الصحافة في مرمى الحرب بين التضييق والملاحقة.. حكايات نزوح وصمود في وجه الألم
تقرير: هانم ادم
في زوايا الوطن المتعب، حيث تعتصره الحرب ، وتبعثر الأحلام بين ركام المدن وحرائق الأمل، يمضي الصحفي السوداني حاملاً قلمه كأنه سلاح، وصوته كأنه طوق نجاة، لا درع يقيه من الرصاص، ولا ساتر يحجبه عن القصف، سوى إيمانه العميق بأن الحقيقة – وإن تعثرت – لا بد أن تُروى، في زمنٍ أصبحت فيه الكلمة تهمة، والصورة دليل إدانة، يعيش الصحفي السوداني تفاصيل يومه على حافة الخطر، بين مطاردة الواقع وتوثيق الوجع، بين خوفه على أهله وإصراره على نقل أنين الشارع، هنا، لا تغفو الكاميرا، حتى وإن أُجبرت على الصمت، وهنا، لا يُغلق الدفتر، حتى وإن تناثرت صفحاته تحت وقع القصف، فالصحفي السوداني اليوم ليس مجرد ناقل خبر، بل شاهد على وطن يتداعى، وحياة تتفلت، ووجوه تنطفئ كل يوم، ومع كل قصة يرويها، يضع قلبه بين السطور، ويكتب بالدمع ما لا تستطيع الكلمات أن تنطقه، إنه صوت الناس حين يخفت صوتهم، وصورة الحقيقة حين تُشوه ملامحها بالنار والدخان.
الحقيقة لن تغيب:
في هذا التقرير، نسلّط الضوء على ما لا ترويه نشرات الأخبار، معاناة الصحفيين السودانيين اليومية، تنقّلهم بين المدن والملاجئ، صراعهم مع التضييق والخطر، وتمسكهم برسالة إعلامية باتت تكلّفهم حريتهم، بل حياتهم أحياناً، نغوص في تفاصيل حكاياتهم، نسمع وجعهم، ونمنحهم المساحة التي طالما منحوها لغيرهم… لنقول للعالم في السودان، هناك من يكتب كي لا تُنسى الحقيقة، حتى لو ضاعت بين أزيز الرصاص،الصحفية الراحلة هدي حامد قبل وفاتها كنت قد طالبتها بأن تحكي معاناتها منذ مايو من 2024م، كصحفية مازالت تعيش في منطقة نزاع، وبالتأكيد تواجهها صعوبات العمل والحياة، لم تتواني، وحاولت مراراً إرسال فيديو مصور حسب طلبي غير إن صعوبة شبكة الانترنت حالت دون وصول تسجيلها، وبعد فترة صدمت بخبر رحيلها الفاجع ن وكانت قد سطرت مناشدة عبر صفحتها في الفيس بوك لإصدقائها أصحاب ، وبحسب إفادات شفيقتها فإن هدي تعرضت لجلطة في الرجل ومن ثم تعفن رجلها بعد وقت قصير من إصابتها ومن ثم ظهر لها مرض السكري.
بيع الفول والتسالي:
فقيدة الصحافة هدى كانت كل همها ان تجد ما يسد رمقها وابنتها الصغيرة فقد قالت حسب تسجيلها، والذي وصلني بعد وفاتها بفترة بعد أن طلبت من شقيقتها إرساله انها فكرت في بيع الفول والتسالي، او بيع الطعمية وتقول الصحفية الراحلة هدي :إنها لم تسطيع الخروج بسبب عجرها المالي ، وتوقف عملها ، وظلت تعتمد علي ما يرسله لها بعض الأهل والزملاء والزميلات ، وأضافت في تسجيلها الصوتي : إن الحرب حولتنا من صحفيين نبحث عن الحقيقة، إلى ناجين نبحث عن لقمة أحيانًا تمر علينا أيام لا نجد فيها ثمن وجبة، فقط لنكمل يومنا، حال الصحفية الراحلة هدي يجسد حال العديد من الزملاء والزميلات الذين وجدوا إنفسهم خارج دولاب العمل بين ليلة وضحاها حيث تسببت الحرب في توقف (90%) من المؤسسات الصحفية حسب تقرير نقابة الصحفيين السودانيين بعد مضي عامين من الحرب، ويشير ذات التقرير إلي إن أكثر من ( 400 ) صحفي إضطروا للفرار من البلاد بحثًا عن الأمان، ونزح آلاف آخرون داخليًا ويعيشون في ظروف لا يمكن وصفها من فرط القسوة، ويعمل بقية الصحفيون في ظروف أمنية مضطربة، ويواجهون مخاطر يومية، الكثير منهم يعملون سرًا وبدون أي موارد، كما يواجهون صعوبات بالغة في حرية الحركة للتنقل وجمع المعلومات، وهناك قيود مفروضة على الوصول إلى مناطق النزاع وتغطية الأحداث لما يفرض أطراف النزاع من رقابة وتدخلًا في عمل الصحفيين، فغابت حُرية الصحافة ووسائل الإعلام بشكل كامل من فرط التدخل والمنع من قبل طرفي الحرب، مع الغياب التام لمواد القانون الدولي الإنساني التي تضمن حرية التنقل، وممارسة مهنة الصحافة في حالات الحرب كخط دفاع اول ضد الانتهاكات الجسيمة في حق المدنيين، وبلغت مجمل الإنتهاكات التي تعرض لها الصحفيون ووسائل الاعلام منذ إندلاع الصراع بحسب النقابة (556) حالة إنتهاك موثقة، منها (317) حالة انتهاك مباشرة وموثقة، بينما بقية الإنتهاكات، وعددها (239) حالة هي للإحتجازات التي تمت للصحفيين في أماكن عملهم لفترات متفاوتة عند بداية تفجر الصراع وأخرى ماتم رصده من نهب لمنازل الصحفيين بولاية الخرطوم في الشهور الاولى للحرب
مهنة خطرة:
اوضاع ماساوية وتقول الصحفية مني النور منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 يعيش الوسط الاعلامي خاصة الصحفيين في أوضاع معقده ومآساويه حيث فقد معظمهم مصدر رزقهم وأصبحوا عاطلين عن العمل يبحثون عن لقمه العيش الحلال التي تسد رمق جوع صغارهم عن نفسي كانت وجهتي ولايه النيل الأبيض عند اندلاع الصراع، لانني وزوجي نتشارك ذات المهنة مهنة الصحافة لم يترك زوجي باب لم يطرقه بحثاً عن لقمة العيش، فعمل كغيره في مهن هامشية أما العمل الصحفي لم يكن بالأمر السهل لاسيما الحصول على المعلومات بسبب المهددات الأ منيهالتي تشكل حجر عثرة في تنفيذ الكثير من الأعمال الصحفيه بجانب ان الخوف من صفتك المهنيه باتت مخيفه في حد ذاتها فالكثير من الزملاء لقوا حتفهم لمجرد إنهم اعلاميون ومنهم من تعرض للاعتقال والتعذيب أمام هذا الوضع المزري، تعذر على الصحفيين والصحفيات في مناطق النزاع والمناطق التي تقع تحت سيطرة أحد طرفي الحرب، التنقل بحرية من منطقة إلى أخرى أو داخلها للتغطية الصحفية. وذلك بسبب غياب الحماية وعدم إلتزام الأطراف المتحاربة بالاتفاقيات الدولية الملزمة بإحترام حرية الصحافة والتعبير وحماية وسلامة الصحفيين والصحفيات وضمان حقهوقهم في التغطية المستقلة للنزاعات المسلحة وتعطل المؤسسات الصحفية التي كانوا يعملون لحسابها، كما ساهم إنقطاع شبكة الاتصال والانترنت لشهور عديده في توقف العمل الصحفي بشكل تام وظهور الاخبار المضلله والشائعات بشكل لافت.
إعتقالات متكررة:
معاناة من جانبين تحكيها الصحفية (ا.ن) التي عانت من الأمرين، كونها تنحدر من أصول لها ترابط كبير مع الدعم السريع كما أنها صحفية، فقد تعرضت لضغوط من أجل أن تكون ضمن تلك القوات باعتبارها صحفية بجانب إنحدارها من احدي القبائل التي تكون قوات الدعم السريع، ويمكن أن يستفاد منها ولكنها رفضت ذلك، وبعد أن تكرر الضغط عليها حملت أطفالها هاربة الي أحد دول الجوار لعلها تجد الأمان، تاركة خلفها بيتها الذي لم يسلم من القصف والتدمير، أما حكاية الصحفي عمر إبراهيم، تتداخل فيها الصحافة مع الخطر المباشر على الحياة، منذ بداية الحرب، تنقّل بين الاعتقالات المتكررة، بدءًا من قوات الدعم السريع، ثم جهاز الأمن، وحتى سلطات جنوب السودان، يقول كنت أعمل مع جهات صحفية محترفة، لكني اليوم بلا عمل فقدت معداتي، اعتُقلت ثلاث مرات فقط لأني صحفي، وبعد رحلة طويلة من رَبَك إلى جوبا ثم كمبالا، وصلت إلى مصر لعلاج ابن أختي المصاب لكني ما زلت عاطلًا عن العمل، وكل ما أملك هو إيماني بالمهنة.
النجاة بالحياة:
الصحفية انعام احمداي من ولاية غرب دارفور تم حرق معداتها الصحفية من كاميرات وغيره ضمن منزلها الذي تم حرقه بالكامل ابان احداث ولاية غرب دارفور لتخرج مضطرة مع أسرتها لتنجو بحياتها وحياة من معها من ولايتها مجبرة في رحلة بحث عن الأمان وتستقر بأحد الولايات بعد معاناة وصغوبات عديدة واجهتهم في الطريق حتي وصلهم، من جهته يقول الصحفي محمد شعيب والذي ظل بمدينته الفاشر المحاصرة وقرر ان يبقي بها رغم المخاطر، وأضاف يخاطر الصحفيون بحياتهم كل يوم لكشف الحقيقة، بينما تُحاصر المدن وتُستهدف الأقلام، مدينة الفاشر محاصرة منذ عام ، والصحفيون هناك يدفعون الثمن من أرواحهم وأجسادهم، فقدنا ثلاثة إعلاميين في المدينة خلال العام الماضي، ومع ذلك لا يزال هناك من يكتب ويصوّر ويقاوم، ويختم شعيب بنداء إنساني عاجل إلى المجتمع الدولي والمؤسسات الإعلامية نحن لا نطلب سوى الحق في ممارسة مهنتنا بأمان. نرجو أن يمتد إلينا الدعم، وأن تُحمى حياتنا، كما تُحمى الكلمة التي نكتبها.
فرار الصحفيين:
وفي المقابل يقول سكرتير شؤون العضوية بنقابة الصحفيين السودانيين محمد الاسباط يقول أن الحرب أجبرت الصحفيين السودانيين للخروج الي دول أخري ، مشيراً إلي إن عدد الصحفيين اللاجئين بدولة كينيا (25) صحفي/ة اما دولة تشاد فبلغ عددهم( 20) ووصل العدد بدولة يوغندا( 77) صحفي/ة وفي أثيوبيا ( 9 ) وفي ليبيا( 25 ) وتجاوز عددهم في مصر (250 )صحفي ويضيف أما بالنسبة للصحفيين المتواجدين داخل السودان بولاياته المختلفة فإعدادهم كالآتي في ولاية الجزيرة ( 9 ) صحفيين أما ولاية شمال كردفان في مدن الأبيض ام روابة والرهد (9) جنوب دارفور (15) شرق ووسط دارفور(18) غرب دارفور(4) جنوب كردفان مناطق الدلنج كادقلي ابو جبيهة(5 )غرب كردفان ( 6) اما المتواجدين بولاية الخرطوم فبلغ عددهم( 63) صحفي/ة ويقول الاسباط أن الأرقام غير ثابتة خاصة للمتواجدين داخل الخرطوم، وذلك بسبب تحرك الصحفيين أنفسهم الامر الذي يجعلهم كسكرتارية في حالة تحديث مستمر لمواقع الصحفيين.