مقترح قانون مشروع الجزيرة 2021 وحقيقة موقف مجلس الإدارة!
بقلم: الصديق عبد الهادي (*)
الجزء الثاني
(1)
لم تنجح محاولة بعض أعضاء مجلس الإدارة في تمرير مقترح القانون بدون أن تتم مناقشته وكما ينبغي في جلسة خاصة بذلك. وكما بينَّا الطريقة المريبة التي تعاملت بها اللجنة المكلفة مع أعضاء المجلس الذين حضروا ذلك الاجتماع الطارئ حيث أطلعتهم على نسخة من مقترح القانون ولأول مرة وعلى أن تتم مناقشته في نفس الاجتماع ومن ثم تمَّ، في نهاية الاجتماع، جمع النسخة التي وزعت لهم!. ذلك السلوك المعيب وغير المهني من قبل اللجنة المكلفة وقبول أولئك الأعضاء لذلك التعامل المهين مثَّل أول هزيمة لمبدأ المشاركة الحرة في الحوار حول مقترح قانون 2021، الذي أوضحته ونادت به وثيقة السياسات العامة التي أجازها المجلس. ليس ذلك وحسب وإنما تمَّ خرق مبدأ وقرار آخر إتخذه المجلس في أول اجتماع له، وهو ألا تتم مناقشة أي وثيقة ومهما بلغت من الأهمية قبل ان يتم توزيعها وقبل وقت كافي ومن ثمَ التأكد من إطلاع الأعضاء عليها. وقد حدث أن رفضتُ كرئيس لمجلس الإدارة عرض عدد من الوثائق للتداول في إجتماع المجلس في نفس يوم إيداعها داخل المجلس. صاغ المجلس وفي لغة صارمة وواضحة ورصينة الحجج التي بنى عليها ذلك القرار. ففي قبولهم لتمرير مقترح القانون وبتلك الطريقة لم يلتزم أولئك الأعضاء بذلك القرار، بل وضربوا به عرض الحائط!. وهنا لابد من الإشارة إلى أن ذلك الاجتماع الطارئ تمت الدعوة إليه في شهر رمضان وهو الشهر الذي قرر وإتفق فيه أعضاء المجلس على ألا يكون هناك اجتماع! وقد كان ذلك هو السبب وراء عدم حضور بعض الأعضاء لذلك الاجتماع الطارئ ومن بينهم شخصي لظروف سفري بعد قرار المجلس إياه.
(2)
كنت حريصاً على الإشتراك في الفعاليتين التي عقدتهما اللجنة القانونية المكلفة في كل من مدينة المناقل ومدينة ود مدني، ولقد ذكرت بان هذين اللقاءين اليتيمين لم يستوفيا شرط المشورة مع أصحاب المصلحة الحقيقيين. ولكن بعد التطورات اللاحقة ومحاولة إيداع مقترح مشروع القانون وبتلك الطريقة الجزافية قمت بالإتصال بمعظم التنظيمات التي لها وجود وسط المزارعين والعاملين في المشروع، وكذلك إتصلتُ بالأفراد ما كان لذلك سبيلا، هذا بالإضافة للاتصال باللجنتين اللتين تمثلان أصحاب الملك الحر. وقد أدرتُ معهم، كرئيس لمجلس الإدارة، حواراتٍ مطولة، حول مقترح القانون وسلمتهم جميعاً نسخاً منه، كاسراً بذلك الطوق الذي حاولت اللجنة القانونية ان تضربه حول مقترح القانون. وقد تمخضتْ تلك الحوارات عن آراءٍ وتعديلات مهمة، سأعرض لبعضها في نهاية هذا المقال.
ولأجل إيقاف ذلك المسعى الخطر المتمثل في محاولة إيداع مقترح القانون على طاولة مجلس الوزراء وبدون أن يشارك اهل المشروع في صياغته قمت وكرئيس لمجلس الإدارة بلقاء السيد وزير الزراعة، الدكتور الطاهر حربي، وأبنت له الخطورة التي ينطوي عليها تعامل اللجنة القانونية المكلفة وبعض أعضاء مجلس الإدارة فيما يتعلق بمقترح القانون ومن ثم سلمته نسخة من مقترح التعديلات، وهي تعديلات جوهرية. وكذلك التقيت برئيس اللجنة الفنية المسئولة من إيداع مقترح القانون طاولة التداول في مجلس الوزراء، وهو وكيل وزارة المالية، السيد عبد الله إبراهيم علي. ثم أنني إلتقيت السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك وأوضحت له الإستخفاف الذي تم التعامل به في شأن مقترح قانون مشروع الجزيرة 2021. وقد وعد وبوضوح بأنه لن يتجاوز أهل المصلحة، ومهما يكن.
(3)
تقصير رئيس مجلس الإدارة، وإعتذار/
من جانبي لم أكن في حاجة لبذل كل ذلك المجهود لاجل اللقاء بكل هؤلاء المسئولين لوقف محاولة الدفع بمقترح القانون لأجل إجازته بواسطة مجلس الوزراء قبل إطلاع الناس عليه. وبالفعل لم أكن في حاجة للقيام بكل ذلك لكي يستقيم الأمر. كان عليًّ أن أذهب فقط حتى النهاية فيما بدأته من لقاءاتٍ مع أهل المصلحة الحقيقيين. ولقد أخطأت التقدير حين إكتفيت بتلك اللقاءات التي شملت بعض التنظيمات ذات الوجود بين المزارعين بالرغم من قناعتي بأن تلك التنظيمات لا تمثل كل المزارعين وإن علا صوتها، وسما تجويد عملها وسط منْ تمثلهم. فالغالبية العظمى من المزارعين موجودون خارج تلك التنظيمات بالرغم من فعاليتها وحراكها الظاهرين. وأخطأت التقدير كذلك حين إكتفيتُ بكتابة المقالات وبإصدار التصريحات معتقداً بأنها كافية وستصل إلى الناس. كان من المفترض أن أضع الأمر بين يدي كافة اهل المصلحة من المزارعين والعاملين في المشروع، وبشكل مباشر. وقد كان ذلك واجباً لازم الإنتباه إليه ولازم التنفيذ. واجبٌ لا تعفيني عنه حقيقة أنه كان هناك ممثلون للمزارعين، حيث كان منوطٌ بهم التمسك بضرورة المشاركة الكاملة في التداول حول مقترح القانون بواسطة المزارعين الذين يمثلونهم، وذلك عوضاً عن المشاركة الجزئية والضعيفة التي أدارتها اللجنة المكلفة. إنني نادم على سوء التقدير ذلك، وعليه فإنني أعتذر لكل أصحاب المصلحة وخاصة المزارعين عن هذا التقصير الذي لم يكن مقصوداً. فإنني الآن أكثر قناعة لو أنني وضعت الأمر بين أيدي المزارعين ومن ثمَّ تمَّ فتح الحوار العلني جهاراً نهاراً لكان أن إرعوت اللجنة المكلفة ولثاب مجلس الإدارة وتحمل مسئوليته وكما ينبغي.
إنني أكرر أسفي وأعتذاري عن خطأٍ لا تنتقص من مرارة الإحساس به حقيقة أن مقترح القانون لم يصل للجهات المعنية ولم يُبت فيه أبداً.
إن الحقيقة التي أود تأكيدها هي أن مجلس إدارة مشروع الجزيرة لم يناقش مقترح القانون ولم يصدر رأياً موحداً حوله، أبداً. وأقول بأنه لا يمكن لكائن منْ كان أن يدعي بغير ذلك. إني أعتبر أن مقترح قانون 2021 في ذمة التاريخ الآن، بالرغم من المجهود التي بذلته اللجنة المكلفة، التي أجهضتْ مجهودها ذاك بتنكبها الطريق، ومن ثم بعدم إشراكها لأهل المصلحة المشاركة المتوقعة والمرجوة.
(4)
أعتقد أنه لا يضير شيئاً ان أعرض فقط للآراء والتعديلات التي تمَّ طرحها ولأول مرة في تاريخ قانون مشروع الجزيرة، وهي آراء إستدعتها التطورات والمتغيرات التي طرأت على الحياة عموماً وعلى مشروع الجزيرة بوجهٍ أخص. وإنني لآمل في أن تؤخذ هذه التعديلات المستحدثة في الإعتبار في مقترح أي قانون قادم يخص مشروع الجزيرة، وهي/
(*) أن يتم توضيح معنى وأهمية المفاهيم الأساسية في صلب القانون، ومثال ذلك مفهوما الإنتاج والإنتاجية.
(*) أن يدار المشروع على أساس مفهوم العائد المجزئ لكل أطرافه وليس على أساس خيري.
(*) إنه، ولأجل حماية حقوق الملكية أن تخضع الأرض في مشروع الجزيرة لقوانين حماية الأرض المجازة بواسطة الأمم المتحدة، وخاصة تحت إعلان الامم المتحدة الخاص بحماية “حقوق السكان الأصليين”
(Declaration on the Rights of Indigenous People),(DRIP)، والمجاز في 13 سبتمبر 2007. وذلك درءاً لخطر التغول بواسطة أي سلطات وأي جهات كما حدث في ظل النظام البائد الذي كاد أن يبيع أرض المشروع.
(*) إنه، وإلتزاماً بالقناعات التي نتجت عن تجربة التحولات الاجتماعية المتلاحقة خلال المئة عام الماضية من عمر المشروع، وإعترافاً بدور المرأة كمالكة ومزارعة ((17500 مزارعة ومالكة من مجموع 13 ألف مزارع، أي 13.5% تقريباً)) أن يُنص على تمثيل المرأة في مؤسسات المشروع وخاصة مجلس الإدارة وإتحاد المزارعين. (مقتطف من السياسات العامة التي أجازها مجلس الإدارة).
(*) وبما أن مشروع الجزيرة هو المصدر الاقتصادي الوحيد لأهل الجزيرة أن ينص على نسبة محددة من العمالة للأبناء والبنات من أهل المشروع. (مقتطف من السياسات العامة التي أجازها مجلس الإدارة).
(*) أن تكون كل المؤسسات الاقتصادية المزمع تأسيسها، مثل شركة التأمين وغيرها، تحت سلطات مجلس الإدارة بالمشروع.
(*) أن يتم النص على إستحداث وتأسيس نظام ضمان إجتماعي للمزارع وأفراد أسرته حتى يتقاعد المزارع في كرامة.
(*) أن يتم النص بوضوح على كل إلتزامات الدولة تجاه المشروع، (بالوجوب وليس بصيغة أن تعمل)، لأن الصياغات التي دُرج عليها في معظم القوانين السابقة هي صياغات غامضة وملتبسة.
(*) ان يتم النص صراحة على مسئولية مجلس الإدارة في حماية أرض المشروع والحفاظ عليها. (مقتطف من السياسات العامة التي أجازها مجلس الإدارة).
(*) أن يتم النص صراحة على الا تتدخل إدارة المشروع، ولا بأي شكل من الأشكال، في العمل النقابي الخاص بالعاملين او بالمزارعين في المشروع.
(*) ان تتم الإشارة صراحةً في النص وليس ضمناً إلى مسئولية الإدارة عن مهمة “رفع الكفاءات”
(Capacity Building) بالنسبة للعاملين في المشروع بإعتبار أن رفع الكفاءات هو حجر زاوية تطور وترقية المشروع. (مقتطف من السياسات العامة التي أجازها مجلس الإدارة).
(5)
خاتمــــــــــة/
في إعتقادي، وهذا ما ظللت أردده وبإستمرار، أن مجلس إدارة مشروع الجزيرة هو وبكل تأكيد يمثل أهم مجلس في البلاد بعد مجلس الوزراء. وذلك مما يضع العظيم من المسئولية على عاتق شاغليه. وهي مسئولية يتطلب حملها توفر مواصفات قيادية نوعية وليس مواصفات إدارية تقليدية، وكذلك يتطلب القيام بها التمتع بقدرات متميزة في بحث القضايا ومعالجتها. كما أنه وبالضرورة لابد ومن الجانب الآخر أن يتم تطوير لمهام المجلس، وذلك بإعطاء سلطات أوسع له وبمنحه إستقلالاً حقيقياً مقترناً ومتكاملاً مع إستقلالٍ أوسع وحقيقي للمشروع نفسه بإعتباره الوحدة الاقتصادية الأكبر في البلاد وبدون منازع. وكمثال لتوسيع سلطات المجلس هو أن يقوم المجلس بتعيين أعضاء أي لجنة مكلفة بوضع أو بتعديل قانون مشروع الجزيرة، وبأن تكون مسئولة لديه، أي لدى مجلس الإدارة، مع إخطار وزير الزراعة والطلب منه فقط إيداع مخرجاتها على طاولة مجلس الوزراء وكذلك الجهات المختصة بإجازة القوانين. فمشروع الجزيرة ولمكانته التي يحتلها في تركيبة وبنية الاقتصاد السوداني يستحق، بل ولا أقل من أن يحظى بمجلس بتلك المواصفات.
إنه، ومن ضمن الختام لا يفوتني أن أشير إلى أن التعامل مع مقترح قانون 2021 كان أحد محطات الصراع داخل مجلس الإدارة. صراعٌ لابد من الإقرار به، وبحقيقة أنه كان يجري علناً أحياناً وأحياناً تحت السطح. كل ذلك كان متوقعاً، فهو صراعٌ قائمٌ على أرضية إختلاف فهم كل منا لموضوع المصالح، أي “مصالح منْ؟” وموقفنا من الدفاع عنها، أي الدفاع عن “مصالح منْ؟”!. لقد كان لذلك الصراع أثره الواضح وتأثيره في مجرى أعمال المجلس. وبالقطع سيأتي وقت تناول كامل التجربة مستقبلاً، بسلبياتها وإيجابياتها معاً، وبكل الشفافية المطلوبة.
وفي الختام، أقول أنه قد جاء الوقت الآن، فعلى المزارعين والعاملين في المشروع بأن يأخذوا بزمام المبادرة وأن يطالبوا بلجنة جديدة لصياغة مقترح بديل وجديد لقانون مشروع الجزيرة. وعلى أن تكون اللجنة المكلفة ملتزمة بفتح الحوار مع كل أطراف المشروع وكافة أصحاب المصلحة حول المقترح الجديد على طول الطريق من بداية عملها وإلى نهاية تكليفها، وعلى أن تتجنب التمترس خلف الأبواب الموصدة في أدائها لمهمتها.
….
(*) رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة.