الثورة والوأد من الداخل وما العمل (3-3)
بقلم: محمد الصحابي
توقفنا في الحوار السابق عند الحرية والتغيير، فبعد مواكب مليونية الثلاثين من يونيو الذي كانت بمثابة نقطة التحول الحاسمة الثانية في مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة بعد يوم 6 أبريل العظيم، حيث صمدت فيه عزيمة الثوار رغم القتل والترويع نحو إكمال المشوار الثوري، وإرادة الشعب التي تحدت همجية وصلف الترسانة العسكرية بثبات ضد الانكسار للوصول إلى غاياتها في الحكم المدني، نجد أن الحرية والتغيير عند قبولها بالرجوع للتفاوض قبل الإيفاء بشروطها التي وضعتها للمجلس العسكري وقتذاك؛ قد ساهم بشكل كبير في إضعاف موقفها الذي لا يتناسب والزخم الثوري لمليونية 30 يونيو والغضب العارم الذي تمدد في الشوارع إثر مجزرة الاعتصام، المجد والخلود للشهداء الكرام، التي ستظل عار للقيادة العامة على مر التاريخ، وعند هذا الموقف تنساب الأسئلة بكثافة حول لماذا هذا المسلك من قبل الحرية والتغيير؟ ولماذا عادوا للتفاوض وهم صاغرون؟ رغم أن ظهرهم محم بالشوارع الهادرة بالمواكب؟ فحتماً من يتغاضى أو يتهاون عن التمسك بوزنه الحقيقي لم ولن يجلب اتفاقاً يُلبي تطلعات الجماهير والثوار؟ فتمخض عن الجولات التفاوضية الإعلان السياسي وأعقبته الوثيقة الدستورية، ورغم حجم النقد الذي وُجه للإعلان السياسي في مرحلة ما قبل الإجازة (التوقيع بالأحرف الأولى)؛ إلا أنه لم يجد حظه من النفاذ إلى التضمين في الشكل النهائي؟ وكان بمثابة المؤشر لعاقبة الوثيقة الدستورية، والتي واجهت أيضاً انتقادات حادة لم ينقطع سيلها حتى بعد إجازتها النهائية، فنالت صفة الوثيقة المعيبة، ولكن لمصلحة من تم ذلك؟ وألا يدركون تبعات ذلك على تحقيق مهام وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة؟ ولماذا كانت التنازلات بالشكل الذي جعل المكون العسكري مسيطراً على كل الملفات الحيوية والاستراتيجية؟ وأسوأ ما فيها إسناد مهمة إعمال إصلاح الأجهزة العسكرية للمؤسسة العسكرية فقط!؟ (الفصل الثاني – مهام الفترة الانتقالية – البند 12) والأسلم أن تُسند المهمة لخبراء من ذوي الاختصاص مدنيين وعسكريين وذلك لعظمة المهمة ولتعقيدات المنظومة العسكرية والأمنية وإحكام النهج التمكيني بها الشئ الذي أفرغها من مضمونها وأفقدها المهنية طيلة ثلاثين عاماً حسوماً من سطوة (الكيزان)، وللمفارقة نجد أن المكون العسكري احتفظ بتموضع حيوي له في تعيين رئيس وأعضاء مفوضيات (السلام، الحدود، صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري، الانتخابات) – بالتشاور مع مجلس الوزراء (المفوضيات المستقلة – البند3)، فبذات المنطق كان يمكن لمفاوضي الحرية والتغيير إتباعه فيما يختص بإصلاح الأجهزة العسكرية؟؟ فلا أدري كيف يتحقق ذلك المطلب الثوري بعقليات معطوبة بداء التمكين؟ الا يدركون تبعات ذلك على مسيرة الإنتقال الديمقراطي؟ ويستمر عطاء التنازلات في أخطر ملف وهو ملف تحقيق العدالة والقصاص للشهداء من القتلة المجرمين، في إستبدال مطلب الثوار بتشكيل لجنة تحقيق دولية فيما يختص بمجزرة فض الاعتصام بلجنة تحقيق وطنية مستقلة لها الحق في طلب السند الإفريقي عند الإقتضاء (مهام الفترة الإنتقالية – البند16)، ولماذا إتسم تعامل الحرية والتغيير مع الوثيقة الدستورية بهذه الروح المهتزة والضعف البائن؟ فلماذا هذا الكرم الحاتمي من قبل مفاوضي الحرية والتغيير؟ ففي ظاهره شبهة تواطؤ أما في باطنه يمكن القول إنه بداية التأسيس لوأد الثورة من الداخل، وتمرحل ذلك الأداء حتى محطة الترشيحات للمجلسين السيادي والوزراء، وما تبعها من تغيير في المواقف والنكوص عن المتواثق عليه في إعلان الحرية والتغيير وعلنا أمام الجماهير في منصات ساحة الإعتصام، بالإبتعاد عن نهج المحاصصات الحزبية، والذي مُورس بشكل علني في تعيين الولاة المدنيين، حيث برز مدي التهافت على السلطة لدرجة تسرب من الفحص الأمني لبعض المكونات السياسية ولاة ذوي إرتباطات بالعهد البائد!! (حيث رشح في الأخبار أن عددهم 4) فاذا غفلوا عن ذلك فتلك كارثة كبري، وإن تعمدوا ذلك فتلك طامة ترتقي لمصاف خيانة الثورة؟، فكيف من أسقطتهم الثورة تُوجد لهم روافع في عز نهار الثورة ليعودوا حكاما؟، وهل لأي مكون سياسي يُعاني نقص الكادر يحق له الإستعانة بمن له شبهة صلات بالنظام المدحور؟ ولماذا لا توجد ضوابط عامة وصارمة متوافق عليها لذلك؟ اليس من الأفضل تقديم المشهود لهم بالمواقف الوطنية الخالصة والنزاهة وغيرها من المعايير الموضوعية حتى وإن كانوا غير منتمين حزبياً؟ فضلا عن فرضهم علي بعض الولايات فأتي التعيين اتي ضد إرادة إنسان تلك المناطق، إنه قمة الإستهتار بجسام التضحيات التي بُذلت لأجل هذا التغيير الثوري، فبدلا عن العمل الجاد لسد ثغور الوثيقة الدستورية يكون التوجه هو مزيد من تعميق الشروخ في جسد الثورة، لذا غلب التكتيكي الإنتهازي على المبدئي!؟.
فور الفراغ من تشكيل هياكل الحكم (عدا المجلس التشريعي) المتآمر عليه، وأداء حكومة الفترة الإنتقالية للقسم برزت تلك الإختلافات بين مكونات (قحت) بشكل واضح منها ما هو مبدئي وهذا يتوجب التوقف عنده، وما هو غير جوهري ولتجاوزه يتطلب التعاطي معه بوعي متقدم وبمسئولية كبيرة، ساهم ذلك النهج بشكل كبير في اهتزاز ثقة الثوار في الحرية والتغيير.
يتبع..
في الحلقة القادمة بإذنه تعالى نختم بما العمل؟؟