الخميس, مايو 29, 2025
تقاريرسياسة

حكايات من شرق الجزيرة.. الحرب تُخاض على أجساد النساء (1-5)

كتبت: صافية محمد

(1)
الحرب تأخذ أرواحنا بأشكال عديدة، فهنالك موت بلا فناء يضاهي ألمه فناء الروح والجسد، تموت وأنت ترى صنوف العنف والهلاك أمامك، يقتلونك بإهانة إنسانية من هم أقرب لروحك، ينتقمون من الإنسان أولاً وكأن حربهم ضده والإنسانية، حرب المقدس فيها الذهب، المال، حرب كراهية بامتياز…. ضربوا فيها نسيجنا واستخدموا فيها من نعاشرهم مئات السنين بتأجيج صراع الجنس والقبيلة، هؤلاء اللاتي لم نكن نعرف عنهم ولا يعرفون عنا سواء أننا أهلاً تجمعنا الإنسانية.

حرب كاملة تدفع ثمنها النساء، يقتلون ويعذون أزواجهم، يقتلون أولادهم وينتهكون بناتهم أمامهم،، حكايات مؤلمة من نساء عايشن تعذيبا قاسيا، غير رحلة طويلة شاقة سرن خلالها أيام عديدة على أقدامهنّ بلا زاد ولا ماء، رحلة كان زادها التعذيب النفسي والجسدي؛ تروي مدنية نيوز في هذه المساحة من القصص ما يمكن حكيه.

استيقظت مبكراً كعادتي، قمت بتجهيز الشاي والقهوة، بعد أن تناولنا الشاي جميعنا وتسامرنا- لا ندري أنها الأخيرة- خرج زوجي للعمل وأبنائي للعب وخرجت أنا بدوري لجارتي تسامرنا كثيراً نلعن الحرب التي حرمتنا من التسوق، زيارات أهلنا في القرى المجاورة وحتى حرمتنا من الذهاب للمزارع لجلب الحطب (فقد كانت هذه متنفسات النساء)- خرجت منها حملت العجين لإعداد الطعام وبينما أنا أعد (الكِسرة) في المطبخ (التُكُل- محل إعداد الطعام) إذا بثلاث مسلحون قفذوا الحائط ووجدتهم أمامي وأنا أرتدي ملابساً تستر فقط الجزء العلوي من جسدي لتقيه لهب الحطب، فغرت فمي عريضاً ولم أقوى على الرد، ليأتي صوت أحدهم (أدينا الدهب ولا أرقدي- موجهاً سلاحه لوجهي)، أخبرتهم أنني لا أملك من الدنيا غير دقيق العجين وبعض من الخضار، لم يصدقوني وبدأوا يوجهون لي إهانات جنسية تعف الأذن عن سمعها، إنهارت كل قواي وبات بالي مع أبنائي الصبيان وكيف سيكون تصرفهم إن وجدوني أقف أمام أغراب بملابسي الداخلية، كنت أدعي آلا يأتون حتى لا يُمطَرون بوابل الرصاص؛ ضربوني وسحلوني بالأرض بعد أن قرر قائدهم تفتيش المنزل وأمرهم بضربي حتى يخلصون من التفتيش، تركوني وجسمي كله أوجاع، خرجت بعدها بجزء من أولادي دون زوجي وكل قلبي.

طيلة فترة الحرب بالجزيرة وأنا أهجر منزلي وأسكن بمنزل أسرتي الكبيرة، نعيش حياة الحد الأدنى أنا وأطفالي على أمل أن تقف قريباً، طال مكوثنا مع والداي لكن الأمل في أن الله سيجعل لنا مخرجاً لم ينقطع- انهارت كل قوانا ومعها أحلامنا عند اجتياج شرق الجزيرة؛ قررت أن أذهب منزلي للوداع الأخير وحمل ما يمكن حمله ذهبت أنا وأخي الأصغر وأولادي الصغار- وليتني لم أذهب، فكأنهم كانوا ينتظرون دخولي- دخلت مسرعة أحمل ما قد نحتاجه إضافة لجرامات من الذهب وهي حصاد سنين من اغتراب زوجي ندخرها لليوم الأسود- لم يمر على دخولنا نصف ساعة لنجد أنفسنا محاصرين بقوة قوامها 10 أشخاص مسلحون بأسلحة ثقيلة وعربات (دوشكا)- يا إلهي ما هذا- هل نحن العدو؟ داهمونا وأول ما أخذوه الذهب الذي كنت أحمله في يدي أمروا بقوة إضافية وأخذوا أي شي في المنزل أي شي حتى الشتول والسجادات، أسرّة الحوش، أحذية البلاستيك التي نرتديها، استغرقوا ساعتين أفرغوا فيها المنزل وكل هذا الوقت يحتجزوننا موجهين السلاح صوب وجوهنا ويا ليتها كانت النهاية!… فور إنتهائهم أمر القائد القوى التي أفرغت المنزل بالخروج وأبقى على العشرة، قاموا بإجلاس أطفالي وأخي على الأرض، ربطوهم وظل يتناوب على اغتصابي العشرة أمام عيون أطفالي وأخي ذو السابعة عشر..

هل هذه النهاية؟؟…. لا قصص انتهاكات لا يقوى العقل على تصورها أو إدراكها، هل هولاء بشر مثلنا، بقلوب؟ لماذا هم منزوعوا الرحمة؟ هل لديهم معنا ثأر أم غبينة قديمة؟… يا إلهي كم كنا نباهي بقيمنا وأخلاقنا… لم نتوقع هذا أبداً…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *