الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

الأزمة السودانية والتطورات الإقليمية والعالمية (29)

بقلم: حسين سعد

نستكمل في المحور الرابع والأربعون من سلسلة حلقاتنا التي نحاول من خلالها متابعة (الازمة السودانية والتطورات الاقليمية والعالمية والمحلية) ومتابعة الحضور الصيني في القارة السمراء، وتلفت تقارير اعلامية الي ان العلاقات الجيبوتية–الصينية، قديمة وضاربة في عمق التاريخ حيث تمتد جذورها لقرون من الزمــــــن، فقد كان الصينيون من أهم الشعوب التي اتصلت بالسواحل الشرقي لإفريقيامن خلال قوافل التجارة البحرية التي كانت تقصـــد هذه المنطقـــــة، وذلك لاعتبــــــارات اقتصادية وتجــــــــارية تتميــــــز بها السواحل الشرقي لإفريقيـــــا،وكان العامل التجـــــــاري وحداً من الأسباب المهمـــــة التي دفعت الصينيين– كغيرهم من الشعوب الآسيوية – لارتيادالسواحل الشرقي لإفريقيا وإقامة علاقات وطيـــــــدة مع سكان هذه المنطقــــةمنذ القدم،وبالرغم لما شهدته تلك الحقبـــة من تطورات بارزة في العلاقات التجارية بين الصيـــن وسكان الساحل الصـــــومالي، إلا أنها قد بدأت تتحول وتتغيــــــر تحت تأثيـــــــر عدد من العوامل منهـــــا؛الهجمات الحربية العنيفة التي تعرضت لها كثيــــــر من المدن والموانئ الصومالية، إبان الغزو البرتغالي لســــــــواحل الصومال عام 1499م، يضاف إلى ذلك حقيقـة جوهــــــرية أخرى تتصــــــل بالتغيرات السياسيــة والاقتصادية والعسكـــــــرية الواسعة المدى التي شهدتها المنطقة خلال حقبــــــة الاحتـــــــلال الأوروبي للقارة الإفريقيـــــة قبـــــل قرنين من الزمــــــان
وكـــــــــان أن ترتب على هذا التغيـــــيـر تقسيــــم الأراضي الصـــــــومالية إلى خمســـــة أقاليم وزعت بين بريطــــــانيا وإيطاليــا وفرنســــا، وفي عام 1884م، فرضت فرنســــــا سيطرتها الكاملة على إقليم الساحـــــل الصــــــومالي الذي استقــــــــل عام 1977م، وأصبــــح جمهـــــورية جيبــــــوتي.
إفتتاح السفارة..
بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين جمهورية جيبــــــــوتي والصين الشعبية في أواخـــــر السبعينات من القرن الماضي،عندما بادرت الصيـــن باعتراف الدولـــة الوليـــــدة وافتتاح سفارتها بجيبـــــــــوتي في 8 ينـــــاير 1979م، بينما ظلت الأخيــــرة تدير علاقاتها مع الصيـــن بنظام التمثيــــــل الدبلوماسي غير المقيــــــم إلى أن تم افتتاح أول سفارة لها في بكيــن عام 2001م
وفي بداية الثمانينـــات من القرن الماضي، تم تبادل الزيـارات على المستوى المسؤولين بين البلدين، إلى جانب عديد من الزيـــارات الفنية والتنسيقية، وقد لعبت هذه الزيارات دوراً مهماً في بناء العلاقات وتبادل الخبرات، فضـــــلاً عن تمويل الصين عددا من مشروعات الأشغال العامة في جيبــــوتي
وشهدت العلاقات بين البلدين تطوراً مستمراً خلال العقـــــود الأربعة الماضية، بيـــــد أن درجـــــة ومستـوى هذا التطور يتباين من فتـــرة زمنيــــة لأخــــــرى، وفقاً للظروف والمتغيـــــرات الدولية.
ومع وصـــــــول الرئيس إسماعيـل عمر جيله إلى سدة الحكم عام 1999م، توثقت علاقات جيبــــــوتي أكثر بالصين، ويرجـــع الفضـــــــل في ذلك إلى جملة من المتغيـــــرات أفضت إلى تصاعد اهتمــــام الصين بجيبـــــوتي، من أجــــــل حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقــــة وصــــون أمـــن وسلامة الصينيين الذين يشكلون القوى المحركة للاستراتيجية الصينية الجديدة،ولذلك تطورت العلاقات بصورة مضطردة بلغت ذروتهــــــا عام 2015م، ودخلت مرحلة جديدة بدأت تتبلور ملامحها عبر العديد من الأبعـــاد السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكـــــرية
وفي نوفمبر 2017م، اتفقت جيبــــــوتي والصين على رفــــــع مستوى العلاقات الثنائية بينهمــــا إلى شراكة استراتيجية، وصدر هـــــذا الإعلان عقب قمة رئاسية عقد في بكيــــن بين الرئيس الجيبــــــوتي إسماعيل عمر جيله ونظيره الصيني شي جين بينغ، ويعتبــــــر التعاون الاقتصــــــــادي أحد أهم المرتكزات التي تعتمد عليها العلاقات الجيبوتية الصينية، كما يمثـــــــــل سبباً أساسياً في تطور العلاقات وازدهارها إلى درجة عالية بآفاق بعيـــــدة لم تكن متوقعة بالســـــــرعة التي تمت بها، حيث لم تعد جيبــــــوتي بالنسبة للصين شريكاً اقتصادياً مهمـــــــاً فحسب، وإنما صارت بمثابة حجر الزاوية لمشـــــــروع “الحزام والطريق الصيني”، كما أصبحت جيبـــوتي بوابة لاستثمارات الصين الصاعدة في إفريقيـــــا، نسبة لموقعها الجيوستراتيجي الهام في المنطقة
العاقات العسكرية..
بدأت أولى بوادر العلاقات العسكــــــرية الجيبوتية الصينية في الظهــــــــوربالتزامن مع التحـــولات الكبـــرى في خارطة السياسة الدوليـة والإقليمية في بداية حقبة التسعينات من القرن العشــــرين، والتي كان لها تأثيـــــراتها البالغة على منطقـــة القرن الإفريقي،فكانت جيبــــــوتي تواجه خلال تلك الفتــــرة نزاع مسلح تقوده جبهــــة استعادة الوحدة والديمقراطية، وبالتالي كانت جيبوتي بحاجة الي الاسلحة لاسيما عقب أمتناع فرنسا التي كانت تعتبرها حليفا إستراتيجيا،توجهت قيادة جيبـــــــــوتي إلى الصيـــن لطلب المساعدة، والتي بدورها استجابت بشكل سريع ووفــــــرت لجيبوتي ما تحتاجه من الدعم، وهو الأمر الذي كان له تأثيـــــر واضح علي مجــريات الحرب وتغييـــــر موازين القوة على الأرض، ولهــــــذا تحرص جيبـــــــوتي على توسيـــع مجالات التعاون العسكــــري مع الصيــــــن، وتعتبره الأكثــــــر استراتيجية لحماية أمنها القومي وبناء قدراتها العسكــــرية والأمنية
وبدورها سعت الصين منذ ذلك الوقت المبكر إلى تقوية التعاون العسكري مع جيبـــــوتي، وهي تمكنت بالفعل من اختراق مناطق النفوذ الفرنسي التقليدي وأن تحل محـــــله،وفي مطلع 2015م، إجراء مباحثات مكثفة تخللتها العديد من الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، والتي أثمرت عن توقيـــع اتفاقية تعاون تسمح للصين بإقامة أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي.

العلاقات الصينية الافريقية..

يقول الاستاذ الجامعي والخبير الاستراتيجي الدكتور داؤود بابكر هارون في كتابه (الجغرافيا السياسية و الجيوبلوتكس) تعود العلاقات بين الصين وافريقيا الي اكثر من نصف قرن ففي ايطار اجواء الحرب البارده سائدات الصين خلال عقد التسعينات من القرن الماضي العديد من الحركات اليساريه في افريقيا في إطار سياساتها لنشر (الماويه) بعدها شهدت العلاقات فتوراً بين الجانبين امتدت منذ منتصف السبعينيات وحتي نهاية القرن العشرين

عادت العلاقات الصينيه الافريقيه للانتعاش خصوصاً بعد تأسيس منتدي التعاون بينهم العام ٢٠٠٠ والذي شكل اليه فعاله للحوار الجماعي وملتقي مهماً للتعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي،كما تبدي الصين اهتماما واضحا بمصادر الطاقه في هذه القاره فحاجتها تتزايد الي مصادر رخيصة للطاقه والمواد الخام لتحفظ علي مستوي النموئ في اقتصادها كذالك الخبراء يشيرون الي انه في عام ٢٠٤٥ ستعتمد الصين علي ٤٥ ٪ من استهلاكها للطاقه من مصادر خارجية،ويشير الدكتور هرون الي ان الاستراتيجية الصينية في افريقيا علي عدة محاور:)

أولا..الابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الافريقية التي تتعامل معها وتسعي الي تقديم صوره مغايره تتناسب مع مزاج القاده الافارقه فهم لا يخلطون الاقتصاد بالسياسة فهي دول اقتصادية بحته في تعاملها مع الدول الإفريقية

ثانيا..تقديم المساعدات بغير شروط لا تهم بالديموقراطية الحريات حقوق الإنسان كشرط لتقديم المساعدات

ثالثا..ملء الفراغ الاقتصادي الناشئ عن ابتعاد الدول الغربيه ومقاطعتها لبعض الدول الإفريقية( كحاله البترول السوداني)

رابعا..إنتهاج أسلوب الشراكة التنموية

خامسا..مساندة الصين للدول التي تعتبرها حليف اقتصادي لها في المحافل الدولية من منظور حماية مصالحها في تلك الدول ورغبتةً منها في تامين حلفائها في ميدان السياسه الدوليه لا سيما ان كانو من الدول المارقه وفقا للتعريف الامريكي في في كثير من الاحيان تستخدم حق النقض علي القرارات الدوليه في ما يخص حلفائها. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *