الأزمة السودانية والقرن الإفريقي (9)
بقلم: حسين سعد
لاهمية القرن الافريقي بالنسبة للعالم؛ نواصل في المحور الثامن عشر من سلسلة حلقاتنا التي نحاول من خلالها التعرف على الأهمية السياسية والعسكرية والاقتصادية والجيوبولتيكية بالقارة السمراء، التي تعتبر من أضعف القارات بالعالم الأمر الذي جعلها ملعب لتسابق القوي الكبرى، وذلك لوقوعها بالقرب من البحر الأحمر، الممر المائي المهم، وبالقرب من مناطق النفط بالجزيرة العربية والخليج العربي الذي يتدفق نفطه نحو أوروبا وأمريكا ،وكانت المنطقة كذلك مهمة في مرحلة الحرب الباردة، حيث اشتد فيها الصراع بين الدولتين العظميين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية،عقب اكتشاف النفط والغاز في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج، أصبحت هذه الأخيرة منطقة مصالح حيوية بالنسبة للدول الصناعية وبالتالي ازدادت قيمة الممرات المائية سالفة الذكر حيث إن منطقة منابع النفط لا تقل أهمية عن ممرات نقله، وبالتالي ازدادت قيمة القرن الإفريقي كمنطقة تطل وتتحكم بهذه الممرات ومقابلة لمنطقة مصالح حيوية عالمي.
موارد زراعية وغابية..
يزخر القرن الإفريقي بإمكانيات زراعية هائلة ومهملة إذ إن 44% من مساحته الزراعية غير المستغلة بالشكل الكافي، كما تغطى الغابات حوالى 27% من جملة مساحته وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للرعي فيه 25% أما الأراضي التي لا تصلح للزراعة فتبلغ 4% فقط. إلى جانب ذلك يحتوى على أكبر ثروة حيوانية في أفريقيا، ويعد من أهم مناطق السوق الحر وتصريف المنتجات الأمريكية والأوروبية والإنتاج المحلى وبذلك لا يمكن نسيان العائدات المالية الضخمة التي تعود على دول المنطقة من مرور السفن التجارية ورسوم الملاح، وبحسب الحسين الشيخ العلوي في مقل له بعنوان (سياسات الطاقة في إفريقيا على ضوء التغيرات المتلاحقة) نشرها مركز الجزيرة للدراسات يوجد في إفريقيا أكبر عدد من الدول المنتجة للنفط، بواقع 21 دولة مقابل 19 في آسيا، و19 في أوروبا، و10 في شمال أميركا. ويبلغ احتياطي إفريقيا من النفط نحو 125 مليار برميل، وهو تقريبًا نصف ما تمتلكه المملكة العربية السعودية (260 مليار برميل). وتتركز الاحتياطيات الكبرى في البلدان التالية: ليبيا ونيجيريا والجزائر وأنجولا والسودان ومصر والكونغو برازفيل وأوغندا والجابون وتشاد، وفي السنوات الثلاث الأخيرة، بلغ متوسط إجمالي الإنتاج السنوي في إفريقيا حوالي 372 مليون طن من النفط، وأكثر من نصف هذا الإنتاج جاء من ثلاث دول، هي: نيجيريا وليبيا والجزائر.
في العام 2021، كانت قائمة إنتاج النفط في أهم 10 دول إفريقية على النحو التالي
نيجيريا: كانت أكبر منتج للنفط الخام في عام 2021، وبلغ متوسط إنتاج نيجيريا من الخام يوميًّا 1.27 مليون برميل.
ليبيا: أنتجت ما معدله 1.21 مليون برميل من النفط الخام يوميًّا.
أنغولا: أنتجت 1.11 مليون برميل من النفط الخام يوميًّا.
الجزائر: أنتجت ما معدله 959 ألف برميل من النفط الخام يوميًّا.
مصر: أنتجت 559 ألف برميل يوميًّا.
جمهورية الكونغو: بلغ إنتاج هذا البلد متوسطًا يوميًّا قدره 253 ألف برميل.
الغابون: بلغ إنتاج الجابون متوسط 188 ألفًا في اليوم.
غانا: بلغ الإنتاج 176 ألف برميل يوميًّا.
غينيا: بلغ متوسط الإنتاج اليومي لهذا البلد 71 ألف برميل.
تشاد: بلغ إنتاجها 70 ألف برميل يوميًّا.
