الأحد, أكتوبر 6, 2024
مقالات

جنوب وادي سيرا.. ومظاهر صراعات الأرض

بقلم: محمد بدوي

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام المنصرمة إلى آخر بيان بتاريخ ١٣ يناير ٢٠٢٣، والذي حمل أمضاء اعلام تجمع قروبات جنوب وادي سيرا، عن معلومات مرتبطة باحتمال حدوث نزاع مسلح بمنطقة جنوب وداي سيرا، التي تقع بمحلية كرنوى بولاية شمال دارفور، وعلى وجه التحديد مناطق (عدار، قنديلات وأبوجداد )، قبل الخوض في أطراف النزاع والأسباب تجدر الاشارة الي زيارة الاستاذ الطاهر حجر عضو السيادي الانقلابي في ١١ يناير ٢٠٢٣ إلي محلية كرنوى ،منطقة ابوقمرة ووقوفه على مقبرتين جماعيتين حوت ١١٧ جثه من ضحايا الاحداث ٢٠٠٣- ٢٠٠٤ الاخري ٢٧ ضحايا في العام ٢٠٠٦، وللمنطقة رمزية في كونها مثلت أحد أضلاع مثلث كبكابية بشمال و منطقة قولو بوسط دارفور الحالية وهي المناطق التي شهدت أحداث واسعة في ٢٠٠١ قادت الي تسريع بروز النشاط اللاحق للحركات المسلحة بعد عام، ورمزية عسكرية في سياق المعارك التي دارت في العام ٢٠٠٦ بين الحركات المسلحة والقوات الحكومية وحلفاءها من المليشيات آنذاك، وهي من المعارك الكبيرة والشرسة والتي قتل فيها القائد العسكري لحركة تحرير السودان عقب تأسيسها ثم أصبح قائدا عسكريا للحركة التحرير التي يقودها مني مناوي حاكم اقليم دارفور الحالي.
تاريخيا قطنت قبائل الزغاوة بالمنطقة بما يشمل جنوب وادي سيرا قبل لجوء عدد كبير منهم الي دولة تشاد عقب اندلاع الاحداث في دارفور، بالمقابل فان راهن المنطقة الان تقطنه مجموعات اشار البيان الي انهم استقدموا من دول الجوار الغربي يرجح انها استوطنت عقب مشاركتها في سلك المليشيات الي جانب الخرطوم آنذاك.
عقب سقوط البشير وفي يونيو ٢٠١٩ زار مني مناوي بعض معسكرات اللجوء بتشاد لأول مره عقب ١٣ عاما، وعقب اتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ برزت رغبة لعودة بعض اللاجئين الذي عاد منهم بعض القادة الاهليين مثل العمدة أبكر بشر عمدة منطقة ابوقمره الذي عاد الي السودان عقب اتفاق سلام السودان وتقع المناطق المتنازع عليها بمحلية كرنوى بشمال دارفور.
وفقا للبيانات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي بان هنالك اتصالات للتعبئة بدأت في٥ يناير ٢٠٢٣ من قبل أصحاب الأرض لاستعاده مناطقهم الأصلية التي لجوء بعيدا عنها بعد أن تم إحراقها، وتستهدف المناصرة أعضاء الحركات المسلحة المنحدرة أصولهم من تلك المنطقة وربما أن يتطور الأمر إلي لقاء تنسيقي في ١٥ يناير ٢٠٢٣، بالمقابل فإن المجموعة التي تقيم في المنطقة الآن وبعد علمها بالتطورات بدأت التنسيق لحشد المناصرة من أعضائها تحت مظلة قوات الدعم السريع.

ما يحدث هو جزء من أشكال نزاعات الأرض عقب أزمة دارفور ٢٠٠٣، والمرتبطة بالعودة الطوعية اللاجئين أو النازحين لمناطقهم السابقة أو التاريخية، والتي تتحقق بتوفر الاستقرار الذي يشكل الأمن وتوفير الخدمات بما يشمل تأهيل المناطق المتضررة سواء من الحريق أو الالغام، خلوها من مظاهر سيطرة مؤقتة مثل النشاط الرعوي أو دائمة مثل الإقامة المستقرة أو الزراعة، مع توفير الخدمات التي في الغالب ينص عليها في اتفاقات السلام أو في ميزانية الدولة أو منح المساعدات الدولية، يتم كل ذلك تحت إشراف السلطات الحكومية سواء تحت مفوضية العودة الطوعية، أو الادارات التنفيذية.

لكن في حالة دارفور برزت تعقيدات ارتبطت بسياق وجود بعض المليشيات التي كونتها السلطات الحكومية سواء من داخل الاقليم او مزاعم استقدامها من دول الجوار الافريقي الغربي في اراضي السكان الاصليين، تظل الحالة تشير الي ان الاستقرار اللاحق جاء بعد اعادة تشييد بعض القري التي احرقت من قبل المقيمين الجدد بما ابرز ظاهرة تغيير ثقافية بظهور اسماء جديدة لبعض المناطق.

إذن غياب دور السلطات في الاشراف على العودة الطوعية من الراجح انها ستقود الي نزاعات جديدة يشجع من اتساع نطاقها واستمرارها المناصرة الاثنية المرتبطة بالسلطة في التسليح باعتبار المناصرين يرتبطون بقوات مدرجة في الوثيقة الدستورية ٢٠١٩، أو اتفاق سلام السودان ٢٠٢٠، ولعل ذلك يعيد الحديث مرة اخري الا أن الراغبين في العودة الطوعية ضحايا اخرين لانقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ وضحايا لدعم بعض الحركات للانقلاب الامر الذي قاد تجميد المنح الدولية أو تمويل الدولة لتنفيذ بنود اتفاق السلام.

ما نشير إليه ليست حالة معزولة بل ستعقبها حالات اخري لارتباط الارض بالهوية بناء على ما رسخ في الوجدان من الملكية العرفية التاريخية ولا سيما خصوصيتها في دارفور حيث المنح السابق منذ سلطنة الفور جعل اسم المجموعات معرفة بالأرض بلفظة ” دار ” على نسق دار الهبانية، دار زغاوة، دار السميات، دار التعايشة، ودار …..و هكذا، عطفا على ذلك ولتفادي النزاعات الراجحة يجدر أن يأتي تدخل السلطات ايجابيا بما يشمل الاستعانة بالخبراء من رجال الخدمة المدنية وغيرهم ممن عملوا سابقا في تلك المناطق، وهنا أشير الي تلك الفئات على سبيل المثال لا الحضر، الضباط الاداريين، الشرطة، القضاة، البيطريين، لتولي الاشراف والتحضير لخريطة الأرض تفاديا للنزاعات، بما يشمل فك الارتباط بين الأسماء السابقة واللاحقة للمناطق.
الثابت أن هنالك وثائق عرفية لملكية الأرض، كما أن التكنلوجيا أتاحت فرص الحصول على صور بالأقمار الصناعية للخريطة قبل ٢٠٠٣ وبعدها، بالإضافة الي وثائق الخريطة الادارية للأقاليم وتشمل طبيعة السكان وأنشطة علاقات الانتاج.

استصحاب نظام الاستضافة العرفي والذي بموجبه يمكن لمجموعات استضافة اخري داخل حدود أراضيها العرفية وفقا لشروط الاستضافة، وهذا يتيح التدخل الايجابي لتكامل علاقات الانتاج الزراعية والرعوية.

أخيرا: على السلطات وقادة الحركات الموقعة على اتفاق السلام ادراك أن نصوص علاقات الأرض في اتفاق السلام رسخت للملكية القبلية دون عناء النظر أو معالجات لما نتج عن قانون سنة ١٩٧٠ الذي نص على تسجيل الارض غير المشمولة بالتسجيل تحت قانون ١٩٢٥ باسم حكومة السودان، اي بعد ٩ اعوام من ضم سلطنة الفور في ١٩١٦ للدولة السودانية، ليأتي اتفاق السلام دون معالجات أو حلول في راهن لا يزال وجدان السكان يعترف بالملكية المرتبطة بالمنح في فترة سلطنة الفور ! بل أنه قبل مناصرة اي طرف من قبل المجموعات المسلحة تحت مظلة القادة الموقعين على اتفاق السلام عليهم إدراك أنهم جزء من المسئولية ونصوص الاتفاقات القاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *