عام على حرب السودان.. موت ودمار وغياب للسلام
كتب: حسين سعد
أكثر من عام مر على حرب السودان العبثية، في وقت ما زالت فيه لعلعلة الرصاص تشق سماء الخرطوم والمدن الأخرى التي تشهد مواجهات دامية، ووسط هذه الأجواء المميتة يردد البعض ان المواجهات توقفت في العاصمة الخرطوم بل ان هناك نداداءت ضجة بها مواقع التواصل الاجتماعي لدعوة الناس بالعودة إلى امدرمان لكن الواقع على الأرض يقول غير ذلك حيث لم تتوقف المواجهات بل صار القصف المدفعي الثقيل يضبط إيقاع حياة الناس مع شروق كل يوم ومسائه. وبحسب صحيفة الهدف ان بعض الأسر عادت الي امدرمان لكنها وجدت أن ما تحمله الصور والفيديوهات لم يكن سوى قليل من كثير، فلم تعد المدينة المنهكة صالحة للعيش فيها فلا أمن ولا مصدر دخل، والأدهى وأمر أنها ماتزال منطقة قتال وقصف متبادل يخلف كل يوم الكثير من الإصابات والشهداء وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها.
تناولت الأخبار صور وأحاديث لبعض العالقين من السكان، أن الجوع وانعدام الأمن هما السمة الظاهرة، وأن الموت مايزال يصول ويجول في الأرجاء، وحتى محلية كرري لم تكن استثناء من القصف المستمر من ناحية بحري أو غرب أمدرمان (أمبدة).
وعود كاذبة، وعدم قدرة على توفير أبسط مقومات الأمن والعلاج والمساعدات الإنسانية، بل وعدم الثقة في أن تحمل الأيام مجرد أمل في استمرار السيطرة على المدينة أو استتباب الأمن، حيث لم تتوقف الغارات ولم تقل الاشتباكات، والحال فيها بين كر وفر وتبادل للسيطرة في أطرافها خاصة الغربية والجنوبية الغربية.
العائدون يتحدثون عن تجاوزات الجنود كل في مناطق سيطرته، مع استمرار السرقات للأثاث والأموال، والمواطن أصبح حاله كالمستجير من الرمضاء بالنار.ويظل الحديث عن العودة للديار مجرد رغبة غير مستوعبة للواقع، ندم من صدقها وحمل حقائبه وعاد ليجد نفسه يكرر تجربة ماقبل النزوح حيث الموت وانعدام الأمان وندرة السلع والزيادات في أسعار المواد التموينية.
وبالرغم من هذه المعاناة لم تتوقف الأجهزة الأمنية التابعة للجيش أو الدعم السريع، عن اعتقال الشباب والناشطين في العمل الإنساني من أصحاب المبادرات حيث تقوم باخفائهم قسرا بدلا من دعمهم وتحفيزهم على ما يقومون به من خدمات يفترض أنها من أوجب واجبات القوات المسيطرة.
قذائف صاروخية
وفي المقابل أكد مواطنان وقوع قذائف صاروخية على مناطق الحارة الثامنة في محلية كرري بمدينة أم درمان صباح امس الأربعاء، وتوفي مواطن على الأقل مع وجود خمسة مصابين بمركز إيواء في الحارة الثامنة.
وحصل مراسل “الترا سودان” على معلومات متطابقة من اثنين من المواطنين في أم درمان أكدا سماع دوي المدافع القادمة من مناطق تمركز الدعم السريع، خاصة الخرطوم بحري الواقعة على الضفة الشمالية من النيل.
وقالت صباح، وهي مواطنة تعيش في محلية كرري، لـ”الترا سودان”، إن أصوات المدافع كانت عالية جداً منذ وقت مبكر من الصباح في أحياء الحارة الثامنة. ووقعت قذائف صاروخية وقذيفة في مركز إيواء للنازحين في الحي نفسه، وقتل مواطن وأصيب خمسة آخرين
فيما قال سليمان المقيم في محلية كرري لـ”الترا سودان” إن القذائف بدأت منذ وقت مبكر من صباح الأربعاء، والأصوات هذه المرة كانت عالية.
وأضاف: “وقع ضحايا جراء سقوط قذيفة بمركز إيواء الحارة الثامنة في أم درمان؛ أعتقد أن عدد الضحايا قد يتجاوز الثلاثة لأن الضربة كانت مدمرة في المركز”.وقال إن الأسبوع الماضي سقطت قذائف صاروخية في محلية كرري أودت بحياة خمسة مواطنين، كما وقعت قذيفة أخرى في حافلة ركاب وقتلت خمسة من بينهم صحفية وطفلها.
تحطيم الأمل
الحروب لاتنتهي أبدا وستبقي مقيمة، بآثارها،وندوبها،وتداعيات جراحها، على الأجساد، وكذلك ستترك آثارها علي منازل المواطنين بمناطق الحرب التي قاطعها التيار الكهربائي لأوقات مختلفة وطرقاتها خالية، ليلا عدا ضوء القمر يلقي بنوره على المباني كأنه يربت على اكتافها يدعوها إلي الصبر الجميل في مواجهة مواتر وسيارات المجموعات المسلحة التي تهاجم القرى و مطالبة اهل القرى بسداد مبالغ مالية باهظة حرب السودان التي قتل الإنسان وشردته ودمرت المنازل وحطمت الأمل وغيرت شكل المدن والاحياء والقري
ورسمت على ابتساماتهم بالألم وسط صيف لاهب وخريف قادم ومجاعه تهددهم فالحرب تركت فواجعها في كل شي وشبح الموت يطوف منزل منزل وشارع شارع فالجميع تعود على تنفس روائح الموت ومشاهدة صور من المواجهات الدامية و المدفعية الثقيلة والطائرات تلقى بحممها
على المدن والمدارس والمباني المدنية والمستشفيات، ليختلط موت الآباء مع الأبناء بسرعة ذلك القصف الذي غيّر ووسّع من دوائر الموت.
شجاعة النساء
أهوال الحرب جددت للاذهان النضالات الجسورة للمرأة السودانية والثبات في وجه الحرب، كما حطمت الصورة النمطية للمرأة كمجرد ضحية للحرب. فالنساء في الحروب، كما نرى ونرصد كل يوم، تؤدي أدوارًا استثنائية كعاملات وأصحاب أعمال وفي القطاع الصحي ومعيلات لأسر كاملة وفي فترة الحرب الأولى بالخرطوم وتحديدا في أشهر أبريل ومايو و يونيو ٢٠٢٣م شاهدت نساء عظيمات مع اطلالة الفجر بالذهاب للأسواق المحلية لبيع الشاي والطعام واخريات في بيع الخضار والقليل من الملابس للمساعدة في مصاريف المنزل اما الحال في الجزيرة التي نزحت إليها فارا من لعلعلة الرصاص بالخرطوم ومكثت بها نحو عشرة أشهر فقد شاهدت النساء في الصباح الباكر متوجه إلى الزراعة حاملة الطورية و المنجل لتوفير لقمة العيش لها ولعائلتها، بعد أن أصبح زوجها في عِداد المفقودين او النازحين من جراء الحرب التي عصفت بولاية الجزيرة، ويتحمل المدنيون دائمًا القسم الأكبر من تداعياتها، فقد يخرج الأفراد والعائلات من محنة إلى فاجعة. إلا أن مثابرة ونضال المراءة وعملها الدؤوب قد ضمنت لأبنائها دخلًا يكفل لهم عيشًا كريمًا يبعدهم من الذل
أثار الحرب
في رمضان الماضي عدت إلى الخرطوم لتفقد حال شقيقي الذي مازال بالعاصمة وفي الطريق رايت شوف عين ما
خلفته الحرب من ندوبٍ للمنازل التي بها آثار أعيرة نارية والدخان، وهياكل مركبات عسكرية محترقة على جانب الطريق، ومواقع بناء لم يكتمل العمل بها، وصفوف طويلة من المحلات التجارية التي حطمت ابوابها.
ذات الحال بالعاصمة يشابه حال ولاية الجزيرة الجريحة بمدنها وقراها التي كانت امنه حيث
تحولت المدارس إلى ملاجئ مؤقتة للأشخاص الذين فروا من منازلهم، حيث تعني كل حبة طعام وكل قطرة مياه الكثير، وتفترش عشرات العائلات الأرض في الفصول الدراسية جنبًا إلى جنب وسط التهديد المتزايد الذي تفرضه الهجمات و الغارات الليلية على غالبية القرى التي اجبرتهم تلك الهجمات الفرار فاهلي بالجزيرة لم يروعهم العنف الذي دفعهم إلى الخروج من ديارهم فحسب، بل عدم اليقين بشأن ما يخبئه لهم المستقبل.
انتهاكات عديدة
تشير الإحصائيات إلى حجم الأزمة، بقري الجزيرة المختلفة بمحلياتها ووحداتها الإدارية لكنها لا تعبر أبدًا عن القصة الكاملة أو مشاعر الحزن البشري المجردة
ولا يزال الكثير من الفارين يواجهون كفاحًا مضنيًا من أجل الوصول إلى مناطق امنه فالامان صار غائبا والسلام بعيدا ، و الرعاية الصحية والمرافق الأساسية وحتى التعليم اصبحت ترفًا لا يحلم به كثير منهم. وفي الواقع الصحة والعلاج والمساعدات الطبية هي ميزة نادرة وثمينة في المناطق التي تكتوي بنار الحرب. إذ تحت سماء مرعبة من القنابل والرصاص تلوحُ مراكز قليلة في الأفق واحةً منقذةً للأرواح، ولكن من شبه المؤكد أن الطاقم الطبي في تلك المراكز الصحية سيواجه سيلًا من الحالات وعجزًا في الإمدادات ونقصا في العقاقير والامصال
فظاعات مروعة
وتقول تقارير ان آثار اثني عشر شهراً من الأعمال القتاليةكانت مروعة. فقد قتل الآلاف في المعارك أو في فظاعات ناجمة عن القتال، ويعاني الملايين من درجة يائسة من الجوع. لقد انهارت الدولة السودانية عموماً. مع انضمام ميليشيات جديدة إلى الصراع وتأرجح الزخم في ميدان المعركة، من الواضح أنه كلما استمر الصراع لمدة أطول، ستكون الصعوبة أكبر في إعادة توحيد السودان. لقد أعادت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إحياء الجهود الدبلوماسية بتعيين مبعوثين جدداً، لكن الجهود الجماعية لتعزيز السلام ما تزال تفتقر إلى التماسك والشعور بإلحاح المهمة. يجب أن تعمل كل الدول والهيئات ذات النفوذ، بما في ذلك القوى العربية الثلاث التي تدفع بهدوء من أجل تسوية، معاً للضغط على الطرفين لإنهاء الحرب. ويجب على قادة العالم الوقوف مع الشعب السوداني من خلال معالجة نقص المساعدات.
اطفال السودان
يعيش اطفال السودان في ظل الحرب أوضاع قاسية أصحاب الضمير من العالم والاطراف المتحاربة خذلوهم وعجزوا عن محاسبة الجناة المتسببين في الواقع المرير الذي يعيشه هؤلاء في مناطق نزوحهم.
وأكد تقرير صادر عن مؤسسة “أنقذوا الأطفال”، في فبراير 2024 أن أكثر من 10 ملايين طفل أجبروا على الفرار من منازلهم خلال عام 2023، وكان الأطفال في السودان والصومال هم الأكثر تضررا. وأن إجمالي عدد الأطفال النازحين عالمياً بلغ أكثر من 50 مليونا.
لكن حالة الأطفال النازحون بالسودان أكثر قسوة، فقد دعا تقرير صادر عن “اليونيسف” في فبراير 2024، دول العالم إلى عدم غض الطرف عن مأساة أطفال السودان التي أصبحت أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم،وتسببت في موجة من الفظائع ضد أطفال السودان. ووفقًا للمتحدث باسم اليونيسف “جيمس إلدر” فإن منذ اندلاع الحرب في السودان، أدى إلى تهجير أربعة ملايين طفل سوداني- أي 13,000 طفل كل يوم لمدة 300 يوم، مشيرًا في تصريح أدلى به لبعض وسائل الإعلام، إلى أن الأمل تلاشى وفقد الناس الأمان والممتلكات، فيما انفصل الأصدقاء وأفراد الأسر عن بعضهم البعض أو فقدوا. وأشار “جيمس إلدر” إلى أن أكثر من 700 ألف طفل من النازحين السودانيين من المحتمل أن يعانوا من أخطر أشكال سوء التغذية هذا العام، ومن المرجح أن يموت عشرات الآلاف منهم”.
تهديد الحياة
إن ما يهدد حياة الأطفال النازحون في السودان، هو عدم وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام ودون عوائق عبر خطوط النزاع وعبر الحدود، كذلك تراجع مستوى تقديم الدعم الدولي للمساعدة في الحفاظ على الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها الأطفال للبقاء على قيد الحياة. وبالتالي يعتبر الأطفال في السودان، هم أبرز ضحايا الحرب الدائرة، لما لها من تأثيرات على حياة النازحين منهم، مثل الصحة الجسدية، حيث يعتبر الأطفال أكثر عرضةً لسوء التغذية والأمراض المعدية والإصابات الناجمة عن العنف، كما قد يعاني الأطفال النازحون من أعراض الصدمة مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة، وقد يجدون أيضاً صعوبة في النوم أو التركيز أو الشعور بالأمان. فالنزوح في السودان لا يؤدي إلى فصل الأطفال عن عائلاتهم فقط، بل تجنيدهم في جماعات مسلحة أو تعرضهم لأشكال مختلفة من العنف.
زواج الطفلات
وتحرم الحرب ملايين النساء والفتيات من الحصول على التعليم، ما يقلل قدرتهن على الاعتماد على أنفسهن اقتصاديا ويجعلهن عرضة للاستغلال بطرق مختلفة وغير قادرات على إعالة أنفسهن وأطفالهن في حالة وفاة الزوج أو عائل الأسرة.
وتتفشى ظاهرة زواج الأطفال وصغار السن في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة حيث يضطر أولياء الأمور إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة، تخفيفا للأعباء المالية الملقاة على كاهلهم أو بسبب انحسار الفرص الاقتصادية أو بسبب النزوح. وغالبا ما تزوج هؤلاء الفتيات إلى ذكور يبلغ فارق السن بينهم عشرات السنين.كما تتسبب الحروب والواقع الاجتماعي القاسي هؤلاء الفتيات على العيش في بيئة تتسم بالعنف فيضطررن إلى التعايش مع ندوب نفسية غائرة ووصلات تعذيب مستمرة ترافقهن حتى الممات في أغلب الأوقات. وتكشف الأرقام عن أن ما يقرب من تسعين مليون فتاة، أو واحدة من كل خمس فتيات على مستوى العالم يعشن في منطقة نزاع، ويكتوين بآثار مدمرة على صحتهن الجسدية والنفسية وفرصهن المستقبلية.
الهروب من مخيم
وفي تقرير سابق نشرته صحيفة مدنية نيوز يحكي عن معاناة النساء في ليلة الثاني من نوفمبر الثاني، استقلت أيسة وأسرتها عربات تجرها حمير وهربوا من مخيم الحصاحيصا. سُرقت معظم مقتنيات أيسة ولم يبقَ في حوزتها سوى فراش ضاع منها لاحقًا على الطريق. وتبعت أمها وأطفالها الذين يتقدمون الطريق.
وتتذكر أيسة البالغة من العمر 50 عامًا ما حدث، قائلة، “طاردونا وأجبرونا على الرحيل. قُتل بعض رجالنا، فيما اعتُقل آخرون. أُخذت أغراضنا وسُرقت. وفيما كنا نهم بالمغادرة، أوقفنا [رجال مسلحون] واضطررنا للانتظار حتى الصباح. كبّلوا [الناس] وضربوا الصبية الصغار”.
تقيم أيسة وعائلتها منذ أكثر من ستة أشهر في حاوية شحن واحدة تقع في مركز إطفاء زالنجي المُدمّر. وشأنهم شأن 6.5 ملايين نازحٍ في السودان، يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية التي ما زالت غير متوفرة في مناطق كثيرة. تحاول أيسة النجاة بالعمل هنا وهناك في أشغال لا يعوّل عليها، في حين لا يتوفر لهم لا ماء ولا غذاء ولا خدمات أساسية، بما فيها الرعاية الطبية.
وتشرح أيسة قائلة ، “لا مجال لكسب الأموال. جلّ ما نفعله هو أن نخرج ونجوب المدينة. وإن عثرنا على من يرغب بأن نغسل ملابسه، فسنفعلها أملًا في كسب بعض المال”.
وعلى الطرف الآخر من الشارع، قبالة مركز الإطفاء، تحتمي نجوى البالغة من العمر 30 عامًا مع أطفالها الثلاثة في مصرف المدينة المسروق برفقة 30 نازحًا آخر من مخيم الحصاحيصا. ويبدو أنها حولت المصرف إلى بيت وهمي، فقد صارت خزنات أمواله خزائن للملابس، وأمست نوافذه مغلقة بالطوب بعدما كانت منفذًا لأشعة الشمس، فيما تتكئ على عتبات النوافذ بعض الأكياس وبضعة نباتات ذبلت، وتشرح نجوى مشيرةً إلى الصفائح الممزقة التي تكسو البهو، “نعيش في هذه الظروف من دون سقف فوق رؤوسنا وليس لدينا طعام. لكننا لم نتسلم أية مساعدات، ولا حتى صابونة. سيبدأ موسم الأمطار عما قريب ولا نعلم إلى أين يمكننا أن نذهب”.
ختامًا
تجارب النساء في زمن الحرب لا تعد ولا تحصى. وهي محل إعجاب وانبهار لكن المراءة لاتجد الإنصاف الكافي من المجتمع والحكومات تقديرا لنضالاتها وبمعزل عن ألم فراق الأهل أو فقد أحد أفراد الأسرة أو حتى السبل التي تسلكها لكسب العيش،و تتزايد أخطار العنف الجسدي والإصابات والحرمان والموت الذي تواجهه النساء.