الأزمة السودانية والتطورات الإقليمية والعالمية (8)
بقلم: حسين سعد
نخصص في المحور السابع عشر من سلسلة حلقاتنا التي نحاول من خلالها متابعة الازمة السودانية والتطورات الاقليمية والعالمية والمحلية،نخصص هذه المقالة لمتابعة تفاعلات الجيوسياسى لأمن القرن الأفريقي الذي يعتبر موقعا إستراتيجيا مهما ،فدول القرن الافريقي تطل على المحيط الهندي ، وتتحکم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر؛ حيث مضيق باب المندب ،وكذلك تتحکم في طريق التجارة العالمي، خاصةً تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة، فضلا عن امتلاك دول القرن الأفريقي موارد غنية بالثروات الطبيعية والمعدنية، سواءً النفط أو الذهب أو اليورانيوم أو الغاز الطبيعي، وتمتلک المنطقة ثروة مائية هائلة تجعلها أحد أکبر مخازن المياه ،لذلك ظلت كل المتغييرات علي المستوي الماضي والحاضر والقادم تتجه نحو تغذية الصراعات بالمنقطة ،وأصبحت واحدة من موازين القوى الإقليمية والدولية، لاعتبارات جيوبولوتيکية واستراتيجية، بإعتبارها معبر وشريان رئيسي للتجارة الدولية، نتيجة امتداد معابرها المائية من باب المندب وصولاً للبحر الأحمر، کما تعتبر ممراً للتحرکات الأمنية لبعض القوى الکبرى المتجهة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، کما حظيت المنطقة باهتمام مجموعة من القوى الدولية کالولايات المتحدة وروسيا والصين لما تمثله من عمق استراتيجي ومنبع ثرواتى ضخم يجعلها أحد أبرز المناطق أهمية على مستوى العالم، وتقدرإحصائيات حجم التجارة العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر بـ 700 مليار دولار سنوياً، كما يُقدر عدد السفن العابرة سنوياً بأكثر من 20 ألف سفينة.
هنالك أكثر من 2 مليار برميل من النفط يُنقل سنوياً عبر هذا الممر البحري. حيث تنقل أوروبا حوالي 60% من احتياجاتها للطاقة عبر هذا الممر، كما تنقل الولايات المتحدة عبر البحر الأحمر حوالي 25% من احتياجاتها النفطية ،وفي فترة ااستعمار تأثر القرن الأفريقي (إريتريا وأثيوبيا وجيبوتى والصومال والسودان وجنوب السودان) بعدد کبير من الحروب الأهلية بين الدول، وفي مرحلة مابعد الحرب الباردة؛ حدثت تغيرات في ملامح القرن الأفريقي؛ أدت إلى إعادة تشکيل أثيوبيا والسودان وإنشاء دولتين جديدتين – إريتريا 24 مايو 1993م وجنوب السودان (9 يوليو 2011م) – الأمر الذي تشکل معه حاجة الدول غير الساحلية کأثيوبيا وجنوب السودان للنظر في طرق بحرية بديلة مما شکل منطقة مضطربة ومعرضة لتحديات الصراع. کما أدت التدخلات الخارجية وظهور ما يسمى بالقوى الصاعدة إلى تفاقم نمط القوة، والسياسة في المنطقة، والملاحظ في الصراعات الدائرة في القرن الأفريقي بجانب التدخلات الاستعمارية، وظهور فواعل جديدة بالمنطقة، فقد أدت التوترات الناجمة عن النزاعات الحدودية في المنطقة هي الأخرى إلى تأجيج الصراع في المنطقة،حيث أدت الطبيعة غير المحددة للحدود في القرن الأفريقي إلى حربين شديدين في المنطقة، وهما حرب (1977-1978) بين الصومال وأثيوبيا، ثم حرب (1998-2000) بين إريتريا وأثيوبيا، مما نتج عنهما نزوح کبير داخل البلدان وعبر الحدود ، في ذات الوقت ساعدت العوامل السياسية والاقتصادية والإقليمية والتاريخية والأيديولوجية والبيئية على إحداث التوترات بين دول المنطقة مما ولد نوع من العداء والتنافس وعدم الثقة المتبادل بين دول المنطقة،وقبل نحو عامان كتبت ورقة بعنوان (القرن الافريقي ..صراع الموانئ) أشرت فيها الي تحول القرن الافريقي الي ساحة تنافس محموم بين الفاعليين الرئيسيين علي المستوي الاقليمي والدولي حيث يسعي كل طرف لشد أحدي دول المنطقة الي دائرة حلفائه،وإنطلقت قراءتنا للمشهد من خلال التحركات السياسية لتلك الدول، وتدخلاتها الاقتصادية التي تهدف من خلالها (جني ثمار) ومكاسب سياسية،وتجارية واقتصادية،وللنظام المدحور شراكة إلى استراتيجية طويلة الأمد مع الصين،وتمتعه بدعم قوي من روسيا أحد داعميه الرئيسيين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية ، تابعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى (مشاركة تدريجية) مع النظام البائد في الخرطوم ،حيث تعاملت مع السودان كشريك في مكافحة الإرهاب والهجرة، والتجارة، وغيرها.
دبلوماسية الموانئ:
التنافس الخليجي- الخليجي، إنعكس علي دول القرن الافريقي حيث تمت إعادة اكتشاف الأهمية الجيوستراتيجية لهذه المنطقة،والتي عرفت مؤخرًا بـ(دبلوماسية الموانئ)، حيث أصبح هدف الحصول على إدارة الموانئ، وإنشاء القواعد العسكرية،واستئجار الموانئ من الدول الواقعة على ساحل الغربي للبحر الأحمر- من مظاهر الأزمة الخليجية، وفي هذا الإطار وقعت الإمارات العربية المتحدة عبرذراعها الاقتصادية شركة (موانئ دبي العالمية)، في ديسمبر2015م ، اتفاقًا مع جمهورية (أرض الصومال) لتطوير ميناء (بربرة)، غير أنها كشفت في مارس 2018عن اعتزامها إنشاء قاعدة عسكرية هناك بدون موافقة الحكومة الفيدرالية في مقديشو، وهو ما فجّر أزمة دبلوماسية مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو، وتم نقل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي والمنظمات الإقليمية،في وقت تسيطر فيه أبوظبي على موانئ مصوع وعصب الأريتيريين، إلى جانب السيطرة على ميناء عدن باليمن،وهناك الانخراط التركي تجاه القرن الإفريقي والبحر الأحمر على وجه الخصوص،والشاهد علي ذلك الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أروغان إلى السودان، والتي شملت أيضًا تشاد وتونس في ديسمبر 2017، حيث وقّع مع النظام البائداتفاقًا لإعادة ترميم جزيرة سواكن الواقعة على البحر الأحمر شرق السودان.
محفزات:
(1)الموقع الجغرافي المتمييز للمنطقة وقربها من مصادر النفط الخليجي حفز العديد من الدول الخليجية علي رأسها السعودية ،و الامارات للتوجه نحو المنطقة من أجل تأمين صادراتها النفطية عن طريق تكثيف علاقاتها، و تقويتها مع دول القرن الافريقي ،و محاولة تعزيز دعم استقرار المنطقة ،كذلك محاولة الاشراف علي عدة موانئ بحرية في المنطقة، و ذلك علي نحو قيام الامارات بتأجير و الاشراف علي ميناء عصب في اريتريا و ميناء بربرة في الصومال.
(2)تشكل إيران وتحركاتها في المنطقة خطرا كبيرا علي أمن كل من السعودية الامارات، حيث تحاول إيران الهيمنة اًعلى اكبر قدر من المنافذ البحرية بالبحر الأحمر، وذلك لتأمين صادراتها من السلاح و النفط و محاولة الاستحواذ علي أكبر قدر من المواد الخام المتوافرة بشدة في المنطقة خاصة اليورانيوم ، كذلك محاولة تقويض النفوذ الخليجي و خاصة السعودي، مما دفع بكل من السعودية و الامارات باتباع سياسات أكثر فاعلية من أجل مواجهة التمدد الايراني عن طريق زيادة و تكثيف التعاون مع دول المنطقة، وتوقيع اتفاقيات ثنائية، و مذكرات تفاهم مشتركة مع دول المنطقة. كما بذلت كل من السعودية و الامارات جهود من أجل تحجيم الأذرع الإيرانية الساعية إلى السيطرة على مضيق باب المندب.
(3) وبناء علي المتغيرات السياسية، والدولية اتخذت المملكة العربية السعودية ،و الامارات في الفترة الأخيرة خطوات مهمة صوب القارة الافريقية ،و نشطت لوأد النفوذ الإيراني في القارة، وتنويع خارطة تحالفاتها الإقليمية، وذلك من خلال اتباع استراتيجية بعيدة المدى لبناء علاقات ثقة متينة مع الدول الإفريقية، و دعم و تعزيز استقرار منطقة القرن الافريقي.
(4) تعاني منطقة القرن الافريقي بشدة من الارهاب مثل حركة شباب المجاهدين في الصومال، ففي ديسمبر 2015 تم الإعلان عن تشكيل التحالف الاسلامي العسكري لمكافحة الارهاب بقيادة السعودية و مشاركة الامارات،وسارعت عدة دول أفريقية لتأييد هذا التحالف والانضمام له لمحاربة الارهاب بكافة اشكاله و جماعاته، وقد انضمت دول من القرن الافريقي. (يتبع)