النساء السودانيان بين سندان القوانين ومطرقة المجتمع
تقرير: عائشة السماني
بعد مرور عامين على الثورة السودانية، والتي كانت النساء في صفوفها الأمامية وكُن يتطلعن إلى واقع أفضل وزوال كل مظاهر العنف الموجه ضدهن؛ لا زال العُنف يُمارس عليهن بأشكال شتى، وتقول المدافعات عن حقوق النساء إن مظاهر العنف تتجلى من قبل الدولة في أكثر من طريقة ونوع، بدءاً من طوابير الوقود والاغتصابات المنتشرة في دارفور من قبل المسلحين، والعنف من قبل المجتمع والذي يتم السكوت عنه بسبب الأعراف والتقاليد.
وتؤكد المدافعات عن حقوق المرأة أنه خلال هذا العام ارتفعت حصلية العنف المنزلي بسبب الحظر جراء وباء كوفيد 19، لكن مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سليمة اسحق، تقول إنه ليس هناك إحصائيات لهذا النوع من العنف، لكنها تؤكد أن العنف الأسري ارتفع.
وفي ذات الوقت تقول السكرتيرة العام لمبادرة لا لقهر النساء أميرة عثمان، إن العنف الموجه ضد النساء والفتيات موجود في كل الأماكن وبشتى الأشكال، سواء كان لفظياً أو جسدياً، ولا توجد أي حماية لهن، وتعتبر أنه لم يحدث أي تغيير بعد الثورة، وما زالت القوانين سارية والمنظومة الشرطية والعدلية هي ذات المنظومة في العهد البائد، مع استمرار نفس الممارسات، وتصف حكومة الفترة الانتقالية بعدم الجدية والإرادة السياسية تجاه العنف ضد النساء، لكن مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة تختلف مع أميرة، وتقول إنه توجد خطوات جادة من قبل الحكومة في إنهاء العنف.
مشيرة إلى أنهم فرغوا من مسودة قانون تجريم العنف، لكنها تعود وتقول إنه يوجد عدم التزام، موضحة أنه خلال أيام كوفيد 19، كان هناك تعاون من أفراد الشرطة معهم رغم أنه ليس لديهم قانون للمرأة، لكن النائب العام والنيابات لم تعمل لتتعاون معهم، وكان هناك فوضى غير عادية، مبينة أن هذا الأمر صنع العديد من المشاكل، من بينها أن إغلاق المحاكم ترك عدداً من الجرائم دون أن يحدث فيها شيء.
وأوضحت أن مسودة القانون اكتملت وتبقى فقط موضوع المشورة لأن بعض النقاط تحتاج إلى نقاش، وأوضح أن الوحدة في هذا الأسبوع نظمت ورشة مع الشرطة، وأن الورشة جاءت لتعزيز التعاون مع الأجهزة الشرطية للخروج برؤية متكاملة ومشتركة لحماية النساء والفتيات، وأكدت مديرة الوحدة، أهمية تقوية التنسيق بين أجهزة الدولة والمنظمات الدولية والوطنية لتوفير بيئة لحماية المرأة.
وأشارا إلى وجود 50 مكتباً للشرطة لحماية النساء في ولايات دارفور المختلفة، تعمل بالتنسيق مع الوحدة والمنظمات الدولية.
وتقول سكرتير لا لقهر النساء أميرة عثمان، إن العنف أصبح متزايداً بصورة كبيرة جداً في كل الأماكن، وقالت إنه توجد قضية آمنة موسى الموظفة التي تعمل في مفوضية العون الإنساني، وهذا المكان من المفترض أن يكون الحماية الأولى للنساء، مبينة أنه تم التحرش بها من قبل إحدى زملائها، واتصلت بوحدة العنف ولم يفعلوا لها شيئاً، وأيضاً اتصلت بوزيرة الرعاية الاجتماعية ولم تجد استجابة، بل تم عقابها بالفصل من العمل، مبينة أنه رغم أن أخاها ضرب المتحرش لكنها وجدت عقاباً آخر من أهلها، حيث تم إرجاعها إلى منطقتها في الرهد.
وأضافت أميرة أنه لهذا السبب ونسبة لعدم توفر الحماية من قبل الدولى هناك عدد كبير من النساء يلزمن الصمت، ويسكتن على التحرش والقهر، وأيضاً يوجد قهر من قبل الدولة، ومثال على ذلك القهر الذي تعرضت له الشابة دعاء بهجة في صفوف البنزين، لأن الحكومة لم تحفظ خصوصية للنساء في هذا الجانب، ونبهت إلى أن الحكومة لم تكن جادة ولم تضع أولوية لمكتسبات الشعب ولا للنساء، واعتبرت أن هذه ليست حكومة ثورة، بل النظام القديم بأقنعة جديدة.
من جهته قال المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أحمد صبير، إن بعض القوانيين تمارس عنفاً ضد النساء، وإن أكثر القوانين التي بها عنف موجه ضد النساء لم يحدث فيها أي تقدم، مثل قانون الأسرة وقانون الأحوال الشخصية لعام 1991م وهو برمته لم يحدث فيه أي شئ، وهو قانون تمييزي يمتهن العلاقة الزوجية من تعريفه للعلاقة الزوجية بأنها علاقة رجل وإمرأة يبيح لكل من الطرفين الاستمتاع بالآخر على وجه مشروع، ولم يتحدث عن تكوين أسرة أو المودة والرحمة، وفقط الاستمتاع الجنسي.
مشيراً إلى أن هذا القانون قسم النساء السودانيات إلى نساء عزيزات وأخريات ذليلات، وذلك عندما تطلب المرأة الطلاق بسبب ضرب زوجها أو إهانتها، فعليها أن تثبت أن في أسرتها أو قبيلتها لا يتم هذا الفعل للنساء، وبالتالي تكون من العزيزات، ويتم إجراء الطلاق، أما إذا لم تثبت ذلك فتكون من الذليلات، وأيضاً الطلاق للغياب لمدة سنة القانون يمنح الطلاق للنساء الصغيرات في السن، وأيضاً الطلاق للعفة، وهنا يتم إهانة المرأة، حيث يتم فحص العذرية وهذا رغم أن هناك نساء يولدن من غيرها، وأخريات يفقدنها، مثلاً بسبب الرياضة أيضا المادة 40 من قانون الأحوال الشخصية تتيح زواج الطفلات من 10 سنوات، وهنا تتعرض الطفلة للعنف، أي حرمانها من التعليم ومن طفولتها وتعرض للخطر وقد تفقد حياتها أثناء الممارسة الجنسية، لأن أعضائها التناسلية لم تكتمل.
وأضاف: (نجد عدداً من النساء في المشافي بسبب الزواج المبكر والزواج الإجباري، وعدد كثير من الحالات النفسية وأحيانا تنتج جرائم قتل جراء هذا الزواج، وأكثر المواد المنتهكة لحقوق المرأة موضوع الولاية، وهذا يحرم المرأة من أن تحضر العقد، في حين أن القانون عرف الزواج أنه عقد بين رجل وامرأة، وهنا يتم العقد بسبب موضوع الولاية بين رجل ورجل، وهذا تناقض في روح القانون نفسه، وأيضاً تناقض بين قانون الطفل والأسرة في قانون الطفل 18 سنة بالرضى، وهناك 10 سنوات معناه الممارسة تكون اغتصاب، وهذا تناقض واضح بين القوانين، وكلها تعنف النساء.
وأوضح صبير أنه يوجد حالياً في المحاكم عدد كبير من قضايا العنف المنزلي، أما من الأب أو الأخ أو الزوج، مبيناً أنه لا توجد أي مادة في القوانين السودانية تحمي النساء من العنف المنزلي أو العنف المبني على اساس النوع، مشيرا الى انه لديه حالة هي فتاة تتعرض لاغتصاب من زوج امها لكنها لا تستطيع ان تفتح بلاغا لأنه لا توجد بيوت من قبل الدولة للايواء، وهي سوف ترجع مرة اخرى لتسكن مع نفس الشخص وفي نفس المنزل، وربما يكون العنف هذه المرة اشد قسوة عليها بسبب شكوتها في المحكمة، واحيانا عندما تأتي الفتاة تشتكي من ابوها او اخوها يقول لها القائمون على امر القانون كيف تشتكي، ويتبنى القاضي او النيابة موضوع الاقناع بالصلح.
وقال صبير إنه حتى التعديلات الاخيرة لم تغير شيء ففي القانون الجنائي موضوع الاثبات موجود عندما تذهب المراة لتفتح بلاغ في اغتصاب يدون لها زنا، حتى تثبت اما باعتراف الجاني او اربع شهود، وفي الحالتين مستحيل، والامثلة كثيرة، ايضا في الميراث وقانون الاراضى كلها فيها تمييز ضد النساء، وايضا قانون خدم المنازل وقانون الشركات الخاصة، وتابع: (مثلا نجد البعض يضع شرط بان لا يكن امهات)، وايضا يوجد شرط اكثر وقاحة يشترط عدم الحمل اثناء فترة العقد، وهذا يحرمها من حق الأمومة.. فهذه بعض الامثلة لكن توجد عدد كبير من المواد في القوانين التي فيها عنف موجه ضد النساء ببعض المواد، لكن لا توجد حماية للنساء بالقوانين بل يوجد انتهاك وعنف يمارس بالقانون على النساء).
وتطالب عدد كبير من النساء الحكومة السودانية بالمصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والبروتوكول الخاص بالميثاق الافريقي حول حقوق الانسان والشعوب وحقوق المرأة في افريقيا، (بروتوكول مابوتو)، ويؤكدن أنه لابد من تغيير جذري لكل القوانين وخاصة قانون الاحوال الشخصية، وهذا يتطلب ارادة سياسية قوية ورغبة حقيقية في التغيير، ورفع الظلم عن النساء، واعتبرن أن هذا كله غير متوفر في الحكومة الحالية.