القواعد العسكرية بالقرن الإفريقي (12)
بقلم: حسين سعد
نواصل في المحور الحادي والعشرون من سلسلة حلقاتنا التي نحاول من خلالها متابعة (الازمة السودانية والتطورات الاقليمية والعالمية والمحلية) معرفة القواعد العسكرية في منطقة القرن الإفريقي حيث لم تغب الدول الأوروبية عن سباق التنافس على القواعد العسكرية في جيبــــــوتي، وهو ما اتضح جلياً من خلال تشكيلها قوة مشتركة أطلقت عليها أسم العملية الأوروبية لمكافحة القرصنة تركزت مهمتهاعلى تطويق جرائم القرصنة ومنع انتشارها في المناطق الاستراتيجية الهامة لحركة الملاحة الدوليــة،ومن جهـــــة أخرى أوضح المفوض الأوروبي لشؤون التنمية والمساعدات الإنسانية جان لوي ميشيل، بأن الاستراتيجية الجديدة التي وضعها الاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي، تهدف إلى إتباع مســــــار أكثر كفاءة في التعامل مع قضايا المنطقة وسط منافسة جادة مع الولايات المتحدة والصين،وكانت ألمانيا وجيبوتي قد وقعتا مطلع عام 2002م، اتفاقاً تاريخياً غير مسبوق يسمح للقوات الألمانية باتخاذ ميناء جيبوتي قاعدة مركزية لنشاطها في مراقبة السواحل الصومالية وتعزيز وجودها العسكري في القرن الإفريقي، كما نجح العديد من الدول الأوروبيــــة في إقامة قواعد عسكرية لها في جيبــــــــوتي، منها إيطاليا التي أنشأت قاعدة عسكرية صغيرة لها هناك، شأنها في ذلك شأن إسبانيا التي تمتلك قاعدة مماثلة لدعم العمليات الأوروبية في المنطقة، وقد لاقى الوجود العسكري الأوروبي ترحيباً واسعاً من قبل القيادة الجيبوتيــة.
القاعدة اليابانية..
تعـــــود جــــــــذور العلاقات الجيبوتية اليابانية إلى السابع والعشرين من شهر يونيــــــو عام 1977م، حيث اعترفت اليابان باستقلال الدولـــة الوليـدة وسعت لتوثيق العلاقات الثنائية معها في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتكنولوجية،ومع أن اليابان كانت تعتبر بعيدة عن محاور الصــــــراع الدولي المباشر على منطقة القرن الإفريقي، إلا أنها دخلت على الخط في عام 2009م، حيث أعلنت انضمامها لعمليات التحالف الدولي لمكافحة القرصنـة الصومالية ،وفي العام 2011م نشرت اليابان فرقة تابعـــــة لقوات الدفاع الذاتي قوامها 180 جنديا ،ً في قاعدة عسكرية أقامتها على قطعة أرض مساحتها 12 هكتـــــــاراً بالقرب من مطار جيبــوتي الدولي، وهي أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها منذ الحرب العالمية الثانية،وفي منتصف عام 2016م، بدأت التفاوض مع حكومة جيبوتي بخصوص استئجار أراضي إضافية لتوسيع قاعدتها العسكرية لموازنـة ما تعتبره نفوذاً صينياً متزايداً بالمنطقة، وبعد حصولها على الموافقة بدأت وزارة الدفاع اليابانية في منتصف عام 2017م، توسيع المرفق إلى 15 هكتـــــارا،ومن المتوقع أيضاُ أن تبــــدأ بتنفيذ المرحلة الثانية من خطــــــــــة توسيع القاعدة وزيادة عدد القوات المتمركزة فيها، لتشمل مجموعــــة واسعة من المهمات غير مكافحة عمليات القرصنة.
الوجود الصيني..
بدأت أولى بوادر العلاقات العسكـرية الجيبوتية الصينية في الظهـوربالتزامن مع التحـــولات الكبـــرى في خارطة السياسة الدوليـة والإقليمية في بداية حقبة التسعينات من القرن العشــــرين، والتي كان لها تأثيـــــراتها البالغة على منطقـــة القرن الإفريقي، فكانت جيبــــــوتي تواجه خلال تلك الفتــــرة تمــــــــرداً مسلحاً تقوده جبهــــة استعادة الوحدة والديمقراطية وبالتالي كانت في حاجة ماســــة إلى الأسلحة والذخيــــرة لمواجهـــة التمرد، لا سيما بعد أن امتنعت فرنســـــا التي كانت تعتبرها – حليفاً استراتيجياً– عن تزويد الجيش الجيبوتي بالســــلاح.
وفي خضم تلك الظروف الحرجــــة، توجهت قيادة جيبـــــــــوتي إلى الصيـــن لطلب المساعدة، والتي بدورها استجابت بشكل سريع ووفــــــرت لجيبوتي ما تحتاجه من الدعم، وهو الأمر الذي كان له تأثيـــــر واضح علي مجــريات الحرب وتغييـــــر موازين القوة على الأرض، ولهــــــذا تحرص جيبـــــــوتي على توسيـــع مجالات التعاون العسكــــري مع الصيــــــن، وتعتبره الأكثــــــر استراتيجية لحماية أمنها القومي وبناء قدراتها العسكــــرية والأمنية، وبدورها سعت الصين منذ ذلك الوقت المبكر إلى تقوية التعاون العسكري مع جيبـــــوتي، وهي تمكنت بالفعل من اختراق مناطق النفوذ الفرنسي التقليدي وأن تحل محـــــله،بدأت الصين في مطلع 2015م، إجراء مباحثات مكثفة تخللتها العديد من الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، والتي أثمرت عن توقيـــع اتفاقية تعاون تسمح للصين بإقامة أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي.
القوى الأوروبية وأفريقيا..
وأرجع الدكتور هرون في كتابه (الجغرافيا السياسية و الجيوبلوتكس) الارتباط الأوربي بالقارة الأفريقية إلى عهود طويلة، فقد تمكنت القوى الأوروبية من احتلال القارة و تقسيمها بعد مرحلة طويلة من الكشوف الجغرافية، و المحاولات الفردية من قبل بعض الدول الأوروبية و قد استطاعت القوى الأوروبية ان تحافظ على مصالحها في القارة ، فحتى في ظل نظام القطبية الثنائية الذي تراجعت فيه أهمية و مكانة القوى الاوروبية التقليدية التي كانت تسيطر على افريقيا، وفي ظل النظام العالي الجديد في التسعينات نشأت بيئة جديدة أثرت على الطرفين الأوروبي و الأفريقي، و من ثم على شكل ومضمون العلاقات فيما بينهما، فقد وجدت الدول الأوروبية التي طالما احتفظت بمكانتها المتميزة في القارة الافريقية انها اصبحت في مواجهة تحديات، و مخاطر جديدة أهمها الهيمنة الامريكية و المنافسة الشديدة من جانب القوى الاقتصادية الجديدة مثل اليابان و الصين و غيرهما،ولذلك عملت الدول الاوروبية على تدعيم علاقاتها بالقارة الافريقية على عدة مستويات و في عدة أبعاد، ففي إطار التعاون الجماعي يوجد عدة أطر للتعاون في الابعاد الاقتصادية و الامنية فمن الناحية الاقتصادية تتعدد أطر التعاون، و من أهمها
إطار اتفاقية لومي..
هو أحد أهم قنوات العلاقات متعددة الأطراف التي تربط دول الاتحاد الاوروبي مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء و دول المحيط الهادي و الكاريبي، و اتفاقيات لومي هي اساسا اتفاقيات تنموية استطاعت الدول الافريقية الاستفادة منها سواء في النظام التجاري المعمول به ، أو المعونات المالية الممنوحة لأغراض التنمية ، وقد طرحت فيها مؤخرا قضايا الحوار السياسي و الحكم الراشد و حل الصراعات كمبادئ أساسية للاتفاق.
مؤتمر برشلونة
يلاحظ ان الدول الاوربيه في تعاملها مع القارة الافريقية عملت علي فصل الشمال الافريقي عن الجنوب الافريقي فاذا كان اطار اتفاقيات لومي قد تعامل مع دول افريقيا جنوب الصحراء فانها شكلت اطار جديد للتعامل مع دول الشمال الافريقي من خلال مشروع الشراكه الامورومتوسطيه،وقد اسس مؤتمر برشلونه عمام ١٩٩٥ هذا اليطار تعبيراً عن وضع اساس جديد للعلاقات بين الاتحاد الاوربيه ودول جنوب المتوسط بما فيها دول شمال افريقيا (٦) ويقوم علي شراكه اقتصاديه وامنية وسياسية وفي المجال الاقتصادي اكد اعلان مؤتمر برشلونة علي اهمية تحقيق تنميه اقتصاديه واجتماعية متوازنه ومستدامة.
حقول النفط..
ويشير الدكتور هرون في كتابه (الجغرافيا السياسية و الجيوبلوتكس) الي ان الولايات المتحدة رؤيتها في منطقة آسيا الوسطى استندت على معطيات واقع المنطقة المشحون بالتداخل الاثني وأهميتها الجيوستراتيجية بالنسبة لسياسات الدول العظمى فعملت على خلق بيئة ملائمة تمهد لفتح حقول المنطقة النفطية امام الشركات الغربية خاصة الامريكية هادفة بذلك إخراج الدول المنتجة للنفط من النفوذ الروسي وكذلك إحتواء التحركات الصينية التي تستهدف زيادة نفوذها ووجودها في المنطقة ودعم سياسات الدول المناوئة لروسيا.
لكن يمكن القول إن الولايات المتحدة في هذه المنطقة لا تملك القدرة على بسط نفوذها بصورة مطلقه فروسيا أصبحت الآن تملك معظم مقومات القوة لحماية مصالحها ساعدتها الجغرافيا في ذلك إذ أن اغني الدول النفطية وهي كازخستان وواذربيجان وتركمنستان هي دول مغلقة وتعتمد على دول الجوار في نقل إمدادات الطاقة. أما المنافسة الروسية الصينية فهي لا تهدد الاهداف العليا لسياسة كلتا الدولتين. (يتبع)