الإثنين, أبريل 29, 2024
تحقيقاتمجتمع

ارتفاع نسبة الفقر المرتبط بالدورة الشهرية خلال الحرب في السودان

تقرير: ملاذ عصام

“أقطع الملابس القديمة والأقمشة لنستخدمها أنا وابنتي التي تبلغ من العمر ١٤ عاما وتعاني من إعاقة حركية”، هذا ما لجأت إليه ندى لتلبية احتياجات الحيض منذ اندلاع الحرب في السودان، عند النزوح من الخرطوم إلى ولاية مجاورة لم تتمكن الأسرة من أخذ ما يكفي من الاحتياجات غير الأوراق الرسمية وما توفر من الأدوية الضرورية وبعض من الملابس، ومع فقدان مصدر الدخل وارتفاع الأسعار أصبح من الصعب الحصول على فوط.

ولجأت سارة الى ذات الطريقة وهي في الطريق من السودان الى مصر عبر البر، وحدثتنا قائلة: “كان الطريق صعبا وطويلا ومرهقا، واستغرق وقتا أكثر من الوقت الذي توقعناه، ولم يكن معي كمية كافية من الفوط في ظل استمرار الحيض لوقت أطول من المعتاد مع عدم وجود دورات مياه”.

مشاكل صحية ونفسية

وقد ارتفع معدل الفقر المرتبط بالدورة الشهرية بشكل واضح في السودان بعد الحرب، وبحسب وحدة مكافحة العنف ضد المرأة هناك 3 آلاف امرأة مهددة بمشكلات صحية ونفسية بسبب عدم توفر الفوط الصحية.

واستحال وصول كثير من النساء والبنات منذ بداية الحرب للفوط وغيرها من منتجات الحيض وكل احتياجاتهن خلال الحيض، إما بسبب عدم توفرها أو ارتفاع الأسعار مع تدهور الأوضاع الإقتصادية والأمنية.

ألم وانزعاج

وحدثتنا (سعاد) التي ما زالت موجودة بمدينة أمدرمان بأنها هي وأخواتها تركن شراء الفوط لعدم توفرها في بعض الأوقات، وارتفاع سعرها عندما تتوفر، وتصبح الأوضاع الأمنية أهدأ، وأضافت: “لم أحصل على مُسكن الألم الذي اعتدت على استخدامه خلال الحيض -نسبة لأني أعاني من آلام خلال تلك الأيام- منذ بداية الحرب غير مرة واحدة رغم تضاعف ألمي ومعاناتي منذ بداية الحرب”.

نزوح

وبحسب منظمة يونسيف تلجأ النساء والفتيات في مخيمات النازحين/ات لاستخدام بدائل غير صحية مثل أوراق النباتات المجففة والملابس القديمة لتحل محل الفوط الصحية، مما يسبب الإزعاج الذي يمكن أن يزيد بدوره من خطر الإصابة بعدوى الجهاز التناسلي.

وارتبطت الحروب بالفقر والنزوح واللجوء، وفي ظل الفقر والحرب يتم تجاهل احتياجات النساء المرتبطة بالحيض كما يتم تجاهلها خلال كل الأوقات، حيث يتم التعامل مع احتياجات النساء على أنها شيء ثانوي لا يجب التوقف عنده، وتتضاعف المشكلة خلال الأزمات والحروب لأن احتياجات وأعباء النساء تتضاعف، فالحرب تأتي بأعباء ومخاطر جديدة تقع على الجميع (نساء ورجال( ويقع العبء الأكبر على النساء.. هذا ما ذكرته ناشطات نسويات تحدثنا إليهن.

انعدام وندرة

٩٦% من النساء والبنات يستخدمن الفوط أحادية الاستخدام بحسب استبيان استهدفنا به نساء متواجدات في الخرطوم، دارفور، مدني والمناطق المتأثرة بالحرب حولها، أماكن أخرى في السودان منها معسكرات نزوح ومعسكرات لجوء في دول مجاورة، واشتكت أكثر من 50% منهن من انعدام أو شبه انعدام الفوط أو صعوبة الحصول عليها، أو عدم توفرها بشكل ملائم أو الحصول على أنواع أقل جودة أو بكمية غير كافية أو بسعر مرتفع.

عجز

وواجهت أكثر من ٩٠% من العينة من المتواجدات في الخرطوم ودارفور ومدني والمناطق المتأثرة بالحرب حولها صعوبات في الحصول على الفوط الصحية، تمثلت في إرتفاع الأسعار وإغلاق متاجر الحي ومعظم الصيدليات ونهبها، وصعوبة الوصول للأسواق التي ما زالت تعمل في ظل الأوضاع الأمنية الحالية، وأيضاً إغلاق كل الصيدليات والأسواق تقريباً في عدد من المناطق، إضافة للصعوبات الإقتصادية.

وأثرت الحرب على مصادر دخل ٩٦.٣% منهن، و٨٢.٨% منهن واجهن إضطرابات في دوراتهن خلال الحرب، ومرت 41.4% بوقت عجزن فيه تماماً عن توفير الفوط الصحية، فلجأن لاستخدام قطع من الأقمشة والملابس القديمة.

إحصائيات أثناء الحرب

وأشارت الطبيبة مروة تاج الدين من حملة (مليون فوطة مستدامة) ومؤسسة مجموعة (Let’s talk period) وهي مجموعة مهتمة بالتثقيف الصحي حول الصحة الإنجابية والدورة الشهرية- لوجود إحصائيات قليلة متعلقة بالحوجة لمنتجات الحيض بعد قيام الحرب لكنها ليست بشكل مباشر عن منتجات الحيض أو الحوجة لمنتجات الحيض، هي جزء من البيانات التي جُمعت من دور الإيواء ومعسكرات النزوح حول الأسر، عددها وعدد الفتيات في عمر الإنجاب، ووفقاً لهذه الإحصائيات فإن ٧٥% أو أكثر ليس لديهن وصول لمنتجات الحيض، وهذا باعتبار أن النساء والبنات خارج معسكرات الإيواء ليس لديهن حوجة لمنتجات الحيض، وفي الغالب أيضاً لديهن حوجة.

إرتفاع الأسعار

وبحسب الاستبيان فإن أسعار الفوط أحادية الإستخدام قبل الحرب كانت تتراوح ما بين ٥٠٠ الى ألف جنيه سوداني للصندق الصغير، ويحتوي على ما بين ٧ الى ١٠ فوط، وبعدها وصل إلى ما بين ١٢٠٠ الى ٢٥٠٠ جنيه إذا وجدت، واشتكت المتواجدات خارج السودان أيضاً من ارتفاع في السعر ملحوظ قبل وبعد الحرب زاد من تأثيره فرق سعر الصرف.

خدمات

كما تواجه النساء والبنات بمعسكرات اللجوء والنزوح والمناطق التي تفتقر لعدد من الخدمات الأساسية مشاكل متعلقة بالمياه والحمامات، حيث اشتكت كثيرات منهن من عدم وجود حمامات ومن صعوبة الحصول على المياه أو إنقطاعها المتكرر الذي وصل لشهور في بعض القرى والمدن، أو صفوف انتظار للحمامات المتسخة مع قلة أو ندرة المياه.

معسكرات لجوء

وبحسب إفادات نساء وبنات موجودات بمعسكر “كرياندونقو” بغرب يوغندا وبه حوالي ٤٠٠ امرأة وبنت تقريباً، تم توزيع فوط مرة واحدة وجودتها أقل من التي اعتدن على استخدامها، وتحتاج النساء للمزيد وتضطر لاستخدام قطع القماش، في ظل معاناتهن من مشاكل متعلقة بالمياه وعدم وجود حمامات للاستحمام، غير حمام واحد يستخدمه كل المتواجدات/ين.

وذكرت “عفاف” من معسكر نيومانزي بشمال يوغندا بالقرب من الحدود مع دولة جنوب السودان، والذي توجد به ٧٠٠ امرأة وبنت تقريبا، أنه تم توزيع الفوط مرة واحدة خلال شهر بمعدل صندق واحد صغير لكل امرأة، واذا لم يتم التوزيع مرة أخرى ستكون هناك حوجة كبيرة، وأضافت “لم يتم سؤال النساء عن احتياجاتهن عند انعقاد اجتماع خلال الفترة الفائتة بالمعسكر”.

ولم نتمكن من الوصول عبر الاستبيان إلا لعدد قليل من المتواجدات داخل مناطق الحرب بدارفور والخرطوم والجزيرة، بسبب سوء وانقطاع شبكات الإتصال والأوضاع الأمنية، وأيضاً لعدد قليل فقط من النساء المتواجدات بمعسكرات اللجوء.

وبحسب الاستبيان فقد حصلت ١٢.٢% فقط من العينة على دعم بهذا الشأن.

الوصول للحمامات

ورغم وجود حوالي ٨٠٠ مليون حول العالم تتراوح أعمارهن بين ١٥ و٤٩ سنة تُحضن إلا ان هناك ٥٠٠ ألف منهن يعانين من الفقر المرتبط بالدورة الشهرية بحسب البنك الدولي.

خلال الحرب

وفي السياق أكدت “مروة” أن نسبة الفقر المرتبط بالدورة الشهرية في السودان ومعظم الدول الافريقية وحتى العربية عالية، وفي السودان أصبح الوضع أسوأ وأصعب بعد الحرب، نسبة لعدة أسباب منها النزوح، فقد خرج معظم الناس من بيوتهم بملابسها فقط، وعدد من النساء ليس لديهن امكانية لتوفير فوط صحية أو حتى نقود لشراء منتجات الحيض، وعدد منهن يعشن في دور إيواء وأي مال تتحصل عليه الأسرة يذهب في الطعام والشراب، لأن كثير من الأسر تعتبر الحيض رفاهية -وذلك يحدث حتى في أوقات السلم- في حين أن الحيض موضوع كبير ومهم للسيدات اللائي يحضن، وحتى عندما تتوفر منتجات الحيض تكون غالية الثمن وقد تكون أيضاً ذات جودة ردئية، أما بالنسبة للسيدات الموجودات في دور إيواء أو معسكرات نزوح إضافة لكل ذلك يمكن ان يواجهن مشاكل في الحصول على الماء مما يمنعهن من استخدام الماء بأريحية خلال فترة الحيض أو مشاكل في الحمامات نسبة لقلة عددها مقارنة بالأشخاص الموجودين/ات في المعسكر أو الدار.

تعليم والتهابات

وأضافت قائلة: “في السودان لا يوجد  تعليم حول الدورة الشهرية والحيض ومنتجاته بصورة كافية ودقيقة في المدارس، ومع عدم وجود حمامات جيدة يصبح التأثير مضاعف أضعاف كثيرة.

وأوضحت ان الأثر الصحي لاستخدام الأقمشة يعتمد على نوع القماش وطريقة الاستخدام، وتكمن المشكلة في استخدام أي بدائل من الأقمشة مثلاً ملاءة قديمة، ثوب، إسفنج مراتب وغيرها، أو أن لا يكون نظيفا فهذا يُسبب مشاكل صحية لأن المنطقة الحساسة حساسة جداً، وقد يؤدي ذلك لنمو البكتريا وحدوث التهابات، وفي هذه الأوضاع أيضاً تضطر النساء والبنات لاستخدام الفوط لساعات أطول مما يزيد أيضاً من فرص الإلتهابات.

عجز عن تغطية الاحتياجات

وتوقعت مروة ان يصبح الوضع كارثيا خلال الفترة القادمة، وذكرت انه في الوقت الحالي من خلال جمع البيانات في حملة (مليون فوطة مُستدامة) وجدن/وا مجموعات تعمل في هذا الشأن، لكن لا تستطيع  تغطية كل الحوجات، حيث توجد معسكرت نزوح ودُور كثيرة لا يستطيعون الوصول إليها وهم في حاجة لتوزيع هذه المنتجات بصورة متكررة.

منتجات مستدامة

وبحسب مروة فإن الحلول تتمثل في منتجات الحيض المُستدامة بمختلف أنواعها، مؤكدة ضرورة الانتباه لوجود سيدات لا يفضلن استخدام منتجات الحيض المُستدامة، لذلك يجب ان يتم التثقيف الصحي والتوعية بها أولاً، ثم “نخبرهن عن محاسنها وأنهن سيصبحن مرتاحات من التفكير في الدورة كل شهر ومن ثم نترك للنساء الخيار ونوفر هذه المنتجات للراغبات بها، ومن أنواع المنتجات المستدامة: الفوط القماشية، ومنها فوط محلية الصنع يصنعها مصنع السلام في السودان، وهذه هي التي بدأنا توزيعها خلال حملتنا (حملة مليون فوطة مُستدامة)، وهي تستخدم لمدة سنة، ومن المنتجات المستدامة أيضاً: كأس الحيض وميزته أنه لا يحتاج ماء كثير وحتى صندوق الأمم المتحدة للسكان يُوزعه في بعض الدول، فقط تكمن المشكلة لدينا في عدم وجود تقبل ثقافي كبير له”.

تصنيع محلي

وأضافت، “هناك حل أكثر استدامة تم تجربته في دول مجاورة كانت بها حروب، حيث يتم تدريب النساء في المعسكرات -التي يستقر بها الناس لفترات طويلة ويواصلون دراستهن وعملهن من داخلها مثل بعض المعسكرات في  دارفور- عبر ورش تدريبية يتم فيها تعليم السيدات وتدريبهن على تخييط فوط قماشية، وبالتالي يصنعنها بأنفسهن ويوفرنها للمجتمع من حولهن، لكن هذه الطريقة لا يمكن تطبيقها في وضع السودان الراهن وسط الأوضاع غير المستقرة وموجات النزوح المتكررة، حيث نزحت بعض السيدات ٣ و٤ مرات، لأنها وهذه الطريقة تتطلب بعض الاستقرار.

وواصلت مروة قائلة “فكرة تعليم سيدات صناعة الفوط كانت لدي من قبل الحرب وكنت أفكر في تنفيذها، وذلك لأنها نجحت في دول كثيرة واعتقد أنها ستكون مفيدة جداً خاصة في دارفور وجبال النوبة وكردفان وحتى في الخرطوم، فالنساء يصبح لديهن عمل ورأس مال وقوة وفي ذات الوقت تتوفر فوط قماشية مستدامة محلية الصنع”.

حملة

وختمت حديثها قائلة: “منذ منتصف ديسمبر السابق بدأنا حملة (مليون فوطة مستدامة) من أجل توزيع منتجات حيض مستدامة للنساء والبنات، ونحن في مجموعة (let’s talk period) دائماً ما نشجع استخدام منتجات الحيض المستدام لذلك قررنا توزيع فوط قماشية قابلة لإعادة الإستخدام، ونسبة لظروف متعلقة بالتحويلات المالية وإنقطاع شبكات الإتصال لم نتمكن من إطلاق أول حملة إلا في السابع من مارس بولاية كسلا بالتعاون مع منظمة صناع الأمل وتمكنت الحملة حتى الآن من توفير 8856 فوطة مستهدفة بها 2952 امرأة وبنت وتمكنت حتى الآن من الوصول لأكتر من 50 مخيم ومركز للنازحات بشرق وغرب كسلا، وهدفنا في الحملة توزيع مليون فوطة مستدامة للنساء والبنات في السودان وحتى خارج السودان من المتأثرات بالحرب اللاجئات في دول الجوار.

ضرائب

والجدير بالذكر ان الفقر المرتبط بالدورة الشهرية في السودان ليس وليد الحرب لكن تضاعف خلالها، ولا توجد جهة تقدم دعم بهذا الشأن غير بعض مجموعات العمل الطوعي ومنها مبادرة (فوطة تسد الخانة) وبعض المجموعات الشبابية الطوعية التي كانت تعمل خلال أوقات الفيضانات والكوارث، وفي 2013 عدلت الجمارك الرسوم الواردة على الفوط الصحية إلى ٤٠%.

وفي مارس ٢٠٢٣ صدر قرار من وزارة المالية بزيادة الضرائب على الفوط الصحية من ٣% الى ١٠% ضمن عدد من زيادات الضرائب على عدد من المنتجات، كما أُخرجت الفوط من مظلة التأمين الصحي ولاية الخرطوم بعد إدخالها في سبتمبر 2021، حيث كانت هيئة التأمين الصحي تدفع النصف من قيمة الفوط، واستمر ذلك لعدة أشهر فقط في ولاية الخرطوم، وبعد الحرب إزداد الوضع سوءاً وما زال في مزيد من التدهور، وترتفع الاحتياجات وسط تدهور الوضع الإقتصادي والأمني وعدم الإستقرار والنزوح واللجوء وإنعدام المأوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *