آن لوزارة المالية أن تكف أذاها عن مشروع الجزيرة (2-2)
بقلم: الصديق عبد الهادي
من قرائن الأحداث وتتابعها يظهر جلياً مدى محدودية المعرفة المتوفرة لدى السيد وزير المالية فيما يخص مشروع الجزيرة وما ينطوي عليه ذلك المشروع من تعقيدات كبيرة ومركبة. وهي تعقيدات تجعل من الصعب تماماً التعامل معها بعقلية لوردات الحروب. تلك العقلية التي تنزع دائماً إلى ضروبٍ من التفكير الذي لا يرى أبعد من “الغنيمة”، بل وقل التفكير المعوج، مثل ذلك الذي إنعكس وبوضوح في محاولة السيد وزير المالية توظيفه لمقدرات مشروع الجزيرة في حلحلة معادلات التسوية الخرقاء، تلك التي لم تكن تهم أحداً غيره. فدعك من اهل الجزيرة، إنها لا تهم حتى أهل دارفور الذين أُنجزت بإسمهم!. فإذا كان السيد وزير المالية يعتقد بأن في تبوئه لذلك المنصب، والذي تمَّ عنوةً، سبباً كافياً لتجيير موارد مشروع الجزيرة لتحقيق غرض تلك التسوية أو أي تسوية أخرى، فهو مخطئ.
نعم، يحظى مشروع الجزيرة بموارد غنية، بل وبأغنى مما هو في تصور وزارة المالية أو أي جهةٍ أخرى. لا تنحصر موارد المشروع في الأرض فقط وإنما للمشروع بنيات أخرى تشكل موارداً غير محدودة من عقاراتٍ كبيرة، ومخازن، وأبراجٍ للتقوية ومحالج وغيرها. الأمر الذي، وكما نعلم، دفع بمجلس إدارة المشروع إلى تبني مبدأ “الإدارة الفاعلة” ومن ثم إدراجها في صلب السياسات العامة التي أجازها لتحقيق برنامج ثورة ديسمبر للتغيير في المشروع. إن أحد أهم أهداف تحقيق مبدأ “الإدارة الفاعلة”، في المدى المتوسط وليس البعيد، هو رفع الرسوم والجبايات من على كاهل المزارعين. وذلك لان عائدات تلك الموارد، والتي لا يعلم بها اهل الجزيرة، كانت تذهب إلى جهاتٍ لا علاقة لها بالمشروع لا من بعيد ولا من قريب!. فهذا التوجه هو واحدٌ من التوجهات الكبرى التي أوقفها الإنقلاب الذي يمثل وزير المالية أحد أركانه!. إن الفكرة البائسة بتحويل مشروع الجزيرة إلى هيئة عامة هي فكرة لا علاقة لها بالتوجهات الكبرى التي كانت ستضع المشروع في مساره الصحيح والمأمول. هي فكرة تمثل وفي حقيقة الأمر هزيمة لتلك التوجهات، وأولها التوجه نحو تطبيق مبدأ “الإدارة الفاعلة”.
إن خبرة وزارة المالية عبر الثلاثين عام الماضية تؤكد بان كل الهيئات العامة التي كانت تقع تحت سيطرتها قد فشلت، بل وافلست وقد كان ذلك بسبب الفعل الإداري وتدني مستواه النوعي، ذلك الذي صحب جميع الإدارات التي مثلت وظلت تمثل وزارة المالية لوحدها، ولا غيرها!. الآن، على وزارة المالية أن تتحلى بالشجاعة وأن تعمل على نشر تقاريرها حول أداء الهيئات العامة التي كانت تديرها وتشرف عليها، وذلك قبل أن تفكر في ضم أو تحويل مشروع الجزيرة!. على أية حال من المهم التذكير بإن مشروع الجزيرة أكبر من أن يكون رقماً مدرجاً تحت أي قائمة من قوائم الفشل والخسران!.
إنه، وبالوقوف على ثراء موارد المشروع وبالعزم على توظيفها في تحويل المشروع إلى مؤسسة إنتاجية بحق، تمت صياغة رؤية جديدة بخصوص المشروع، وهي “بأن يتم تقديم مشروع الجزيرة للعالم كأنموذج اقتصادي جديد وناجح” متخطين بذلك لسائر القول المكرور لعبارة “إعادته لسيرته الأولى”!. تمَّ الحوار حول هذه الرؤية مع السيد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الذي كان متحمساً لها وقد وافق وعن قناعة لا يطولها الشك بأن يعطي مشروع الجزيرة الأولوية في التمويل ولكل عملياته الإنتاجية. وقد وضح صدق ذلك الحماس عندما قام، ودونما تردد، بالموافقة والتصديق على السعر التركيزي لإنتاج القمح في موسم العام 2021، وهو أمرٌ لم يحدث منذ زمنٍ طويل! وعلى العكس من ذلك تماماً كان ما فعله السيد وزير المالية بخصوص إنتاج هذا العام 2022، إذ أخلف ما وعد به، بل أنه رفع يد وزارته في وقت حرج، إذ ترك المنتجين يواجهون ولوحدهم نتائج ذلك الموقف المخزي حيث ما زال إنتاج القمح وحتى هذه اللحظة في حوزة المزارعين، ومن فوق رأسهم ما زال يتأرجح سيف الديون والقروض، لازمة الوفاء للشركات والبنوك!. والآن تتكرر نفس المأساة في هذا الموسم الصيفي حيث لا تمويل ولا مدخلات ولا تحضير. ومما يجعل من هذه المأساة ملهاة بحق هو أن يكون السيد الوزير مهموماً بتحويل المشروع إلى هيئة عامة! تاركاً بذلك ما هو أهم إلى ما هو أضر بمصالح الناس وبالمشروع.
دعني أقول بعض الحقائق والتي كانت بديل لهذا الجنون، وستظل. لقد تمَّ الاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، د. عبد الله حمدوك، وذلك بناءاً على حقيقة ما يزخر به المشروع من موارد غير محدودة، بأن يتم دعم المشروع ولمدة ثلاث سنوات متتالية للوصول به إلى مرحلة الإنطلاق والتي سيصبح بعدها مستقلاً ومن كل النواحي ولكي يبدأ في رفد الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة. ذلك ليس رجماً بالغيب وإنما نتيجة لمعرفة وطيدة لما يتمتع به المشروع من إمكانيات وقدرات، لا تتوفر لأي قطاع إنتاجي آخر في البلاد. فهنا يبين الفرق في النظر لموارد المشروع ويتضح الفرق في كيفية توظيفها. أي الفرق بين النظر إليها كطاقة دافعة للمشروع وبين النظر إليها كغنيمة حرب يتم توظيفها في إكمال تسوياتٍ لإتفاقاتٍ مقيتةٍ ومنبوذة!
إنه ولا محاص، فلابد من إسقاط السلطة الإنقلابية، لأنه وبإسقاطها سيتم إسقاط العقليات الإنقلابية التي تتسيد الموقف، وتتسنم مواقع القرار الآن، وستفتح الطريق أمام الناس لإدارة شئونهم والحفاظ على مصالحهم دون وصايا.