الأربعاء, نوفمبر 20, 2024
حواراتسياسة

المحامي معتز المدني: الانضمام للجنائية يضمن عدم إفلات القادة من العقاب

حوار: عازة أبو عوف

اعتبر المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان معتز المدني، أن قرار المصادقة على ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية خطوة في الاتجاه الصحيح لتحقيق العدالة في السودان.

وقال المدني، في حوار مع (مدنية نيوز)، إن الانضمام لميثاق روما يضمن عدم إفلات القادة والرؤساء مستقبلاً من العقاب ويحقق عدم انتفاع مرتكبي الجرائم من مبدأ تقادمها، بالإضافة إلى أنه يلبي طموح ورغبات المجني عليهم من القبائل التي طالتها الجرائم، وتوقع أن تحدث عراقيل في طريق الانضمام للميثاق من قبل الجانب العسكري بحجة السيادة الوطنية وعدم تسليم سودانيين.

وتحدث المدني، باستفاضة عن أسباب تأخر العدالة وفوائد الانضمام لميثاق روما في الحوار التالي:

ما هي أسباب تأخر تحقيق العدالة في السودان؟

لا شك أن أي تحول ديمقراطي يتم عبر طرق أساسية تتمثل أولاً في التحول الذي يتم بواسطة ثورة شعبية كاسحة تزيل النظام الشمولي تماماً وتكون وسائل العدالة فيه محاكم الطوارئ ومحاكم التفتيش، ثم يأتي التحول الثاني عبر النظام الاستبدادي نفسه، ويحدث له تحول كما حدث في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية التي حدث فيها تغيير وارتضت بالانتخابات والديمقراطية ويكون النظام في هذا التحول مستعد لتحمل المسؤولية كاملة، أما الطريق الثالث للتحول الديمقراطي هو التحول عبر التسوية السياسية كما حدث في السودان بين المكون العسكري الذي نعتبره امتداداً للنظام القمعي القديم سواء كان ممثلاً للمجلس العسكري أو قوات الدعم السريع والطرف الثاني من التسوية قوى الحرية والتغيير والثوار، للأسف الشديد دائماً في هذه التسوية تكون الغلبة لصالح القوة العسكرية لاعتبار أنها أكثر انضباطاً وأكثر تنظيماً وخبرة وتغلغلاً في مسام الدولة السودانية، هذا بجانب الطرف الثاني للتسوية (قوى الحرية والتغيير) الذي يتكون من أحزاب ضعيفة وانتهت دورتها في الحياة العامة وجزء كبير منها تساقط تاريخياً، وكل هذه العوامل أثرت تأثيراً كبيراً على مسألة العدالة.

هل تعتبر أن المكون العسكري أعاق طريق تحديد العدالة؟

القوة العسكرية والقوة الاستبدادية القديمة في التسوية السياسية تشكل عقبات أمام المسائل المتعلقة بالعدالة، وبالتالي أثرت تأثيراً سلبياً في مسار العدالة كمحاولة للإفلات من العقاب لأن تحقيق العدالة بالنسبة لهم يعتبر مشكلة كبيرة وتأتي محاولة إعاقة تحقيق العدالة على شكل الهشاشة الأمنية وعرقلة المحاسبة العدلية، وتكون عبر وضع عقبات أمام كل التحولات المدنية للحقوق السياسية.

ولا شك أن تعثر العدالة يجعل هناك تغييباً للأجهزة العدلية وشللاً في المنظومة العدلية، والملاحظ هناك غياب في المفوضيات ورئاسة القضاء ومجلس النيابات والمحكمة الدستورية والمجلس التشريعي، وفي الوقت نفسه هذه القوى العسكرية تساهم مساهمة كبيرة في مناهضة لجان التحقيق ولجان مكافحة الفساد وحتى الآن المؤسسة العسكرية تساهم في عدم هيكلة الأمن والشرطة، وهذا ما ذهب بنا إلى فراغ أمني ظهر جلياً في دارفور وبورتسودان والخرطوم، بالإضافة لمحاولة عدم الانسجام مع المجتمع العدلي الدولي وحدوث تلكؤ في الانضمام للمحكمة الجنائية، والوقوف ضد تفكيك وإزالة التمكين التشريعي عبر عرقلة إجازة القوانين مثالاً قبول التوقيع على (سيداو) بعد وضع تحفظات عليها، وهذا ما أدى إلى بطء وتأخير العدالة.

ألا تعتقد أن الجانب المدني في الحكومة الانتقالية أيضاً ساهم في تأخير العدالة؟

يجب أن أشير إلى أن سبب الخلل يرجع لعدة أسباب أبرزها أن بعض الأحزاب لها ارتباط بالنظام الشمولي القديم، وأخرى ليس لديها أي كوادر بشرية وتفتقد لسند جماهير الثورة، ولمعالجة ذلك يجب أن تكون هناك أحزاب ديمقراطية حديثة لا تقوم على الطائفية والأسس الدينية والقبلية، وأدى كل هذا لاستقطاب حاد ولتشوهات في مسألة العدالة.

وهناك معوقات أخرى تتمثل في ضعف الوثيقة الدستورية وما يتعلق بالاتفاقيات التي نسفت جزءاً كبيراً من الوثيقة، وأصبحت أعلى منها (اتفاقية جوبا) التي تسمو على الوثيقة الدستورية في حالة التعارض.

وهناك جانب آخر يعتبر رأس الرمح في تأخير العدالة هو أن الأجهزة العدلية تسيطر عليها في المقاعد الخلفية كوادر النظام المتسلط القديم بما في ذلك النيابة والقضاء، بالإضافة إلى أن هناك سيطرة كاملة للعناصر القديمة كسيطرة نادي النيابة على بعض المفاصل في النيابة العامة.

ما هي فوائد التوقيع على ميثاق روما؟

بالفعل هناك خطوات إيجابية في اتجاه الانضمام لميثاق روما، حيث صدر قانون من وزارة العدل وتمت الموافقة عليه من جانب الشق المدني ممثلاً في مجلس الوزراء، وهناك خطوة ناقصة يجب إصدار المصادقة في اجتماع مشترك بين مجلس الوزراء والمجلس السيادي ومن ثم إيداعها منضدة الدول الأعضاء ليصبح السودان عضواً في ميثاق روما ويتم بذلك خضوعه لمظلة محكمة الجنايات الدولية، وتتم بذلك عودة السودان للعدالة الدولية واحترام السودان لسيادة القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي، ثم يتحقق عدم إفلات القادة والرؤساء مستقبلاً من العقاب، ويتحقق للسودان عدم انتفاع مرتكبي الجرائم من مبدأ التقادم في الجرائم، وتلبية طموح ورغبات المجني عليهم من القبائل التي طالتها الجرائم، بجانب إمكانية التحقيق في أية جرائم مستقبلاً تحت بند المقبولية في المحكمة الدولية، كما سيتمتّع السودان بالتعاون الدولي عبر الانتفاع من كل المنظمات التابعة للأمم المتحدة.

في إطار حديثك عن أن المكون العسكري يعتبر امتداداً للنظام المخلوع عبر ثورة ديسمبر، ألا تتوقع عرقلة الانضمام للميثاق في المجلس السيادي؟

متوقع أن تحدث عراقيل في طريق الانضمام للميثاق بحجة السيادة الوطنية وعدم تسليم سودانيين، وظهرت نفس الشعارات القديمة التي قد تخلق متاريس مع الشق العسكري، لكن هناك عوامل ضغط أخرى تحول دون تنفيذ رغبات المكون العسكري تتمثل في أسر الشهداء والضغط الشعبي ومنظمات المجتمع المدني، ونتيجة لهذا الضغط سيوافقون على الانضمام لميثاق روما وهم صاغرون.

هل تعتقد أن المنظومة العدلية في السودان غير قادرة على تحقيق العدالة؟

المنظومة العدلية حالياً مرتبكة ارتباكاً كاملاً لافتقارها الجانب التكويني في ظل غياب مجلس القضاء العالي، وغياب رئيس للقضاء، وغياب مجلس النيابة الأعلى، حيث ما يزال النائب العام مكلفاً وليس رئيساً مختاراً.

هناك اتجاه من أسر شهداء ثورة ديسمبر لرفع قضية مجزرة فض الاعتصام للمحكمة الجنائية الدولية، مارأيك؟

هناك اتجاه إذا تمت المصادقة وأصبح السودان عضواً بالمحكمة فهناك بنود تتحدث عن أن الدولة إذا وافقت من مبدأ المقبولية وكلفت المدعي العام أن يحقق فيها فيمكن أن يتم ذلك بالتكامل مع اللجنة المستقلة للتحقيق في مجزرة القيادة العامة، من ناحية فنية يمكن للمحكمة الجنائية إذا وافق السودان بعد العضوية أن تنظر في قضية فض الاعتصام بمبدأ المقبولية مع اللجنة المحلية لأن السلطات السودانية ستكون وقتها راغبة في الوصول إلى نتائج.

في رأيك ما هي أسباب إنشاء مكتب للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في السودان؟

المحكمة الجنائية لديها احتياجات كثيرة في مسألة جلب الشهود وحماية الشهود وبعض المراجعات الميدانية واستدعاء الشهود من منطقة دارفور، خاصة في قضية علي كوشيب، ووجود عدد كبير من الشهود لذلك تحتم وجود مقر يمكنها من القيام بالتنسيق مع الأجهزة السودانية والقضاء السوداني في ترحيل الشهود والحصول على بينات وغيرها من المسائل المتعلقة بالشرطة المحلية.

ما تعليقك على قرار تسليم المتهمين للمحكمة الجنائية؟

 من خلال الفدرالية العالمية فيما يتعلق بالجرائم التي تهز الأمة أصبح لا مجال لما يسمى الاختصاص المحلي والدولي، وفي الوقت نفسه لا بد من احترام القرارات الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأصبح هناك القانون الدولي الإنساني وكل هذه مفاهيم تأسيسية جديدة تنكمش فيها السيادة الوطنية، وأصبحت الدول مقيّدة بأحكام القانون الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان وجرائم الإبادة الجماعية، لذلك تسليم المتهمين ليس فيه مساس بالسيادة الوطنية.

ما هو تعليقك على من يعتبرون أن تسليم المتهمين خطوة في طريق تحقيق العدالة؟

نعم القرار خطوة في الاتجاه الصحيح للعدالة الانتقالية بشكل ممتاز وتسليمهم يحقق مكاسب كثيرة أبرزها تحقيق رغبات الضحايا، وما يجدر ذكره أن قائمة المطلوبين قابلة للتوسع، وقد تشمل كل الذين كانوا لهم مسؤوليات إبّان ارتكاب كل الجرائم، من في الحكومة والذين لهم مسؤوليات ميدانية وقت ارتكاب هذه الجرائم قد تطالهم القائمة.

ما هو تقديركم لما يمكن أن يساهم فيه وجود مكتب للمدعي العام بالسودان في إنجاح الفترة الانتقالية؟

في ظل الهشاشة الأمنية الحالية سيكون التوقيع على ميثاق روما وإنشاء مكتب بالخرطوم يتبع للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بمثابة ترياق ضد أية سموم وانفجارات أمنية أو أية انتهاكات لحقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *