الجمعة, نوفمبر 22, 2024
أخباراقتصاد

القمح.. تحديات الحصاد والآمال المعلقة على الحكومة

تقرير: حسين سعد

يواجه حصاد محصول القمح لهذا العام بمشروع الجزيرة والمناقل صعوبات عديدة في ظل إنتاجية عالية للمحصول، وتتمثل تلك المشاكل في شح الجازولين لعمليات الحصاد حيث تجاوز جالون الجازولين مبلغ (240) جنيهاً، بجانب عدم توفر جوالات الخيش الفارغة لتعبئة المحصول، وقال مزارعون إن سعر جوال الخيش الفارغ ارتفع إلى مبلغ (350) جنيهاً، مع ارتفاع تكلفة ترحيل القمح التي تراوحت ما بين (150 – 200) جنيه.

انتاجية عالية

وينتظر أن يحقق المزارعون في عمليات حصاد القمح في الموسم الشتوي الحالي إنتاجية عالية من المحصول الرئيسي بعد سنوات عجاف، ويتخوف المزارعون من الرياح والعواصف والنيران التي التهمت ألسنتها عدداً من الأفدنة مؤخراً، الآمال والتوقعات بتحقيق إنتاجية عالية من القمح جاءت مطابقة للواقع لكن القصور الحكومي الخاص بتوفير الخيش والجازولين ربما يساهم في تلف المحصول الذي له مواقيت محددة لحصاد سنابله.

الرياح

تحذيرات عديدة أطلقها مزارعون خوفاً من تلف القمح بسبب الرياح والعواصف، وأبدى المزارع بترعتي الخلفي والمحريبا بمكتب المعيلق بالقسم الشمالي بمشروع الجزيرة سيف بشير، تخوفه من أن تؤدي الرياح والعواصف إلى تلف محصول القمح.

وقال سيف لـ(مدنية نيوز) إن جالون الجازولين بلغ (٢٥٠) جنيهاً بدلاً عن (٢٤) جنيهاً، وإن الحاصدة تكلف مبلغ (٦) آلاف جنيه لحصاد مساحة (4) أفدنة بمايعادل (١٥٠٠) جنيه لكل فدان.

وأضاف أن الجوال الفارغ المصنوع من الخيش ارتفعت قيمته إلى (٣٥٠) جنيهاً، وأن عمليات تحضير الأرض وتسطيحها تكلف (١٠) آلاف جنيه، بجانب الحاجة لمبلغ (٥) آلاف جنيه لشراء مبيد نباتي، وتابع أن مساحة (4) أفدنة تحتاج (٨) جوالات سماد ماركة يوريا، قيمة الجوال الواحد (١٧٥٠) جنيهاً، بالإضافة إلى (٤) جوالات سماد ماركة داب قيمة الجوال الواحد (١٨٥٠) جنيهاً، بجانب مبلغ (١٨٠) جنيهاً لترحيل جوال القمح من الحواشة إلى الكاملين.

وذكر سيف، أن تكلفة ضريبة المياه للفدان بلغت (٣٦٥) جنيهاً وجوال التقاوى زنة (٥٠) كيلو جراماً بمبلغ (٣) آلاف جنيه.

ومن جانبه اتفق المزارع بترعة المحريبا أحمد بلال، مع ما ذكره سيف بشير، وقال بلال إنه زرع حوالي (40) فدان قمح كان من المنتظر أن تتم عمليات حصادها قبل أسبوع، لكن بسبب غياب جوالات الخيش والجازولين تم تأجيل عمليات الحصاد، وتخوف من تلف القمح بسبب الرياح.

وفي المناقل أكد المزارع سلمان عبد الهادي غياب جوالات الخيش الفارغة، وتوقع تحقيق إنتاجية عالية للقمح، لكنه قال إن عدم اهتمام الدولة يتسبب في خسارة لمحصول استراتيجي ونقدي.

جوالات البلاستيك

وفي مكتب المعيلق قال أحمد إبراهيم الشهير بأحمد بلبوط المزارع بترعة الحاج عيسى، إن الإنتاجية لهذا الموسم عالية جداً، وأشار إلى أن إنتاجية الفدان تراوحت مابين (١٥) إلى (٢٠) جوالاً. وذكر أحمد لـ (مدنية نيوز) أن السلطات وفرت جوالات بلاستيك بدلاً عن الخيش، لكن هناك شكاوى من المزارعين بأن الفرق في بين عبوة جوال الخيش وعبوة البلاستيك تبلغ حوالي (كيلة ونصف الكيلة) من القمح، وناشد بلبوط، الحكومة بالتدخل العاجل لحل أزمة الخيش.

ومن جهته أوضح المزارع بترعة الخلفي بمكتب المعيلق محمد حسن عثمان قشيري، أن سعر جوال الخيش الفارغ ارتفع إلى (٣٠٠) جنيه، ولفت في الوقت ذاته إلى وجود شح كبير في الجوالات، بالتزامن مع عمليات حصاد القمح.

ومن ناحيته أمن المزارع بترعة المحريبا محمد أحمد حبيب، على ارتفاع سعر الجوال الفارغ المصنوع من الخيش، مع عدم توفره، ونوه إلى أن قيمة ترحيل جوال القمح من الحواشه إلى المنزل تبلغ حوالي (100) جنيه.

الجاز والخيش

وفي السياق أكد عضو لجنة الطوارئ لإنقاذ الموسم الشتوي بمشروع الجزيرة والمناقل فاروق البدوي، وجود مشاكل تواجه عمليات حصاد القمح بالجزيرة، مثل لها بنقص الجازولين والخيش وضعف التأمين.

مشاكل التأمين

وقال البدوي، لـ (مدنية نيوز) إن المزارعين يواجهون مشاكل لا حصر لها تتمثل في ارتفاع أسعار الجوالات الفارغة وندرتها بالسوق، وأضاف أن المشكلة لا تقف عند حد ارتفاع أسعار جوالات الخيش والجاز، بل امتدت لتشمل ضعف التأمين وتابع: (هناك حرائق في مساحات صغيرة إلتهمتها النيران في بعض الأقسام)، وشدد على أن عمليات الحصاد تحتاج إلى تأمين، وأردف: (هناك مخاطر لابد من تداركها)، وتمسك بأهمية تدخل السلطات لاستكمال عمليات الحصاد بشكل جيد، واعتبر الانتاجية العالية للقمح رداً عملياً لوصف الزراعة بأنها تمثل العمود الفقري وحجر الزاوية للاقتصاد السوداني.

ومن المتوقع أن يحقق القمح إنتاجية هذا الموسم تبلغ حوالي (5) ملايين جوال.

محصول استراتيجي

ويعتبر القمح محصول استراتيجي يستخدم كورقة ضغط للتأثير على القرار السياسي وتهديد الأمن الغذائي القومي، وتراجعت السياسات الزراعية المحفزة للمزارعين، وكانت آخر معركة خاضها المزارعون هي قضية سعر التركيز الذي تم رفعه إلى مبلغ (3500) جنيه، بدلاً عن (3) آلاف جنيه.

ويبلغ عدد المطاحن بالخرطوم (42) مطحناً لتوفير احتياجاتها من الدقيق التي تقدر بنحو (47) ألف جوال يومياً، ويتجاوز استهلاك السودان من القمح مليوني طن سنوياً، في حين تنتج البلاد ما لا يتجاوز (12 إلى 17%) من الاستهلاك السنوي.

وفي العام 2018م كشف معهد دراسات روسي أن السودان تحول إلى سابع مستورد للقمح الروسي عالمياً، باستيراده (821) ألف طن من القمح الروسي في الفترة من يوليو وحتى ديسمبر 2017م.

الحكومة وإصلاح الاقتصاد

وعقب تشكيل حكومة الفترة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، قبل نصف عام كشفت عن خطط وبرامج لها لإصلاح الاقتصاد السوداني المأزوم.

وكان د. آدم حريكة، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء قد قال إن الحكومة ورثت تركة اقتصادية مثقلة بالخراب، وفي مارس الماضي قال وزير المالية د. إبراهيم البدوي، إن السودان بحاجة إلى العملة الصعبة من أجل مشتريات إضافية من سلع استراتيجية مثل المنتجات البترولية والقمح، وفي فبراير الماضي شدد عضو المجلس السيادي د. صديق تاور، على اهتمام الدولة بالقطاع الزراعي ونهضة مشروع الجزيرة، ومتابعة المجلس مع الجهات المختصة لتوفير متطلبات موسم حصاد محصولات العروة الشتوية خاصة القمح، وقال تاور خلال زيارته لولاية الجزيرة إن القطاع الزراعي يمثل أهمية كبيرة للدولة لتجاوز التحديات الاقتصادية بالبلاد، وإن الدولة تعول كثيراً على مشروع الجزيرة في هذا الجانب.

وبدوره أبان مدير جامعة الجزيرة بروفيسور محمد طه يوسف، أن موسم حصاد محصولات العروة الشتوية ومتبقي محصولات العروة الصيفية يواجه العديد من التحديات خاصة محصول القمح، أبرزها ازمة الخيش والوقود والحاصدات والسيولة، وأكد ضرورة توفير جميع مطلوبات حصاد المحصول لتقليل فاقد الحصاد، ونوه إلى أن محصول القمح يبشر بإنتاجية كبيرة متوقعة بنحو (٥) ملايين جوال، مايعادل نحو (٤٠٠) ألف طن تكفي حاجة البلاد لأكثر من (3) أشهر، والاتجاه نحو تمزيق فاتورة استيراد القمح التي وصفها بالمرهقة لموازنة الدولة.

إطفاء الحرائق

وفي الشهر الماضي اقترح الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي د. عطا البطحاني، (3) مراحل لإصلاح وتعافي الاقتصاد في السودان فيما بعد ثورة ديسمبر 2018م، وطرح (3) بدائل تمثلت في مرحلة (قصيرة المدى) والتي أطلق عليها (إطفاء الحرائق) ومرحلة وسيطة المدى ومرحلة بعيدة المدى، لكنه طرح سؤالاً مفاده (كيف ومن يدفع تكلفة الإصلاح؟) ولخّص البطحاني، الخطة بعيدة المدى في إعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية (غير الريعية) كهدف إستراتيجي، والإصلاح المؤسسي والحوكمة الرشيدة المحاسبية لمتحذي القرار وتوظيف الموارد الريعية في القطاعات الإنتاجية، وشدد على ضرورة بناء بيئة جيده للأعمال ومراجعة سياسات سعر الصرف.

الخاتمة

الأزمات التي تواجه حصاد القمح بالجزيرة هي نموذج مصغر لما يمكن أن يواجه إصلاح الأوضاع الاقتصادية المأزومة بالبلاد، ويبدو أن الحكومة بقيادة حمدوك، في حالة ارتباك وتخبّط بسبب عدم قدرتها على وضع خطة اقتصادية متكاملة لوقف انزلاق السودان في اتجاه مزيد من التدهور، ويظهر ذلك من إصرارها على حلول ترقيعية غير شاملة، في وقت صار المواطنون في حاجة كبيرة لتوفير احتياجتهم من خدمات (الصحة، التعليم، المياه النظفية، وتوفير السلع الأساسية مع وقف الزيادات المستمرة في أسعارها والتي أثقلت كاهلهم).

فهل تستطيع الحكومة التي تسلمت مقاليد الأمور على أمواج الثورة، أن تمسك بمقاليد الأوضاع وتتمكن من تجاوز الصعاب سواء كانت موضوعية أو مصنوعة من عناصر النظام المخلوع، أم يكون للشعب كلمته؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *