السبت, يوليو 27, 2024
مقالات

لماذا السودان العلماني الديمقراطي الفيدرالي هو أقل طموحات الإقليمين في أي تسوية سياسية ؟ (2-2)

بقلم: كومان سعيد

أستطيع القول  بثقة إن الوعي السياسي  الإثني في جبال النوبة تشكل وتبلور بصورة أكثر وضوحاً عند نشأة تنظيم كومولو في سبعينيات القرن الماضي. ومع تأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان؛ ففي السادس عشر من مايو ١٩٨٣ بزغ فجر مشروع السودان الجديد العلماني الديمقراطي الفيدرالي مصححاً كثيراً من المفاهيم والالتباسات الفكرية حول التمرد في جنوب السودان، مقدماً شرحاً كافياً عن طبيعة الصراع في السودان مفنداً ما كان يعرف بـ”مشكلة الجنوب” أو التحليل  السياسي القاصر الذي يستند على الدين في تعريف الصراع كصراع  ما بين الجنوب  “مسيحي” والشمال “المسلم”.

الطرح الشامل لمشكلة السودان وشمول رؤية مشروع السودان الجديد إضافة إلى شخصية دكتور جون قرنق السياسية الذكية والمحبوبة كانت كلها من العوامل المؤثرة جداً في انضمام تنظيم كومولو للحركة الشعبية في العام ١٩٨٤.

لم تلبّ اتفاقية نيفاشا في العام ٢٠٠٥ طموح أبناء الإقليمين في سودان علماني ديمقراطي حيث كانت مصممة لانفصال الجنوب ومناقشة قضايا الجنوب بشكل رئيسي.

الآن وبعد إسقاط نظام الحركة الإسلامية، وبدء التفاوض مع الحركة الشعبية في منبر جوبا، يبدو أن هناك قضايا أساسية هي محل خلاف الآن، وأهم هذه القضايا:

١. الوحدة العادلة القائمة على التعدد والتنوع والإرادة الحرة للشعوب السودانية.

ترفض الحكومة كل ما يتعلق بالإرادة الحرة للشعوب السودانية في تحديد مستقبلها السياسي، وبالتالي تعمل على فرض نفس العقلية القديمة التي تريد فرض الوحدة القسرية على الشعوب، ومبدأ الوحدة الطوعية القائم على الإرادة الحرة هو واحد من المرتكزات الأساسية للحركة الشعبية وبالتالي، فلا مجال للتنازل عنه، وهذا بكل تأكيد يهدد عملية السلام بشكل كبير جداً.

٢. إعمال وتطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة في جميع مؤسسات ومفاصل الدولة كـ: (التشريعات والقوانين – مناهج التربية والتعليم – الاقتصاد – توجهات الإعلام – السياسة الخارجية…إلخ).

وهذا المبدأ الآن محل خلاف، وهو بكل تأكيد جوهر دولة المواطنة حيث لا يمكن التأسيس لدولة مواطنة في ظل وجود التشريعات والقوانين التي تقوم على أساس ديني، وبالتالي تعمل على التمييز بين المواطنين على هذا الأساس.

٣. تفكيك المركزية القابضة، والتأسيس لنظام حكم لا مركزي حقيقي في السودان – كل السودان خلافاً للنظام الفيدرالي الذي تنادي به الحكومة الانتقالية.

لطالما كانت إشكالية السودان مرتبطة وبشكل مباشر بمركزية النظام السياسي القابضة، تفكيك هذه المركزية يعمل بشكل كبير في صالح التأسيس لمرحلة جديدة تقوم على الاستقلالية السياسية للأقاليم وتفعيل نظام الحكم المحلي، وبالتالي إشراك المجتمعات المحلية في حكم نفسها بنفسها، والعمل على تأسيس لثقافة الديمقراطية من خلال تمكين نظام الحكم المحلي؛ لذلك لا بد من نظام حكم لا مركزي حقيقي.

٤. إصلاح القطاع الأمنى كخطوة ضرورية لبناء جيش وطني واحد وموحد بعقيدة عسكرية وطنية ومهام جديدة يجب أن تسبق تنفيذ الترتيبات الأمنية.

وهذه النقطة هي محل خلاف كبير جداً، نسبة لوجود أكثر من جيش واحد في الساحة السياسية الحالية؛ إلا أن أكبر مهدد لنسف مفاوضات السلام الجارية الآن في جوبا هو رفض قائد قوات الدعم السريع دمج قواتة في الجيش  وتأسيس قوة عسكرية بعقيدة وطنية. وهذا لا يُعتبر مؤشراً جيداً في ظل وجود اكثر من حركة مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام.

ستحمل الأيام القادمة الكثير الذي من شأنه تغيير الخارطة السياسية، فهل سينتصر السلام ونكتب أخيراً نهاية للحرب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *