تأبين القدال.. رؤى نقدية ومواكب وهتافات ثورية
الخرطوم: آيات مبارك
وسط هتافات ثورة ديسمبر المجيدة وأشعار (القدال) افتتحت بقاعة الصداقة بالخرطوم أمس، احتفالية تأبين الشاعر محمد طه القدال، باستقبال لأهله من قرية حليوة بولاية الجزيرة، ثم تلى ذلك افتتاح معارض الورّاقين والصور الفوتوغرافية وتوقيعات على دفتر الحضور وسط حضور جماهيري كبير، أعقبت ذلك جلسات وقراءات نقدية.
الجلسة الأولى التي كانت افتتاحيتها عبر ورقة بعنوان (حرفية الألفاظ ونظمها وأدائها عند القدال) من تقديم محمد الفاتح أبوعاقلة، وتعقيب د. مزمل حسن يُوسُف، وكانت الجلسة برئاسة سارة حمزة الجاك.
دور البيئة
ووصف أبوعاقلة، دور البيئة بالكبير في حياة القدال، وقال إنه عمل على تنميتها بشغف معرفي عميق انطلاقاً من منزع إنساني واضح، وإن وجوده داخل ولاية الجزيرة ومتاخمتها لسهول البطانة وشمال كردفان عبر هذه الوسطية ذات المعارف المتعددة جعلت منه إنساناً مختلفاً، من خلال عشقه لأصوات الشعر في سهول البطانة وتعلقه بالحردلو وشغبة المرغاومبية وعكير الدامر.
وأضاف أن ما ساعد على تفرد لونية القدال الشعرية حفظه لجياد الشعر العربي وتغذية وجدانه بأمزجة مختلفة وأصوات متناغمة مثل أنغام كردفان و(لساني السافل والبطانة)، إضافة إلى لغة الشام والخليج، وبراعته في استخدام آلة العود وغنائه لأشعار امرؤ القيس.
وأكد أبوعاقلة، أن انتخاب الأصوات ببراعة داخل ذهنية القدال والتي وقف عليها ما بين الألفاظ والمعاني كالألفاظ التي يوجد معناها في داخلها وتوظيفها عبر الرنين والجرس الموسيقي مثل استخدامه لـ(حرف الشين) و(حرف النون) جعلت اللونية الشعرية ذات أبعاد عميقة داخل ذهن المتلقي.
وأشار أبوعاقلة، إلى أن تكامل العناصر عند القدال واستخدام اللفظ وإضافته وخلطه ثم الجرس الصوتي وانتخابه لا تتوفر الإ عند قلة من الشعراء، واستخدامه لعدد من المفردات مثل مفردة (هباعي) والذي يعد لفظاً عربياً فصيحاً والتي استخدمها القدال بذكاء ومفردة (الريقة) (محويب الصبر) (هوو لبلب) والعمل من خلالهما بحرفية عالية، ثم وقف عند وروده مع التناص ثم توظيف الانزياح الدلالي بمعنى أن يذهب بالنص إلى معنى غير الذي يعرفه الناس.
وتحدث أبوعاقلة أيضاً، عن توظيف القدال للأمثال الشعبية ذات الدلالة العميقة مثل: (الممطورة ما بتبالي من الرش)، وأبان أن ما ساعده على ذلك هو معرفته بالمكون المحلي ومضامين مجتمعه.
وختم أبو عاقلة، حديثه بالإشارة إلى نصوص القدال ودوره الواضح في إنزال خطاب الخاصة إلى العامة عبر مضامين وصفها بالعالية جداً.
ومن جانبه عقّب د. مزمل محمد حسن، على تلك الورقة وتحدث عن دور ولاية الجزيرة و(قرية حليوة) التي شبهها بـ(نول الحياكة)، وقال إنها عبارة منسج لإنتاج المبدعين، باعتبارها مستودعاً كبيراً للمعارف الثقافية، ولفت إلى أن الموروث الديني في القرى المجاورة كـ (أبوحراز) و(ود الفادني) أسهم كثيراً في شعرية القدال.
وذكر مزمل، أن القدال استطاع تحويل المكان الضيق، وأشار إلى قرية حليوة وتحويلها إلى مكان مفتوح ثم العمل على تحويلها رمزاً يمشي بين الناس، مستنطقاً من خلال ذلك توابعها اللغوية مثل كلمة الحدب والصعيد واستدعاء لوازمها وحيواتها الممعنة في التقليدية.
زغرودة الواحدة
وفي تمام الواحدة انطلقت أصوات (الزغاريد) من (الكنداكات) داخل القاعة وهتافات الشباب لإحياء ذكرى الثورة السودانية المجيدة، استدعاء لـ (زغرودة) مواكب ثورة ديسمبر، وعقب ذلك تم عزف موسيقى من (أوركسترا) (التبر) بقيادة الموسيقار كمال يُوسُف، مع خلفيات شعرية بصوت الراحل القدال.
ثم تحدث شقيقه الشاعر، عبدالإله طه القدال، الذي حكى عن القدال إنسان القرية الشقيق الأكبر، وأكد تقديرهم لجهود القائمين على أمر التابين، وقال: (أعظم ورثة تركها لنا القدال هي حب الناس).
الجلسة الثانية
وانطلقت الجلسة الثانية التي ترأستها أماني أبوسليم، وابتدرت الجلسة بورقة بعنوان (التقنيات المعمارية في شعرية محمد طه القدال – مسدار أبو السرة لليانكي نموذجاً) من تقديم عادل سعد يوسف، وتعقيب الحسن عبد العزيز.
واعتمد عادل سعد، على (4) تقنيات محاولاً من خلالها خلق إطار نقدي لنص القدال بالاعتماد على (مسدار أبو السرة)، ووصف من خلالها تنبؤ القدال لتحولات اللغة وإدراكه لها والذي أتاح مستوى انتقال سلس دون الشعور بقلق أو إحساس بالربط أو اختلال في البناء النصي، والمضي في الكثير من الألسن دون الشعور بالفروقات، ثم ارتكز تصوره على النص الشعري العامي الذي اعتمد على نظرة موسعة جداً، ولفت فيها إلى مقدرة القدال على المضي كثيراً في أخذ المضامين الشفاهية من خلال انتقاء الكلمات.
نهارية المواكب
وعقب ذلك شهدت القاعة دخول مواكب لجان المقاومة والجماعات الثقافية التي تحركت من ساحة الشهداء بالخرطوم صوب الساحة الشِّمالية لقاعة الصداقة، والمشاركون فيها يهتفون بشعارات الثورة وبأشعار الراحل المقيم محمد طه القدال داخل باحات قاعة الصداقة.
بيت العود وقراءات شعرية
وافتتحت الفترة المسائية بمشاركة (أوكسترا) مكونة من (٣٥) عازفاً وعازفة من بيت العود بالخرطوم، تحت إشراف الموسيقار العالمي نصير شمة.
وتلت ذلك قراءات شعرية لأكثر من (12) شاعراً من مختلف الأجيال (أزهري محمد علي، قاسم أبوزيد، عبد القادر الكتيابي، سميرة البلوي، إيمان متوكل، بابكر الوسيلة، حاتم الكناني).
خارج السودان
ولم تنحصر احتفالات تأبين القدال داخل السودان فقط، فقد احتفلت بها عدد من الجاليات بالعواصم المختلفة (باريس، الدوحة وكندا)، ووقف كل شعراء العالم والسودان في تلك الفعاليات تقديراً ومحبة لروح (القدال).