الجمعة, يناير 24, 2025
تحقيقاتمجتمع

مرضى الفشل الكلوى.. محاولات لإطالة أمد الحياة

مدير مركز جموعة: نشكو من نقص مستهلكات الغسيل وتأخير وصولها

مرضى: الحرب فاقمت من معاناتنا

غرفة الطوارئ بالنيل الأبيض: الوضع الامني يسهم بشكل مباشر في تأخير الإمداد الدوائي للولاية

وزارة الصحة: (4000) حالة وفاة بالفشل الكلوى و(164) ألف زارع انخفضت الخدمات المقدمة لهم

تحقيق: منى النور آدم

الاعتداءات المستمرة على المستشفيات وتدميرها من قبل قوات الدعم السريع أسهمت في تعريض حياة الالاف من المرضى للخطر والموت من بينهم مرضى الفشل الكلوي، ونتيجة لعمليات النزوح والضغط الشديد على مراكز الغسيل التي مازالت تعمل في ظل ظروف بالغة التعقيد من انقطاع الامداد الكهربائي لعدت ساعات قد يصل إلى ايام بجانب ارتفاع أسعار الأدوية -إن وجِدت- يواجه المرضى يوميا صعوبات في سبيل الحصول على الدواء وجلسة الغسيل، حيث تقلص عدد الجلسات إلى جلستين في الأسبوع كما تقلصت مدة الجلسة من 4 ساعات إلى ساعتين، إذ باتت الأوضاع في غاية التعقيد مما أسهم في الوفاة المبكرة لكثير منهم.. (مدنية نيوز) زارت مركز الصادق جموعة بولاية النيل الأبيض وهي واحدة من الولايات التي شهدت حالات نزوح واسعة إليها خاصة من فئة مرضى الكلى من ولاية الخرطوم ودارفور والجزيرة الأمر شكل عبئاً حقيقيا على كاهل تلك المستشفيات.

حكايات المرضى:

بعد جلسة غسيل استمرت ساعتين استلقى عبد الحميد لتناول إفطاره، قال لي بصوت شعرت فيه بحجم المعاناة التي يعيشها مرضى الفشل الكلوي: “إن الحرب ألقت بظلالها السالبة عليهم كمرضى غسيل كلى لا سيما وأن مريض الكلى يحتاج إلى الاهتمام بالتغذية الجيّدة وبصحته النفسية والجسدية واليوم بات تناول وجبة واحدة مشكلة لمعظم الأسر.
وأضاف عبد الحميد أنه قام بزراعة كلى ولكنها لم تنجح، لذلك هو يعيش على الغسيل منذ ثمانية سنوات هي عدد سنوات مرضه بمقدار مرتان في الأسبوع مؤخرا بعد ان شهدت الولاية تزايد أعداد المرضى، مشيراً إلى أن اغلاق الطرق الرئيسية من قبل قوات الدعم السريع كان له الأثر الواضح على أسعار الأدوية وتوفرها في الصيدليات.
فيما يرى المواطن صديق محمد حامد من كنانه أن شح الدواء بات شبحا يهدد حياتهم خاصة مع إغلاق الطرق، إذ وصل سعر الدرب الى (3) الاف جنيه واللصقة (4) آلاف، والهيبارين (10) آلاف، مؤكدا أن الحرب ضاعفت من معاناتهم بجانب ارتفاع أسعار تذاكر المواصلات بسبب أزمة الوقود التي شهدتها الولاية، وقد اضطر عدة مرات لتفويت جلسة الغسيل.

الوفاة المبكرة:

رئيس جمعية مرضى الكلى بمستشفى جموعة احمد بابكر، تحدثت إليه أثناء جلسة الغسيل والتي حرصت على أن اعيش معهم تلك الساعات من عمرهم بكل تفاصيلها، وجدته مستلق على سريره والمكينة تقوم بعملها في تنقية وتصفية الدم من السموم، وأحسب انها قد تكون ساعات من جلسات تصفية الذهن لهؤلاء المتمسكين بالحياة.

هي غرفة تضم قرابة العشرة أسرة وجدتهم في حالة من الالفة والانسجام، كيف لا وهم يتشاركون الهم والالم، يحكي كمال وهو يعمل محامي ان الظروف التي تمر بها البلاد أثرت بشكل خاص على مرضى غسيل الكلى، حيث أن غلاء أسعار الدواء وانعدامها احيانا يفاقم من حالة المريض الصحية، ويمكن في النهاية أن يؤدي إلى الوفاة، ويقول كمال انهم كجمعية طوعية يعملون بكل جهدهم لتخفيف كاهل المعاناة عن المرضى من خلال البحث عن قنوات تدعمهم بشتى السبل.

وقال ان الجمعية كانت تملك مطبخا يعمل بشكل يومي على توفير وجبة الإفطار للمرضى، ولكنه توقف مؤخرا لأسباب مادية وعدم وجود جهات تدعمه، مشيرا الى اهمية التغذية الجيدة للمرضى فهي من الضروريات للمساعدة على تقوية الجسم وتعزيز صحته، مضيفا أن هذا يتطلب تناول الأنواع والكميات المناسبة من الطّعام يوميّاً، وهو الأمر الذي يمكنه أن يساعد على تعزيز وظائف الكلى وتحسين صحة المريض واطالة سنوات عمره، ويقول ان تأثير المرض يمتد حتى على وظائفهم وعملهم فمريض الفشل يواجه صعوبه في ممارسة عمله كالسابق، فهو يشعر بالإرهاق الشديد في حال بذل اقل مجهود والعديد من المرضى يعولون اسرهم ناهيك عن متطلباته ومعظم المرضى محدودي الدخل، وابان ان هناك بعض المجهودات للجمعية حيث عملت على توفير دعم مادي من ديوان الزكاة لتخفيف كاهل المعاناة عنهم وهو مبلغ زهيد مقابل ارتفاع الأسعار.

فيما تؤكد المريضة (ن) والتي فضلت حجب اسمها، انه على الرغم من أن الخدمة مجانية بالمركز، إلا أن المرضى يواجهون وأسرهم خاصة ظروفا قاسية من ارتفاع أسعار الإيجارات وغلاء أسعار الأدوية، وقالت إنهم يجدون معاناة حقيقية في الحصول على الأدوية والعقاقير الطبية بسبب انعدامها َ وقفل الطرق الرئيسية ما يدفعهم للجوء إلى الصيدليات والسوق السوداء للحصول عليها بأسعار باهظة. كما يواجهون صعوبة شديدة في العودة إلى منازلهم بعد انتهاء عملية الغسيل بسبب ارتفاع أسعار تذاكر المواصلات لاسيما وهم ياتون من مناطق بعيده.

تضاعف اعداد المرضى:

مدير عام مركز المرحوم الصادق جموعة لغسيل وجراحة الكلى د.فاطمة يوسف علي حميدة، قالت لـ”مدنية نيوز” إن المركز خيري وهو وقف من المرحوم الصادق جموعة أنشئ في العام ٢٠١٩ حيث انطلق العمل فيه بسبع ماكنيات ثم توسع حتى وصلت الى اثني عشرة ماكنية يستقبل المركز الحالات سالبة الفحص، وعن نظام الغسيل قبل الحرب قالت فاطمة ان المركز كان يوفر امكانية الغسيل مرتين في الأسبوع تستمر اربعه ساعات، ولكنها تقلصت، وارجعت ذلك لزيادة اعداد المترددين من المرضى على المركز خاصة من الخرطوم وعدم توفر مستهلكات الغسيل، مؤكدة أن اوضاع المرضى كانت مستقره في السابق حيث أن عدد المترددين على المركز كانوا (56) مريضا معظمهم من النيل الابيض (ربك. كنانة. الجزيرة ابا) وأضافت ان اول دفعة وصلت من النازحين كان عددهم (33)، وتضاعف العدد الى ان وصل (118) مريضا هم المترددين على المركز اليوم من عدة مناطق لينضم اليهم لاحقا نازحو ولاية الجزيرة، وتوكد فاطمة ان الاوضاع تغيرت بشكل تام عقب الحرب حيث اصبح على المريض ان يوفر كل احتياجات الغسيل مما شكل عبئا على كاهله، مبينة أن هناك حاليا (11) ماكنية تعمل بشكل جيد ومتوقفة (1) فقط، وهناك حوجة لثلاث ماكينات، وتشير الى انه لتغطية تزايد اعداد المرضى لجأت ادارة المركز للعمل بنظام الورديات الاضافية لتغطية حاجة المرضى.

وتشرح انه مقرر لكل مريض كلى ان يغسل (12) ساعة اسبوعيا وهي فترة زمنية كافية لتنظيف جسم المريض من السموم، وتابعت: “قمنا بتقليصها لـ(8) ساعات”، مضيفة بالقول ان الحرب اثرت نفسيا ومعنويا وصحيا على هولاء المرضى، “ونحن نعمل فقط على اطاله امد حياتهم بعد الله حيث يعاني المريض من غلاء اسعار الادوية إذ يصل سعر الدرب الى (20) الف ناهيك عن مرحلة (انعدامها) في السوق. وتنبه فاطمة الى زياده نسبة المرضى في الولاية موخرا خاصة وسط الشباب من الفئة العمرية (20_45) والاطفال من (6_7) سنوات، وختمت بأن المركز يشكو من نقص مستهلكات الغسيل وتاخير وصولها نسبة للظروف الامنية للولاية وقفل الطرق برغم مجهودات الولاية لتوفيرها وهي الداعم الاول اليوم للمركز عبر وزارة المالية.

تاخر الامداد الدوائي:

د. عبد الوهاب رحال رئيس لجنة مراكز غسيل الكلي بالولاية قال في حديثه لـ”مدنية نيوز” ان عدد السكان بالولاية تضاعف مؤخرا نتيجة لموجة النزوح التي شهدتها الولاية مما القى بظلاله السالبة على الوضع الصحي بالبلاد، حيث استقبلت الولاية نازحي الخرطوم وولاية الجزيرة وكردفان ودارفور، مضيفا ان الولاية قامت بتشكيل غرفه طوارئ لمجابهة مشكلة نقص مستهلكات الغسيل، واشار الى ان الوضع الصحي لمرضى الكلى تدهور نسبة لقيام الدعم السريع بإغلاق الطرق الرئيسية التي كانت تشكل منفذ الولاية لدخول الادوية وغيرها، ويقول ان الولاية لمعالجة نقص الدواء تعاقدت مع شركة الطيران لنقل الامداد الدوائي من بورتسودان للولاية، ويرى د. رحال ان الوضع الامني يسهم بشكل مباشر في تاخير الامداد الدوائي للولاية، مبينا ان الولاية بها خمس مراكز (ربك كوستي تندلتي شبشه الدويم) جميعها داخل الخدمة مع التفاوت في السعة، وان المترددين على تلك المراكز بلغ عددهم ما بين (800-700) مريض، وكشف ان التحدي الذي امامهم كغرفه طوارئ في تزايد عدد المرضى من الوافدين اضافة للحالات المكتشفه حديثا.

استهداف ممنهج:

وزارة الصحة كشفت في تصريح سابق لوزير الصحة الاتحادي د. هيثم محمد إبراهيم عن تضرر (250) مستشفى وان عدد مستشفيات الكلى تبلغ (750) مستشفى وهى تمثل ثلث مستشفيات البلاد منذ إندلاع الحرب في أبريل 2023م.
وأكد أن جميع المستشفيات لم تتعرض لقصف من قبل الجيش وإنما نهب وتدمير من عناصر الدعم السريع وأوضح أن جملة خسائر القطاع الصحي أثناء الحرب بلغت (11) مليار دولارا، تشكل 22% من جملة الضرر الذي لحق بقطاع الخدمات أثناء فترة الحرب. وأشار الوزير الى أن هناك مستشفيات لا زالت تعمل منها مستشفى النو بام درمان رغم القصف من الدعم السريع، ومستشفى الدايات الذي كان يعتبر مركزا لقيادة الدعم السريع، مشيرا إلى أن هذا الاستهداف ممنهج، وقال إن الإمداد يصل جوا للمستشفيات بالفاشر.

وأضاف أن هناك معاناة حقيقية تواجه مستشفى الأورام (الذرة) توجد بها معاناة حقيقية كما أن نسبة 50% من المراكز خرجت عن الخدمة من جملة 102 مركزاً بعد الحرب، وقال هيثم انه فقد من خلال الوفاة عدد (4000) الف مريضا بالكلى، وأن هناك (164) الف يزرعون الكلى إنخفضت الخدمات التي كانت تقدم لهم بصورة كبيرة، وان مخزون الإمدادات الطبية قبل الحرب يبلغ 500 مليوناً تم نهبها من الخرطوم وان المخزون بولاية الجزيرة يبلغ 20 مليون دولارا تم نهبها، وأن جملة ما تم نهبه 600 مليون دولارا. كما أشار إلى خروج جميع مراكز علاج الأورام عن الخدمة عدا مستشفى بمدينة مروي بالولاية الشمالية، وأن 4 الاف مريض فقدوا أرواحهم ضمن 7 الاف مصابا بمرض الكلى، ولفت إلى خروج 70% من المستشفيات المرجعية عن الخدمة في الأشهر الأولى بولاية الخرطوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *