الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (7)
بقلم: حسين سعد
يوافق يوم غدٍ الأحد اليوم العالمي للصحافة، يأتي هذا العيد العالمي لصاحبة الجلالة في السودان والتي خرجت منتصرة عقب معاركها التي خاضتها ضد النظام المدحور منذ انقلابه المشؤوم على الديمقراطية في يونيو 1989م، طوال هذه المسيرة العامرة بالنضال تعرضت الصحافة السودانية لأشكال متعددة من الانتهاكات التي طالت كل شيء من اعتقال الصحفيين ومحاكمتهم كيديا إلى ممارسة حرب اقتصادية عليهم وتشريدهم وإغلاق الصحف. وأدت هذه الممارسات المرفوضة لأن يتذيل السودان قائمة الدول في مجال حرية التعبير وحرية الصحافة (الطيش)، ولكن وبفضل الثورة تحققت لنا فرصة تدفع في اتجاه أن يقوم الإعلام بدوره في دعم الحكومة الانتقالية، وتتمثل هذه الفرصة في تقدم السودان (16) درجة في مجال الحريات الصحفية وفقاً لتقرير منظمة (مراسلون بلا حدود) حيث حل السودان في المرتبة (159) قافزاً من المرتبة (175) التي كان يحتلها العام الماضي.
المشهد الإعلامي:
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن هناك فرصة مواتية لإعادة بناء المشهد الإعلامي في السودان عقب الإطاحة بالمخلوع، وبينما كان النظام يترنح في أوائل أبريل 2019، وثقت (مراسلون بلا حدود) أكثر من (100) حالة اعتقال في أوساط الفاعلين الإعلاميين، حيث ترك ذلك النظام المتوحش عواقب وخيمة على المشهد الإعلامي، الذي يجب إعادة بنائه من الأنقاض، ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها (مراسلون بلا حدود)، فقد أُنشئت آلية لمراقبة الصحفيين والتجسس عليهم، معروفة باسم وحدة الجهاد الإلكتروني والتي تعمل على نشر رسائل أو مقالات تحتوي على معلومات كاذبة، وذلك بهدف تشويه سمعة السلطات المشرفة على المرحلة الانتقالية أو الدفاع عن أحزاب النظام القديم، والتي ما زالت تسيطر على غالبية وسائل الإعلام.
أيقونة الثورة:
تحل علينا هذه الذكرى وبلادنا تتنسم عبير الحرية وتضع أولى خطواتها في بناء سودان جديد وتحقيق التحول الديمقراطي، وفرضت تحديات الانتقال الديمقراطي والسلام و(كورونا) ونضالات الشهداء وتحسين علاقاتنا الخارجية، فرضت هذه التحديات أمام صاحبة الجلالة خطى لابد من أن تمشيها وتنتصر فيها، نحن على ثقة ويقين من نجاح صاحبة الجلالة ومن قبل وحتى اليوم كانت شبكة الصحفيين السودانيين أيقونة الثورة ورأس الرمح في معاركنا ضد الطغاة الأمر الذي دفع المنظمات العالمية المعنية بحرية التعبير بأن تختار شبكة الصحفيين السودانيين ضمن المرشحين لنيل جوائزها (مراسلون بلا حدود)، وهذا عمل كبير تستحقه شبكة الصحفيين التي قادت نضالنا (موكب موكب ومظاهرة مظاهرة وعصيان عصيان) رافعة أهداف وتطلعات الصحفيين والشعب السوداني، عازمة على الانتصار مهما كانت التضحيات ومهما كانت التحديات.
التحول الديمقراطي:
من القضايا الرئيسية التي تنتظر صاحبة الجلالة للقيام بدور كبير فيها هي استكمال الانتقال الديمقراطي في السودان الذي فشلت فيه بلادنا من قبل، وكما قال صاحب القلم الذهبي الأستاذ محجوب محمد صالح في كتابه (الصحافة السودانية في نصف قرن) لقد كانت الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي هي أخصب سنوات النشاط الصحفي في السودان وقد شهدت الفترة كثيراً من الإشراقات الواعدة لكنها أجهضت.
ويقول الأستاذ صديق محيسي إن الصحافة الحزبية مهدت الجو لانقلاب السابع عشر من نوفمبر، وأدت المعارك التي خاضتها الأقلام الحزبية إلى حالة سياسية اتسمت بالبؤس الأخلاقي، كانت المواجهات بين صحيفتي (النيل، النداء) تثير الأحقاد لوصولها إلى درك سحيق الابتذال، وقد تكونت في الفضاء السياسي سحب راعدة أذنت لها بالهطول الكتابات الساقطة التي كانت تنشر في صحيفتي (النيل والأمة) اللتين تعبران عن حزب الأمة من جانب، ومن جانب آخر صحيفتي (النداء وصوت السودان) المعبرتين عن الاتحاديين جماعة إسماعيل والطريقة الختمية التي كان على رأسها السيد علي الميرغني، كانت الصراعات المزدوجة اتحاديين مقابل ختمية وأنصار تقدم مؤشراً على أن الديمقراطية في السودان الخارج لتوه من مرحلة الحكم الأجنبي لم تكن من النضج لدرجة تمنحها المناعة المطلوبة ضد الانقلابات العسكرية، قلنا إن الجو الذي وفرته الصحافة الحزبية والمستقلة ظاهرياً أعطى النظام العسكري الجديد الذريعة في الهجوم على مجمل العملية الديمقراطية الجديدة والحكم عليها بالفشل.
وإضافة إلى ما ذكره محيسي نقول إنه في الديمقراطية الثالثة لعبت صحيفتا الراية وألوان دوراً سالباً أيضاً، وفي فترة اتفاقية السلام (نيفاشا) لعبت الصحافة دوراً جيداً لكن في المقابل كانت بعض الصحف القريبة من النظام البائد تلعب دوراً عنصرياً بغيضاً، واليوم ونحن نمضي لفترة مهمة من الانتقال الديمقراطي، ولكي يقوم الإعلام بدوره في الانتقال الديمقراطي لابد من أن يرصد الإعلام العوامل والمتغيرات المؤثرة في تحقيق التحول الديمقراطي، ويقود تحقيق الوحدة الوطنية، وتخفيف حدة الصراعات في أوقات الهشاشة السياسية فالصراع الحاد يجهض الوحدة الوطنية.
نماذج من التحول:
يشير الخبراء إلى وجود عوامل مؤثرة في عملية التحول الديمقراطي، وتتمثل تلك العوامل في التنمية الاقتصادية والتقسيمات الاجتماعية والمؤسسات السياسية والمجتمع المدني، والتفاعلات الدولية، وتأخذ عملية التحول الديمقراطي أشكالاً وأنماطاً مختلفة، منها (التحول الذاتي) وهذا يحدث عندما تتم عمليـة الانتقـال الـديمقراطي بمبادرات من النظام التسلطي ذاته، وبدون تدخل من جهات أخرى، سواء من قوى المعارضـة أو من المجتمع ككل، وساد هذا النمط العديد من بلدان أمريكا اللاتينية وبعض البلدان الآسيوية.
والتحول الإحلالي: يأخذ هذا النمط مبادرات مشتركة بين النخـب الحاكمـة والنخب المعارضة، يندرج هذا النمط ضـمن نمط اتفاق متعدد الأطراف بين النخب ويحدث هذا عند ما يدرك النظام عدم قدرته على قمع المعارضة بصورة حاسمة، وكما لا تملك المعارضة أيضاً القوة الكافيـة التـي تمكنها من فرض التغيرات التي تريدها، عندها تصبح هناك قناعة لدى قوى النظام والمعارضـة بأنه لا سبيل للخروج من الأزمة إلا عبر التفاوض والتوصل إلى مستويات وترتيبـات تضـمن استقرار النظام وتضعه على مسار الديمقراطية.
ومن الأمثلة على هذا النمط، نجاح المفاوضـات في أمريكا اللاتينية في ثمانينيات القرن العشرين، وفي جنوب أوروبـا الشـرقية.
وهناك أيضاً نموذج الإحلال: ترجع جذور هذا النمط إلى حدوث أزمة وطنية خطيرة لا يسـتطيع النظـام التسلطي حلها، مما يؤدي إلى تعبئة جماهيرية واسعة النطاق ضد النظام؛ أي أن التغيير في هـذا النمط يأتي من الضغوطات المنبثقة من القاعدة الشعبية.
أخيراً التحول الأجنبي: شهدت فترة ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته تدني قدرات بعـض البلدان الاقتصادية، بحيث لم تعد قادرة على الحفاظ على بـرامج وسياسـات محفـزة للتنميـة الاقتصادية، عندها تدخلت القوى الأجنبية عبر تمويل تلك البلدان، من خلال شـروط تفـرض عليها الشروع بعمليات (دمقرطة) كجزء من برنامج متكامل للحكم الصالح الرشيد، وربطت القوى الأجنبية استمرارية تلك المساعدات بموافقة النظم التسلطية على البدء فـي عمليـات (دمقرطـة) وإصلاح سياسي. ومن أمثلة هذا النمط التدخل الأمريكي في هايتي، وبنما، والصـومال خـلال القرن العشرين، وقد تم ذلك فـي أعقـاب الحـرب العالمية الثانية، والأمثلة عديدة سواء في الحـروب الثنائية أو الحروب الإقليمية أو العالمية. (يتبع)