحدة في العموميات وليس بالتفصيل وعلى سبيل المثال نذكر المتحدث الأول في منصة موكب 11 ابريل بشارع الستين تكلم عن الوحدة بعموميات، وأعقبه متحدثاً المناضل جعفر خضر القيادي بحركة بلدنا أيضاً تحدث عن الوحدة بشكل عام، بمعني خطابه حول وحدة قوي الثورة لم يتسم بالوضوح، ويمكن الرجوع الي الفيديو، يُضاف إلى ذلك بيان لجان أحياء بحري الأخير أيضاً تكلم عن الوحدة بعموميات وليس بتفصيل، فهي وجهت نداء لوحدة قوى الثورة عبر دعوة[vii] للقوي المدنية والسياسية والتجمعات النقابية والاتحادات المهنية، والي قوي الثورة الحية بلا استثناء[viii]، وعبر بيان ثالث للقوي السياسية يحثهم الي الوحدة في حد أدني من المبادئ الأساسية لإسقاط الانقلاب[ix] عبر صفحتها الرسمية بالفيس بوك ولكن المناداة للوحدة  في مجملها أتت بصورة عمومية غير تفصيلية والمطلوب تحديد الرؤية التي ترتكز عليها الوحدة حتى لا تنزلق الي آسن الوحدة الزائفة والظرف الحرج الدقيق من عمر الوطن الذي طال امد جراحه بسبب نهج الانقلابات العسكرية الذي مهد لحكم العسكر لأكثر من 50عاماً حسوماً، تخللته أسوأ حكم للسودان في فترة النظام الإسلاموي الإنقاذي الكيزاني الطغياني يتطلب الرؤي التفصيلية الواضحة غير الضبابية، لنستلهم الدروس والعبر من أخطاء الماضي الجسيمة والتجارب المريرة بحيث لا نُكررها مرة أخري ونستحيلها الي نقاط قوة حقيقية تخدم رؤية التغيير الجزري، ما يُميز هذا الفريق ليس له مطامع سياسية او مطامح للمشاركة في السلطة، وهم يمثلون عصب الوحدة الحقيقية، وحتى إن شارك بعض أعضاء لجان المقاومة بعد انتصار الثورة القادم لامحالة في التشريعي او التنفيذي بعد اخضاعهم للمعايير الموضوعية المطلوبة لذلك فإن المشاركين في التشريعي سيمارسون دورهم المنوط بهم، وفي التنفيذي سيلتزمون بالخطط النابعة من الميثاق الثوري المتفق عليه، وفي نفس الوقت ستظل لجان المقاومة كحركة ثورية سياسية مستقلة تُمارس واجبها المنوط بها في الضغط على الحكومة والرقابة على كافة السلطات، ومشاركة أعضائها  وزن المرحلة في السلطات لا يلغي واجبها ونهجها المقاوم الحيوي المؤثر.

– فريق مع وحدة قوى الثورة، ولكنه أسير الخطاب الإعلامي للوحدة الزائفة، لأنه يُردد دوماَ ضرورة وحدة قوى الثورة دون تفصيل، وحول اي رؤية ستستند هذه الوحدة؟ وهذا الفريق استطاع الخطاب الإعلامي الرائج حول وحدة قوى الثورة تضليله، وعمل على حجب أو تغبيش الرؤية عنده بصورة واضحة، فصارت رؤيته ضبابية للصراع السياسي المحتدم حول وحدة قوى الثورة، فالزخم الإعلامي للخطاب العاطفي حول وحدة قوى الثورة، وسيطرة #هاشتاق#وحدة قوى الثورة بلا مضامين ورؤية واضحة في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام وفي بيانات بعض لجان المقاومة بشكل خاص، ونتاج هذا التأثير الإعلامي دفع الي استخدام كل مقطع شعري او مقولة مأثورة ترمز للوحدة بصورة عامة، ونذكر على سبيل المثال تصدر احد البيانات المشتركة[x] ب(تأبى الرياح إذا اجتمعنا تكسرا.. الخ) على الرغم من أن هذا البيان بمثابة إعلان لجدول تصعيد ثوري وليس لمناقشة الرؤي حول الوحدة! بجانب تكرار ترديد بيت شعري من قصيدة للشاعر المبدع الثائر معد شيخون في معظم المنصات الجماهيرية الخطابية (تصدق هل كان يوم ح تسقط.. لو ما إتوحدنا وكنا كتار؟ وعبارة #نبقي حزمة كفانا المهازل اللافتة في بيانات (قحت) وفيديو للتجمع الاتحادي يدعو للوحدة بصورة عامة وبلا مضامين وغيرها، وليس هنالك خلاف مع مضامين هذه الأبيات والمأثورات الداعمة للوحدة، ولكن يأتي الرفض المشدد لها عندما يتم تمريرها ضد الخط الثوري الحقيقي بمكر وعدم حسن نية، وواجبنا كثوار الحزر الشديد وتمحيص كل ما يُنشر في الساحة الاعلامية ورفع حساسية اليقظة الثورية حتي لا نسهم بحسن نية مع المتربصين بالوحدة الحقيقية في تعميق تغبيش رؤية هذا الفريق بالنسبة لخطاب وحدة قوي الثورة، ولأن ثورة ديسمبر المجيدة المستمرة موسومة ب#ثورة وعي ستنفتح عضوية هذا الفريق على حقيقة صراع الرؤي الحقيقية والزائفة حول وحدة قوى الثورة، عندها ستزول غشاوة الرؤية لديهم، وسيشملهم الفرز الثوري لينحازوا الي الوحدة الحقيقية ولن يتبقى منهم إلا أصحاب المطامع الشخصية السلطوية منحازين الي الوحدة الزائفة، فهؤلاء تُحركهم المصالح لا المبادئ، وسيتكشف لنا ذلك في مقبل الايام.

 

– فريق الانقلابين المنتمين الي سلطة الطغمة الحاكمة الاستبدادية، وهو الذي فرض حكومة الأمر الواقع بسطوته العسكرية واستلائه علي السلطة عند تنفيذه للانقلاب المشئوم في صبيحة 25 أكتوبر 2021م، وهو يعتبر امتداد للنظام المدحور ولكنه يجتهد ليتخطى ورثة امتيازات النظام البائد الي توسيع دائرة المصالح والامتيازات له بصفة خاصة ولزبانيته بحكم السيطرة الكلية له على كافة موارد البلاد المتجددة وغير المتجددة، ولكن هذا الفريق هش البنية التكوينية ومصدر الهشاشة يعود إلى افتقاره للرؤية السياسية الواضحة لإدارة البلاد، فضلاً عن التناقضات البائنة في داخله من الناحية الكلية وداخل مكوناته من الناحية الجزئية، بجانب عدم امتلاكه لإرادته السياسية فهو محل تجاذب تقاطعات الإقليمي والدولي حول المصالح المتباينة لكل الأطراف المعنية، ومجمل ذلك محكوم بالرمال الجيوسياسية المتحركة بتسارع خاصة بعد الحرب الروسية – الأوكرانية وتبعاتها التي ستنسحب على الخارطة السياسية الدولية ككل.

هذا الفريق المستبد أشد عداوة للوحدة الثورية الحقيقية لان مربط الفرس في هذه الوحدة هو إبعاد العسكر من المعادلة السياسية نهائياً، وأقل عداوة للوحدة الثورية الزائفة لأنها قد تقبل بمشاركة العسكر في العملية السياسية، بنهاية المطاف سوي تم إبعاد جنرالات الدم او لم يتم إبعادهم وفق المقترحات المبذولة في وسائل التواصل الاجتماعي نذكر منها تحويلهم من السيادي الي مجلس الأمن والدفاع، بمعنى التأسيس لشراكة الدم بوضع جديد مضمونها لا فرق بين احمد وحاج احمد كما يقول مثلنا السوداني الشائع.

هذا الفريق خططه مكشوفة، وإن كانت له خطط غير مكشوفة فالواقع يفرض عليه بقوة كشفها، لأن صمود وتصاعد الحراك الثوري ضد الطغيان، يدفع المستبدين الي انتهاج المرونة السياسية تحت الضغط الجماهيري الهائل، والمرونة وفق أهدافهم تعني تبني المناورة والمراوغة عبر الطرح المستمر للمبادرات كلما يشتد الخناق عليهم يبحثون عن طوق نجاة، وهي عملية غير ناجعة لأنها تمنحهم بعض الوقت للبقاء في السلطة، ولكنها لا تستطيع اجتذاب القوى الفاعلة على الأرض في الحراك الثوري، لأن لاءتها الثلاث تفرض عدم الالتفات لكل ما يُطرح من مبادرات تُبقي على العسكر في السلطة ولا تستصحب القصاص العادل، فتكون خطتهم الأولي العمل بشتى السبل على إجهاض الرؤيتين لوحدة قوى الثورة وهما الوحدة الحقيقة والوحدة الزائفة، مستخدماً كامل ترسانته العسكرية وآلته القمعية واجهزته الأمنية والاستخباراتية لكبح جماح الحراك الثوري، وهذا مستحيل لان الحراك الثوري في تصاعد مستمر رغم حمامات الدم في العاصمة والمدن والقرى بالأقاليم  #المجد والخلود للشهداء الكرام، ورغم تزايد إعداد الجرحى والمصابين المستمر وبعض الإصابات بالغة الخطورة #عاجل الشفاء لهم، وقد يتأثر الحراك مداً وجزراً لحدما، أما مسألة وأد الحراك الثوري غير واردة لأن إرادة الشعوب عصية علي الانكسار.

وفي خطته الثانية سيواصل الخوض في سفك الدماء البريئة، وتكثيف خطابهم الإعلامي الدعائي التخويفي بإن الوطن على حافة الانهيار، وسيكون مصيره مصير الدول التي اوردتها الحروب والصراعات مورد الهلاك، والهدف من ذلك الخطاب تهميد الرأي الجمعي  لقبول العسكر كأمر واقع، بجانب جذب أصحاب المطامع السلطوية الي التسوية السياسية وقبول الشراكة الموسومة بشراكة الدم وإعادة تجريب المجرب، و بالطبع فإن فريق الوحدة الزائفة هو الأقرب الي هذه المقاربة التي تخدم خط التغيير الشكلي فقط وتعمل على المحافظة على المصالح والامتيازات بشكلها القديم والحديث والمختلف هو ربما يكون المنضمين الي تجربة التسوية الجديدة، وكالعادة سيسمح لهم العسكر بقص شريط تغليف كيكة السلطة فقط وسيُترك لهم الفتات لاحقاً.

ونخلص من ذلك أن انتصار العسكر والقوى المتحالفة معه والمتآمرة ضد الثورة انتصار زائف ومؤقت، ودلالة ذلك السمة العامة للأداء الانقلابي الفشل البائن على كافة الأصعدة، وإن المشاكل المستعصية تُحاصرهم من كافة الاتجاهات، أما بالنسبة للذين يستوعبون ذلك ولكنهم يستعجلون نتائج الحراك الثوري بالخلاص من الانقلاب، فكما هو معلوم ان الثورات تتفجر نتاج صراع اجتماعي حاد يتضمن السياسي، الاقتصادي، الثقافي والتاريخي، تتفاعل فيه كافة طبقات المجتمع وفق تباين مصالحها وتقاطعاتها، لذا فإن عملية التغيير أشد تعقيداً، ولا تحدث بضغطة زر ومسألة الزمن لا تنفصل عن ذلك، ولا يمكن تحديد متى سيسقط الانقلاب؟ ولكن بالطبع هنالك مؤشرات وإرهاصات للسقوط، ولكن لحظة السقوط الحاسمة هي أشبه بالموت لا يعرف متى أوان حدوثه؟ فمسالة زمن لحظة السقوط تعتمد على مراكمة الوعي وتصاعد مد الوعي الثوري السياسي، وتقصر المدة الزمنية او تطول اعتمادا على وصول الكتلة الفاعلة في التغيير لمرحلة النضوج الثوري وهي المرحلة التي تستطيع فيها إنجاز كافة المطلوبات والشروط الموضوعية اللازمة للوصول إلى هدفها المنشود، بجانب اكتمال التخطيط الاستراتيجي لما بعد السقوط لصون وحماية الثروة وتنزيل الأهداف لتصبح واقعاً ملموساً للشعب، وبإسقاط ذلك على الواقع نجد أن الصراع الاجتماعي الهادف للتغيير الجزري في اوج تفاعلاته ويتجلى ذلك من خلال عديد المواثيق السياسية المطروحة للنقاش، وهي تتضمن مسائل إجرائية وفنية معقدة للغاية، يُضاف الي ذلك أنه لأول مرة في تاريخ السودان يبدأ اعتماد المواثيق السياسية من القواعد بمعني من الأسفل الي الأعلى، وهذا محاط بتحديات مهولة وبالتالي لا يمكن اعتماد سياسة حرق المراحل والقفز على استحقاقات اي مرحلة بعجالة ((وكلفتة))، لأن عواقب ذلك وخيمة وستُفضي الي (تسوية، انقلاب، انتقال ديمقراطي مشوه وغير حقيقي، تغيير شكلي،… الخ) وفي نفس الوقت يتوجب عدم التعامل مع العامل الزمني بترف، ومجملها تقطع الطريق على التغيير الجزري وتفضي الي استمرارية عدم الاستقرار السياسي  في البلاد، وعدم الانعتاق من دائرة الحلقة الشريرة، ليكون نتاج ذلك وطن منتزع السيادة الوطنية ومواطن مغتصب الكرامة الإنسانية، ووطن دائر في حلقة مفرغة من الفشل و الصراعات، بمعنى وطن تُنهب موارده بمباركة حاكميه كما هو حادث حالياً، وهذا بخلاف تدخلات عاملي الإقليمي والدولي بأدواته الاستخباراتية والأمنية وتقاطعات المصالح والمطامع والمطامح وتضارب الجيوإستراتيجي، وهذا بدوره يلقى أعباء ثقيلة وواجبات مهولة وتحديات جسيمة على عملية التغيير الجزري.

نخلص بان الوحدة الحقيقية لقوي الثورة المرتكزة على رؤية اللاءآت الثلاثة هي صمام أمان عملية التغيير الجزري، ومجمل ذلك يحتم على كافة الكتل الثورية تحسس موطأ قدميها من عملية التغيير الجزري وتوضيح رؤيتها حول وحدة قوى الثورة، بمعنى هل هي مع الوحدة الحقيقية؟ أم مع الوحدة الزائفة؟ وبنهاية عملية الفرز الثوري فان الكتل الثورية الحقيقية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الجزري تعي أن واجبها المقدم باستمرارهو إعمال مزيد من التنظيم وإعمال التقييم والتقويم للحراك الثوري متضمناً الشق الميداني بكافة مفاصله والسياسي، وترسيخ ادبيات النقد الذاتي البناء الهادف الموضوعي، ومراجعة الأدوات والوسائل والابتكارجنباَ إلى جنب الاهتمام بالإعلامي فهو راس الرمح في عملية التغيير الجزري ليُفضي ذلك إلى وطن ديمقراطي حر ناهض ومتقدم، وحتماَ الطغيان الى مزبلة التاريخ.

 

التوقيع:

ديسمبري مؤمن بالتغيير الجزري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *