السبت, مايو 24, 2025
مقالات

النقابات بين الماضي والمأمول.. ومابين قانون نقابة المنشأة وقانون نقابة الفئة والنقابات في ظل التحول الديمقراطي

بقلم: سنية أشقر

منذ استقلال السودان، ظلت النقابات واحدة من أبرز أدوات التعبير الجماعي والتنظيم المهني، إلا أن الإطار القانوني الذي يحكم عملها طالما كان عرضة للتسييس، مما أثّر على استقلاليتها وفعاليتها. وقد شهدت البلاد خلال العقود الماضية صراعاً بين نماذج نقابية متعددة، من أبرزها نموذج نقابة المنشأة كما ورد في قانون النقابات لسنة 2010م، ونموذج نقابة الفئة الذي تنادي به القوى الديمقراطية والنقابية المستقلة. وبين هذين النموذجين، تأرجحت مسودة قانون النقابات الموحد التي لم تُجز خلال الفترة الانتقالية، رغم التوافق الواسع حول ضرورة تحديث البيئة القانونية للعمل النقابي.

قانون النقابات لسنة 2010م – نموذج نقابة المنشأة
صدر قانون النقابات لسنة 2010م في عهد نظام الإنقاذ المباد، ويعكس طبيعته السلطوية من حيث التوجه والقيود المفروضة على التنظيم النقابي. أبرز سماته:
▪ اعتماد مبدأ نقابة المنشأة: ينص القانون على إنشاء نقابة واحدة فقط لكل منشأة أو مؤسسة.
يمنع وجود أكثر من كيان نقابي داخل نفس الجهة.
يُفرض هذا النموذج بغرض السيطرة على الحركة النقابية وتحجيم التعدد والتنوع في المطالب والتمثيل.

▪ القيود على حرية التنظيم: يخضع تكوين النقابات وإجراءاتها لموافقة السلطات الإدارية.
تُمنح وزارة العمل سلطات واسعة في التدخل في شؤون النقابات، بما في ذلك حلّها أو تجميدها.
▪ الهيمنة الحكومية والتسييس: استُخدمت النقابات، لا سيما اتحاد نقابات عمال السودان، كأذرع تابعة للنظام السابق.
تم إقصاء النقابات المستقلة أو تلك التي تتبنى مطالب فئوية أو ديمقراطية.

▪ نقابة الفئة – البديل الديمقراطي
نقابة الفئة هي نموذج تنظيمي يقوم على التجمع النقابي حسب المهنة أو الحرفة أو القطاع، وليس حسب المنشأة. وهو النموذج الذي تنادي به معظم القوى النقابية الديمقراطية في السودان، خاصة بعد ثورة ديسمبر. من أبرز خصائصه:
▪التنظيم حسب المهنة أو القطاع …مثال: نقابة المعلمين، نقابة الأطباء، نقابة المهندسين، إلخ.
يُتيح هذا النموذج تمثيلاً أفضل لمصالح الفئات المهنية المشتركة، بغض النظر عن أماكن عملهم المختلفة.
▪ التعددية النقابية:
يتيح للأفراد حرية اختيار الكيان النقابي الذي يعبر عنهم، مع إمكانية وجود أكثر من نقابة تمثل نفس الفئة لكن بتوجهات مختلفة.
يُعزز من الديمقراطية الداخلية والتنافس النقابي الصحي.
▪ الاستقلال عن الدولة
ينادي أنصار نقابة الفئة بقانون يحمي النقابات من تدخل الدولة.
يُنظر للنقابة كوسيلة للتفاوض الجماعي وتحقيق المطالب، لا كذراع سلطوي.

▪ مسودة قانون النقابات الموحد – مشروع معلق
خلال الفترة الانتقالية بعد سقوط النظام السابق، برزت الحاجة الماسّة لإصلاح قانون النقابات بما يتماشى مع المعايير الدولية (اتفاقيات منظمة العمل الدولية). وقد طُرحت مسودة قانون النقابات الموحد بناءً على مشاورات واسعة شملت نقابيين وخبراء ومنظمات مدنية، لكنها لم تُجز حتى سقوط الحكومة الانتقالية. وتتمثل أبرز ملامح هذا القانون المقترح في:
▪إلغاء مبدأ نقابة المنشأة واعتماد حرية التنظيم النقابي.
▪ ضمان الاستقلالية النقابية، وحماية النقابات من تدخل الدولة والأجهزة الأمنية.
▪ الاعتراف بالتعدد النقابي، والسماح بإنشاء أكثر من نقابة في نفس المجال أو الفئة.
▪ الاحتكام إلى القواعد الديمقراطية في تكوين الهياكل النقابية، مثل الانتخاب الدوري، الشفافية المالية، وحرية التعبير.

أي نقابة نريد؟
الصراع بين نموذج نقابة المنشأة ونقابة الفئة هو في جوهره صراع بين الهيمنة والسيطرة مقابل الحرية والتنظيم الذاتي. وبينما يُمثّل قانون 2010م بقايا مرحلة سلطوية أُسقطت بثورة، فإن نقابة الفئة تمثل تطلعاً نحو ديمقراطية نقابية حقيقية. ومع استمرار تعطيل قانون النقابات الموحد، يبقى الحقل النقابي رهين فراغ قانوني ومهدد بعودة تدخلات الدولة، ما لم تتوحد القوى الديمقراطية لإحياء مشروع الإصلاح النقابي وبناء نقابات تعبر عن القواعد لا الأنظمة.
اخيرآ
لا وصاية على الطبقة العاملة

ماريل
أبريل/٢٠٢٥م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *