الخبير الاقتصادي عصام الزين لـ(مدنية نيوز): أية ميزانية لا تعتمد على المشاركة الشعبية يُكتب لها الفشل
– يجب التعامل بحسم مع شركات النظام البائد ومراجعة الفساد
حوار: حسين سعد – عازة أبو عوف
رهن الخبير الاقتصادي د. عصام الزين، حل مشكلات القطاع المصرفي باتخاذ حزمة من الخطوات تتضمَّن التعامل الجاد مع أنشطة الظل، التي تمدَّدت في حركة الاقتصاد مثل شركات النظام المخلوع، وطالب بمراجعة الفساد الموجود.
وقال د. عصام الزين، في حوار مع (مدنية نيوز) إن هناك شخصيات حققت مكاسب خيالية بسبب خصخصة البنوك وبيع أسهمها وبيعها على الورق فقط.
وتحدث الزين، عن الأوضاع الاقتصادية ووضع الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية وارتفاع معدلات التضخم ووصفة الخروج من أجل التعافي، وغيرها من القضايا التي تطالعونها في الحوار التالي:
بدءاً لا بد من شرح عن عمل البنوك والنظامين التقليدي والإسلامي، ماذا تقول؟
سأبدأ حديثي أولاً عن البنوك، فلو نظرنا إلى السابق وفي عهد الاستعمار بدأت البنوك في الترفّع لبنوك أجنبية مثل البنك التجاري الإثيوبي والبنك العثماني، وكانت هذه البنوك تعمل بالنظام التقليدي الذي يتركّز على الفوائد المقبوضة والمدفوعة، وتتمثّل الفوائد المقبوضة في عمليات التمويل والاستثمار، فيما تأتي الفوائد المدفوعة من الادّخار والودائع المختلفة وحصيلة الفارق بينهما يمثل أرباح البنك، ويظل البنك هو الوسيط المالي بين أصحاب الفوائد والودائع ومن لديهم عجز ويرغبون في التمويل للاستثمار وهذه هي وظيفة البنوك العامة، ولكن للبنوك وظائف أخرى تتمثل في خدمات الصرف والتحويلات التجارية الخارجية وغيرها.
ثم بدأ ظهور البنوك الإسلامية في السبعينيات وعندما نجري مقارنة بين هيكلة التمويل وهيكلة الاستثمار، نجد لدينا في هيكلة التمويل مصادر داخلية وخارجية والمصادر الداخلية مرتبطة برأس المال والاحتياطيات والأرباح، فلا يختلف هنا البنك الإسلامي من البنك التقليدي فكلامها لهما رأس مال يتمثل في الأسهم خاصة كانت أو عامة.
وفيما يتعلق بالمصادر الخارجية (الودائع) بالنسبة للبنك التقليدي ودائع الجمهور والمؤسسات، فهي عملات أجنبية أو محلية أو ما يعرف بالاقتراض. ويختلف البنك المركزي عن البنوك الأخرى بالفائدة ولكن في البنك الإسلامي تتمثل ودائع الجمهور في الحسابات الجارية وللبنك الإسلامي غرض حسن وبند إحسان وغيرها من القروض الحسنة.
وإذا نظرنا إلى البنوك الإسلامية في السودان، هل تعمل بالهدف الاجتماعي وليس بالهدف الاقتصادي الكامل؟ أقول بكل صراحة: لا، فلو كانت تعمل بها يجب أن تكون المشاركة هي النسبة الأعلى وتقدر بنحو (80%)، ولكن العكس هو ما يحدث فالنسبة الأعلى هي المرابحة وحتى المرابحة بها صيغ أشبه بالفوائد.
وأريد أن أوضح أن ربا الفضل يدخل في المعاملات، فمعظم العمليات التي تدخل في المرابحة تُشكِّلُ نسبة عالية جداً من نشاط البنوك وهي ربوية، وهذا ما أكده تقرير هيئة الرقابة الشرعية، مما يعني أن هناك وضوحاً في صيغة البنك التقليدي أو التجاري.
وخلاصة القول إن البنوك التقليدية تتميز على البنوك الإسلامية في أنها تَدخل في عملية الأوراق الحكومية والسندات، وهذه محظورة على البنوك الإسلامية، وكان يجب على البنوك الإسلامية أن يكون تمويلها مرتبطاً بالمشروعات الاقتصادية الكبيرة، ولكن للأسف ركَّزت على التمويل قصير الأجل (المرابحات)، وبذلك هزمت الفكرة الخاصة بالبنوك الإسلامية المرتبطة بعملية التمويل متوسط وطويل الأجل بالنسبة للمشروعات الاقتصادية، وليس هناك بنك مركزي إسلامي في العالم كله إلا بالاسم، وهو البنك المركزي الإسلامي لجمهورية إيران، لكن في التعاملات المالية لا يمكن أن يكون منفصلاً عن النظام المالي العالمي الذي يعمل بالنظام التقليدي.
وهناك بدع ابتدعتها (الإنقاذ) منها ما يسمى بند المال الخبيث، فكل ما يؤخذ من فوائد من أرصدة البنك المركزي في الخارج من فوائد ضخمة تذهب لبند المال الخبيث، ويتم التصرف فيه بالمزاج، وفيه فساد كبير وتوزيع أموال ضخمة، وهو يمثل بنداً للفساد وحتى البنوك الخاصة إذا كانت لها أرصدة بها فوائد يتم عمل بند المال الخبيث.
وفي إطار حديثنا المفصل عن مشاكل البنوك يجب الحديث عن البنوك الأجنبية التي غادرت بسبب فرض العمل بالنظام الإسلامي، وهذا من المشكلات الكبيرة التي واجهت البنك المركزي في تطبيق السياسات النقدية والسيطرة على الحالة التضخمية وعرض النقود.
ما هي مشكلات القطاع المصرفي؟
ضعف رؤوس الأموال. يوجد بنك خاسر في لبنان يبلغ رأس ماله (٣) مليارات دولار، ولو اجتمعت كل بنوك السودان البالغ عددها (٣٠) بنكاً لن يبلغ رأس مالها هذا المبلغ.
إضافة إلى ذلك تظل مشكلة شح السيولة أحد الأسباب الرئيسية في هذه المشكلات، بجانب ازدهار الأعمال الهامشية بسبب تجارة العملات والأراضي، وهذا أدى إلى أن تكون السيولة خارج الجهاز المصرفي.
ومن الأسباب التي أدت إلى تدهور القطاع المصرفي، طباعة فئات كبيرة من العملات، وهناك إرهاصات عن طباعة فئة (1000) جنيه وهذه مشكلة رئيسية، فالفئات الكبيرة تؤدي إلى هروب العملات من البنوك، حيث يمكن حمل ملايين الجنيهات في (الجيوب) وهذا لا يمكن أن يحدث في السابق، كما أن طباعة الفئات الكبيرة تفتح الباب للمزورين.
يمكن القول إن كل العمليات التي تتم لصالح هروب مزيد من الأموال ومثال لذلك قرار البنك المركزي الأخير المتعلق بزيادة الرسوم على المعاملات المصرفية.
هل هناك إمكانية للعمل بالنظام التقليدي؟
إذا تم إعطاء فرصة للبنوك في السودان للعمل بالنظام التقليدي ولم تستفد من ذلك فهذا غباء، النظام التقليدي يقدم ضمانات من المخاطر.
برأيك هل عدد البنوك مناسب مع حركة الأموال وحاجة المتعاملين؟
إذا نظرنا لعدد البنوك التي تقدر بـ (٣٠) بنكاً فهي كافية، لكن هناك مشكلة في عدد الفروع ويجب العمل على سد النقص عبر توسعة خدمات الصرف الآلي.
هل هناك حاجة لدمج البنوك؟
يجب أن يتم رفع رؤوس الأموال، إضافة إلى ذلك هناك مشكلة في البنوك ذات المساهمة العامة حيث لا تقوم بتوزيع أرباح جيدة، مما يعني أن الاتجاه للاستثمار غير جاذب، بجانب ذلك فإن نسبة التعثر عالية بسبب التطبيقات الخاطئة التي تمت للصيغ الإسلامية، ويجب توفير ضمانات كافية وفي السابق كانت الضمانات ضعيفة وبعض الضمانات لا تتجاوز (٥%) من قيمة القروض.
هل ضعف الضمانات يؤدي إلى الفساد؟
فعلاً، هذا سبب رئيس في الفساد، بالإضافة إلى الشماعة الكبرى المتمثلة في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ففتح الباب على مصراعيه للفساد والتلاعب في عمليات سعر الصرف والتحويلات للتجارة الخارجية والواردات، وهذا ما جعل السودان لسنوات من أكبر الدول فساداً حسب تقرير منظمة الشفافية، ويتجلى الفساد في تخصيص مبالغ للدواء وغيرها وتتحكم (مافيا) في الاستيراد والتصدير ورفع الدولار وخفضه ونشطت هذه المافيا في التحكم في سعر الصرف بعد خروج البنوك، وأصبح هناك سوق موازٍ ضخم له إمكانيات خيالية يتحكم في سعر الصرف رفعاً وتخفيضاً فهم عبارة عن بنوك لهم مليارات الجنيهات ولهم غرف محصنة لحفظ الأموال.
كيف حال الأوضاع عقب الثورة؟
وبعد الثورة لم تحدث سيطرة على هؤلاء، بل تلجأ لهم الدولة إذا احتاجت إلى بترول أو دقيق أو قمح أو خلافه، وحتى محفظة الصادر والوارد التي تم إنشاؤها حديثاً تعمل بناءً على سعر الصرف المدار بواسطة السوق الموازي.
هل تقصد أن الحكومة تذهب لشراء الاحتياجات من الذين يسيطرون على السوق الموازي؟
هذا ما أراه، فلدينا (مافيا) أدوية وبترول وقمح ودقيق. وفيما يخص استيراد القمح ورغم أن سعر الطن يقدر بـ (١٧٠) دولاراً، فيَصِل الطن إلى (٣٠٠) دولار، ولا يدفع من يستوردونه جنيهاً واحداً، فكل الأموال من بنك السودان المركزي، وإضافة إلى ذلك هناك أشخاص معينون يحتكرون استيراد القمح وحتى البنك المركزي لا يقوم بإعطاء أشخاص آخرين فرصة الاستيراد فكل الحركة التجارية والصادرات والواردات عبارة عن فوضى.
ما هي رؤيتكم لحل مشكلات القطاع المصرفي؟
يجب التعامل بحسم مع أنشطة الظل التي تمددت والمتمثلة في شركات النظام البائد والشركات التي تتبع لجهات نظامية ومراجعة الفساد الموجود حيث توجد شخصيات حققت مكاسب خيالية بسبب خصخصة البنوك وبيع أسهمها وبيعها على الورق فقط.
ما هو تقييمكم لزيارة وزير الخزانة الأمريكي للسودان؟
الزيارة فرصة كبيرة وفتحت الباب على مصراعيه للتعاون، لكن يجب الحديث عن استراتيجية السودان لاستغلال هذه الفرصة.
للأسف ليست لدينا خطة واضحة للاستفادة من الفرصة التي بدأت بضمان تمويل ميسر يشمل الاستيراد والتصدير.
كيف يتم إصلاح البنوك؟
يجب أن تتم هيكلة البنوك وإعادة تأهيل الأفراد لمواكبة الأنظمة العالمية فحتى الوقت الراهن البنك المركزي لم يستفد من رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والفرص الأخرى، ولا يزال يعتمد على السوق الموازي، لذلك يجب أن يتحرَّك لبناء احتياطيات عبر ودائع، وإذا تم الحصول على ودائع بقيمة (١٠ -١١) مليار دولار، بالإضافة لمبلغ يعادل استيراد لمدة (٣) أشهر يقدر بـ (٢-٣) مليارات دولار، وإذا حقق البنك المركزي هذه الأرقام سيكون هو المتحكم في سعر الصرف، لكن للأسف النظام الذي يعمل هو نفس النظام السابق ويستمرون في القول إننا نعمل على سعر الصرف الحر المتاح.
ويبقى الحل إذا أراد البنك بناء احتياطات من خلال الاهتمام بإدارة النقد الأجنبي وإدارة عرض النقود والرقابة على الجهاز المصرفي والعمل على استيعاب أموال المغتربين داخل الجهاز المصرفي، وجب تشديد الرقابة فنحن فقدنا (٦٣) مليار دولار عبارة عن متراكمات بترول، وإذا فرضنا أن الدين الخارجي (٥٩) مليار دولار فيعني أن (١٢٢) مليار دولار ضاعت من السودان نتيجة التعاملات الخاصة بالتجارة الخارجية والتمويلات، فمثلاً عندما حولت إحدى شركات الاتصال تم تلاعب في تقديم الخدمة بالسودان بلغت التكلفة (١٠٥) ملايين دولار وذات الخدمة قدمت في اليمن بمبلغ (٣٥) مليون دولار، وتم ذلك بسبب الفساد والتدهور الموجود في النظام المصرفي، ومثال آخر الفساد الذي تم في تصدير الذهب والتضارب في الأسعار بين ما دون رسمياً وما كشفت عنه الدول التي تم التصدير إليها.
بالنظر لتراجع قيمة العملة المحلية أمام الأجنبية، كيف تتم السيطرة على تدهور الجنيه؟
أولاً يجب تغيير العملة فالتزوير كبير جداً وكذلك التهريب، فيما تنشط عمليات غسل الأموال، ولكن يجب الانتباه لما سيحدث حال الاتجاه لتغيير العملة، لأن الذين يعملون في مجال تبييض الأموال سيلجأون إلى إدخال العملات للجهاز المصرفي أو تحويلها إلى دولار وبالتالي سيتسببون في زيادة سعر الصرف، وحالياً توجد خدمات تساعد على تبييض الأموال تتمثل في خدمة بنكك.
وما هي إيجابيات تغيير العملة حال تم ذلك؟
بالنظر إلى إيجابيات تغيير العملة، فإن تغييرها يساعد على دخول العملات للجهاز المصرفي وخفض معدلات التضخم.
في رأيكم كيف يتم التحكم في التضخم؟
عبر التحكم في عرض النقود وأن تتم الطباعة وفقاً للقواعد، وعدم الالتزام بضوابط الطباعة والاستدانة ستؤدي إلى زيادة معدلات التضخم كما يجب السيطرة على الإنفاق الحكومي، وكلما زاد الانفاق زاد التضخم، وأسوأ قرار تم اتخاذه في عهد حكومة الثورة هو زيادة الأجور حيث عمل مضاعفة النقود عملا كثيراً وتسبب في ارتفاع الأسعار والتضخم. وهناك خلل آخر في أجهزة الدولة الاقتصادية هو الاعتماد على الدولة العميقة، خاصة في معاش الناس وكان الفشل حليفهم.
ما تقييمك لموازنة ٢٠٢١م؟
سأختصر حديثي وأقول إن أية ميزانية لا تعتمد على المشاركة الشعبية سيكتب لها الفشل، فنحن الآن لا نعرف أي سعر صرف اعتمدته هذه الميزانية وكل ما ينشر عنها هو عبارة عن تسريبات.