أدَّت عمليات الإغلاق المتعلقة بفيروس كورونا إلى فائض في المعروض من الغاز وأسعار منخفضة للغاية وتحديدًا في النصف الأول من 2020، قبل أن ينقلب الوضع رأسًا على عقب، وتشهد سوق الغاز العالمية ارتفاعًا حادًّا في الأسعار ونقصًا بالإمدادات أواخر 2021، واستمر الوضع -بل ازداد سوءًا- في 2022؛ بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وبحسب تقرير سوق الغاز العالمية الصادر حديثًا عن الاتحاد الدولي للغاز، ارتفع إنتاج العالم من الغاز الطبيعي ليصل إلى 4.028 تريليونات متر مكعب عام 2021، مقارنة بـ3.865 تريليونات متر مكعب في العام 2020،وتعتبر الجزائر أكبر مصدِّر للغاز في القارة الإفريقية، وسابع أكبر مصدِّر على مستوى العالم بحصة سنوية بلغت 41.1 مليار متر مكعب (26.1 مليارًا عبر الأنابيب، 15 مليارًا سائلًا)، وتليها نيجيريا الثامنة عالميًّا، بحصة تُقدَّر بـ28.4 مليار متر مكعب كلها سائلة.
الطاقة في إفريقيا..
ويقول الحسين الشيخ العلوي في مقل له بعنوان (سياسات الطاقة في إفريقيا على ضوء التغيرات المتلاحقة)جاء الاهتمام بالطاقة في إفريقيا في سانحتين تاريخيتين، الأولى: بُعَيْد حرب رمضان في أكتوبر 1973 بين الدول العربية وإسرائيل، عندما أعلنت ست دول عربية أعضاء في منظمة أوبك عن حظر الصادرات إلى الدول الداعمة لإسرائيل، ولاسيما الولايات المتحدة. وقتها تضاعف سعر النفط أربع مرات إلى 11.65 دولارًا للبرميل؛ مما سبَّب ركودًا في الدول الغربية وتضخمًا حادًّا، وشكَّل صدمة عنيفة للاقتصاد العالمي ظلت تداعياتها لما يزيد على العقد، والثانية في مارس/آذار 2014 بعيد ضم روسيا الاتحادية لشبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها. في الحالة الأولى، أدركت الدول الغربية ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية خطورة الاعتماد على مصدر وحيد للطاقة، وضرورة تنويع وتعدد مصادر الطاقة، فضلًا عن ضرورة إيجاد مخزون إستراتيجي جاهز على الدوام لاستخدامه في حالات الطوارئ أو القوة القاهرة. أما في الحالة الثانية، فقد أدركت الدول الغربية مدى خطورة اعتماد القارة الأوروبية على الغاز الروسي، وشرعوا منذ ثماني سنوات في البحث عن بدائل، سرَّعت من وتيرتها الحرب الروسية مؤخرًا على أوكرانيا،وفي الحالتين، كانت إفريقيا الأقرب؛ الأمر الذي جعل كبريات شركات النفط في العالم تنفق 80% من ميزانيات التنقيب لديها في إفريقيا جنوب الصحراء. وحاليًّا، تعتبر منطقة خليج غينيا من أهم مناطق إنتاج النفط في إفريقيا، فضلًا عن الاحتياطي الضخم الذي تحويه (60 مليار برميل) والمخزون الضخم من الغاز الطبيعي (كما يعوم الشمال الإفريقي -وفي القلب منه ليبيا- على مخزون نفطي وغازي ضخم، وأخيرًا تحدَّثت (كوسموس) و(شيفرون) عن اكتشافات مهمة على السواحل الأطلسية للسنغال وموريتانيا، وهو ما يجعل إمدادات النفط الحالية في خليج غينيا والمستقبلية في السنغال وموريتانيا “في موقع مناسب يُؤَهِّلها للتصدير نحو القارة الأميركية الشمالية، وأيضًا نحو أوروبا؛ التي تُعَدُّ -أيضًا- مستهلِكًا كبيرًا للنفط، مع ضمان توفير تكاليف النقل، وهذا بحدِّ ذاته عامل مهمٌّ، إذا ما علمنا أن 40% من نفقات الشحن العالمية يمتصها الناتج النفطي كما أن مناطق الإنتاج بعيدة عن المناطق السكنية. (يتبع)